جريمة القتل التي جدت مساء الخميس بمدينة جمال مباشرة بعد الافطار انضافت إلى جملة من الجرائم الأخرى المُتواترة هذه الأيام والتي تنوعت بين القتل والتعنيف والسرقة والنشل بالقوة... فهل دق ناقوس خطر ارتفاع نسبة الجرائم في تونس؟ في اليوم السادس من رمضان، وقبل موعد الإفطار بحوالي 5 دقائق، أقدم شاب عمره حوالي 35 عاما على قتل قريبه البالغ من العمر 27 عاما وذلك بجهة حي التضامن بسبب خلاف بسيط قيل انه حول عقار.. وبعد ذلك ببضعة أيام أقدم كهل بمدينة بنزرت على طعن زوجته بسكين في أماكن متفرقة من جسدها لكنها نجت من الموت بعد اسعافها في المستشفى... وفي الحمامات عمد مؤخرا شاب إلى قتل سائح وبمدينة تستور جدت منذ مدة بمناسبة حفل نجاح في البكالوريا جريمة قتل راح ضحيتها شاب وإلى جانب جرائم القتل، تمكنت الفرق الامنية مؤخرا من القاء القبض على عدد كبير من المنحرفين المتهمين بارتكاب جرائم سلب ونشل بالقوة... فهل هو ارتفاع حقيقي في نسبة الجريمة في تونس؟ أم هو مجرد ارتفاع في نسبة التصريح بالجرائم بعد عهد سابق كان يتّسم بالتعتيم والتكتم حول الجرائم المرتكبة؟ وهل للوضع بالبلاد علاقة بما يحصل بما يرجح امكانية تراجع هذه النسبة عندما يستقر الوضع العام ويسترجع القانون والأمن هيبتهما؟
شغل شاغل
مسألة ارتفاع عدد الجرائم في المدة الأخيرة أصبح بشهادة كثيرين شغلا شاغلا يُؤرق الجميع. فقد أصبح من السهل ملاحظة حالة استنفار جماعي تجاه الجريمة في كل الأماكن وتبادل للنصائح بين أفراد العائلة الواحدة او بين الزملاء في مواقع العمل أو بين الأصدقاء بتوخي الحذر عند التواجد في الشارع وفي الفضاءات العمومية وتكون كلمة السر دوما « رُد بالك على روحك».
ورغم أن وزير الداخلية قد أكد مؤخرا على استقرار الوضع الامني بالبلاد، إلا أن كل فرضيات ارتكاب الجرائم المختلفة – بما فيها البشعة – تبقى واردة في أي يوم وفي اي مكان وهو ما يستدعي مزيدا من اليقظة سواء في صفوف الامن أو في صفوف المواطنين انفسهم عند التواجد في المناطق العامة.
من التكتم إلى العلنية
باعتراف وزارة الداخلية نفسها، فان حالات وأعداد الجرائم المُصرّح بها بصفة رسمية أو عبر وسائل الاعلام في العهد السّابق كان مخالفا للواقع وذلك من اجل تلميع صورة النظام وصورة الوضع العام في البلاد. لذلك بدا الوضع اليوم أكثر قتامة من السابق في ما يتعلق بظاهرة الاجرام، لكن وفق بعض الآراء، فان ذلك لا يعكس حقيقة ما يجري في الواقع إذ أن المعدل الرسمي والحقيقي للجريمة لم يسجل ارتفاعا كبيرا وكل ما في الامر هو ارتفاع في عدد الجرائم المُعلنة.
سُلوك ثوري
حسب مواقف وآراء أخرى فان نسبة الجريمة في تونس ارتفعت بشكل فعلي مقارنة بما كان سائدا طيلة السنوات الماضية. فالفراغ الامني ببعض المناطق وتراجع هيبة القانون وهيبة الدولة لدى كثيرين (بسبب المشاعر الثورية التي قضت على كل القيم والمعايير ) كلها عوامل تسببت في هذا الارتفاع. وهو بذلك ارتفاع مؤقت ومن الطبيعي أن تعود النسب إلى حالتها الطبيعية عندما تستقر الأوضاع بالبلاد.
رمضان
يقول الباحث في علم الاجتماع مراد مهني ان ارتفاع نسبة الجرائم بشكل عام له علاقة حتمية بالحراك الذي تشهده البلاد على المستوى الاقتصادي والسياسي. لكنه عرّج على ارتفاع هذه النسبة خلال شهر رمضان على ضوء الجرائم التي جدت على امتداد الايام الماضية بأنحاء مختلفة من البلاد. وحسب المتحدث فان أهم استنتاج يمكن ملاحظته هو تراجع قيم التسامح والتضامن... التي تعودنا عليها خلال شهر الصيام لتفسح المجال أمام معايير اجتماعية أخرى مثل الانتهازية والاستغلال وتحقيق الربح المادي واستعمال القوة والميل نحو العنف. وهذا ما ادى إلى ارتفاع في نسب الجرائم المرتكبة خلال رمضان لتنضاف إلى العدد المرتفع من الجرائم المرتكبة خلال بقية أشهر العام.
من تخميرة الثورة إلى تخميرة الصوم
حسب السيد مراد مهني، فإنه في الاشهر العادية، لعبت المشاعر الثورية دورا هاما في تهيئة الارضية المناسبة داخل كثيرين لارتكاب جرائم مختلفة. فهذه المشاعر تخلق داخلهم ما يشبه التخميرة فيتناسون بذلك القانون والسلطة ويرتكبون جرائمهم اعتقادا منهم ان العقاب لن يطالهم.
وبالنسبة لشهر رمضان فانه يتميز حسب المتحدث بظهور تخميرة من نوع آخر وهي «حشيشة الصوم» التي تحول الانسان أحيانا إلى متخمر لا يدري ما يفعله، فيرتكب جرائم مختلفة. لكن الأخطر من كل هذا هو أن حشيشة رمضان تكون غائبة احيانا لكن مع ذلك يرتكب الشخص الجريمة ضاربا عرض الحائط بكل القيم الدينية والاجتماعية التي تعودنا عليها خلال شهر الصيام.
لماذا التعتيم على الارقام؟
واقع الجريمة في تونس بقي محاطا بكثير من الغموض، فلا احصائيات رسمية بوزارة الداخلية او بوزارة العدل (وهو أمر غريب لا نجده إلا في تونس) ولا دراسات علمية دقيقة تبين على ضوء الاحصائيات الرسمية الاسباب وتضع الحلول ولا أثر لأية اعمال تحسيسية (من المجتمع المدني أو من الدولة) خاصة في صفوف الشبان من شأنها التخفيض من عدد الجرائم المرتكبة.
البعض الآخر يتحدث أيضا عن غياب أو ضعف في الردع والصرامة على مستوى النصوص القانونية، وهو ما يستدعي مراجعتها، وعلى مستوى تطبيقها وتنفيذها، وهو ما يتطلب حرصا مضاعفا من المكلفين بتنفيذ القوانين. ويتحدث آخرون عن غياب الصرامة عند التعامل القضائي مع بعض الجرائم وهو ما يستدعي من القضاء أيضا تطوير وسائل عمله بغاية الحد من ظاهرة انتشار الجريمة.