«ليالي رمضان 2012» هو الجنين الذي تمخّض عن زيجة مهرجان سوسة الدولي بمهرجان المدينة فرضها تزامن شهر رمضان المعظم مع فصل الصيف ضمّ برنامجها 21 عرضا متفاوتة القيمة الفنية تمتد من 24 جويلية الى 16 أوت. عرض الافتتاح كان بامضاء الفنانة نوال غشام صحبة فرقة أحسن قيادتها الموزع مهدي المولهي وشكلت أغنية قصيد أبي القاسم الشابي «أيها الظالم المستبد» الاستثناء في هذا الحفل فيما اندرجت أغلب الأغاني المتبقية ضمن القديم المجترّ الذي اشتهرت به هذه الفنانة والتي لم يفقد صوتها بريقه، بعد الفن السابع كان لجمهور الفن الرابع موعدا آخر وللمرة الثالثة على التوالي في مهرجان سوسة مع لطفي العبدلي في مسرحية أحرجت العائلات التي حضرتها بسبب الكم الهائل من الألفاظ والمواقف المصبوغة بإثارات جنسية مجانية بعيدة عن «طقوس» العرض الفني اضافة الى تسطيح القضايا المطروحة وتمييعها و التجرؤ على أخرى بدافع استهزائي أكثر منه نقدي، ولعلّ الملفت للانتباه في هذا العرض هو المجموعة الكبيرة من الحراس الشخصيين الذين استعان بهم العبدلي و سيطروا حتى على مجموعة التنظيم للمهرجان رغم التواجد الأمني المكثف طيلة العرض.
عازف الكمنجة نديم والمطرب محمد الحلو رغم الحضور الجماهيري المتواضع لعرضيهما شكلا الاستثناء في الأسبوع الأوّل من «ليالي رمضان» ابداعا وامتاعا حيث تألق الأول في عزف ثلاث عشرة مقطوعة موسيقية من انتاجه الخاص والتي استلهمها من العديد من الحضارات أما المطرب محمد الحلو فانه رغم اكتفائه ببعض الأغاني من انتاجه الخاص والعديد من أغاني الآخرين خاصة أم كلثوم معللا ذلك بعدم تمكّن الفرقة التونسية المصاحبة له من تحضير أغانيه فانه استطاع ارجاع الحاضرين الى زمن الفن الجميل وخاصة احترامه لفنه ولجمهوره مما أمتع الحاضرين الى حدّ النشوة.
العرضان الصوفي الباكستاني والمالوف التونسي الذي أمنته فرقة المالوف المغاربي بسوسة بقيادة الفنان فتحي بوسنينة، لم يكونا أقلّ امتاعا من العرضين التركي والمصري فالأول مثّل فرصة للجمهور لاكتشاف شكل آخر من العروض الفنية والتي ان اقترنت بصبغة صوفية تبقى ثقافية في مفهومها الجامع وهو ما ينقص مهرجاناتنا التي بقيت في جل برمجتها رهينة اسماء تجتر في نفسها دون الانفتاح على بقية الثقافات والحضارات، أما عرض المالوف فكان دعما ومصالحة بين الجمهور والموسيقى الوترية التراثية حيث أبدعت مجموعة الأستاذ فتحي بوسنينة في تقديم عرض برتبة وثيقة فنية شكلت فيها الفنانة الجزائرية مفاجأة السهرة بما أظهرته من أداء سحر الحاضرين وزادهم نشوة وان خلف ابداعا فانه خلف أيضا تساؤلا حول تغييب هذه الفرقة عن المشهد الفني بالجهة وأيضا الوطني فرغم ضعف المقابل الذي تناولوه وهو الأضعف من بين مختلف السهرات فإنهم قبلوا العرض وحرصوا على جلب الفنانة الجزائرية بامكانات الفرقة الخاصة تعبيرا لا على وجودهم لأنه من تحصيل الحاصل ضمنه قيمتهم الفنية ولكن تعبيرا عن استحقاقهم بالتواجد في مختلف التظاهرات الجهوية والوطنية ولما لا الدولية .
وتتواصل عروض «ليالي رمضان» سوسة ومن أهم المحطات الفنية والتي ستكون محط اهتمام اصحاب الذوق الرفيع هي سهرة الفنان لطفي بوشناق، بقطع النظر عن مدى الاقبال الجماهيري بحكم أن هذا المقياس كثيرا ما يعكس نقيض القيمة الفنية للعرض.