كلّ حليم صابر كاظم لغيظه عفو يصفح عن النّاس لكن قد يكون الإنسان صابرا ولا يكون حليما. فالحِلم جماع الخلق الحسن ومن بلغ مرحلة الحِلم فقد فاز ولهذا قال الإمام علي بن أبي طالب: الحِلم سيد الأخلاق. فالله الصبور هو الذي لا يعجّل بالعقوبة لمن عصاه فهو يمهل ولكنّه لا يهمل، قال تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (النحل 61) وقال تعالى {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى}(طه 129) لكان لزاما إنزال أشدّ العقوبة على العصاة بأنّ يبيدهم وينهيهم ولكن أخّر العقاب رحمة منه فالكلمة التي سبقت من الله هي: إنّ رحمتي سبقت غضبي.. إنّ الله خلق الخلق ليرحمهم وليسعدهم وهو بالتأخير يعطيهم الفرصة ليتوبوا ويرجعوا ويستغفروا. فما دام الإنسان في استغفار فرحمة الله قريبة منه ومغفرته واسعة. ولا يزال الله الرّحيم الغفور الصّبور يعطي عباده الفرصة تلو الفرصة لعلهم يرجعون ويتوبون ليجيرهم من عذاب النّار. أمّا الكافر الذي نراه يزداد غنى وقوة وجبروت فإنّ الله ليس بغافل عمّا يعمل. وفرعون مثال حيّ فعندما قال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات 24) أمهله الله وأرسل إليه سيدنا موسى وأخاه هارون عليهما السّلام وأمرهم أن يقولا له قولا ليّنا لعله يتذكر أو يخشى ولكن عناد فرعون وتكبّره جعلاه يخسر رحمة ومغفرة الله عزّ وجلّ.وأمام كل ما نراه من ظلم يقول لنا الله {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (إبراهيم 42) أمّا الحليم وهو ذو الصفح والإنابة الذي لا يستفزه شيء ولا غضب ولا يستخفه جهل جاهل ولا عصيان عاصي ولا يستحق الصفح مع العجز أن تقول هذا حليم، أنّما الحليم هو الصفوح مع القدرة على الانتقام المتأني الذي لا يعجل العقوبة وأيضا لا يحبس عنّا أنعامه وأفضاله بمعاصينا أبدا. الصبر تتلقّى الأذى من الآخرين فتصبر عليهم فيجازيك على صبرك أمّا الحليم فهو قادر على إيذاء من أذاه ولكن يحلم عليهم. مثال: مديرك أذاك في العمل ليس لك حيلة إلاّ أن تصبر وتحسب أمرك إلى الله، أمّا إذا كنت أنت المدير وقام أحد الموظفين بخطأ يستحقّ عليه الطرد مثلا، إذا اتصفت بصفة الحلم ، تترك هذا الموظف يواصل عمله ولا تقطع رزقه.