لما طال المرض بأيوب وزاد بلاؤه، حتى قيل إنه تساقط لحمه فلم يبق إلا العظم والعصب، وكانت امرأته تأتيه بالرماد وتفرشه تحته لتخفف من آلامه، فلما طال صبره، وطال عذابه، ألحت عليه أن يدعو الله ليشفيه، وقالت: يا أيوب، لو دعوت ربك لفرج عنك، فقال لها أيوب: لقد عشت سبعين سنة صحيحا، فهل لي أن أصبر مثلها لله عز وجل, فجزعت من هذا الكلام، وأخذت تخدم الناس بالأجر لتوفر لزوجها الطعام، ثم بدأ الناس في اعتزالهما حتى لا ينالهم أذى بمخالطتهم أيوب. وفى ذات مرة لم تجد زوجة أيوب عملا لتوفر منه طعاما لزوجها، فاضطرت إلى بيع إحدى ضفيرتيها لتشتري بثمنها طعاما، فلما أتت به أيوب، قال: من أين لك هذا؟ وأنكره عليها، فقالت: خدمت أُناسا فأعطوني أجرا فاشتريت به طعاما، فلما كان اليوم التالي وهى تبحث عن عمل لها فلم تجد، فباعت ضفيرتها الثانية، وأتت بثمنها طعاما فأنكره أيضا، وحلف ألا يأكل من هذا الطعام حتى تخبره عن مصدره، حينئذ كشفت له عن رأسها وأزاحت خمارها، فلما رأى رأسها محلوقا دعا ربه أن يكشف عنه هذا الضر، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ(84)} (الأنبياء: الآيتان 83، 84). ولم يصح عن قصة أيوب إلا ما أخبرنا الله في كتابه في سورتي الأنبياء في قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ} (الأنبياء: الآية 83)، وفى سورة ص في قوله تعالى: {أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} (ص: الآية 41). وكذلك ما ورد في صحيح البخاري من أحاديث، فعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى يَا رَبِّ وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ» (صحيح البخاري: 3140).