شهدت جهة سليانة أيضا ميلاد 7 شعراء لهم قدرة إبداعية تفسّر رصيدهم الكبير التي صاحبهم في حياتهم وتواصلت بعد مماتهم إذ لا بدّ من التأكيد أن لهذه الأشعار قيمة تاريخية تستوجب حفظها من الاندثار أمثال ما كتبه شاعر أولاد عيار (مكثر) علي الدليوي العياري الذي يعتبر من الشعراء القلائل الذين شغلوا الناس في حياتهم وبعد مماتهم في عشائر وخارج حدود الوطن ويكنى بالعياري نسبة الى أولاد عيار وموطنه الأصلي جهة مكثر، على أن علي الدليوي ينتسب وبالتدقيق الى أحد الفروع الذين استوطنوا منطقة «مصّوج» قرب مدينة سليانة هناك نشأ وترعرع وشاع صيته شاعرا وفارسا مغوارا عزيزا في عرشه وجيها في قومه معروفا على مستوى وطنه ردّد الناس شعره في كل مكان وتناقلوا خصاله وبطولاته وهو ما يعتبر بقاء الكثير من شعره يتردّد على الألسن مقرونا بحوادث تؤكد مكانته الشعرية والمنزلة الاجتماعية والشهرة الواسعة التي يتمتع بها علي الدليوي. زاول تعليمه لدى مؤدب «الدوار» حيث حفظ القرآن الكريم في سنّ مبكرة ثم انصرف الى قول الشعر الذي ما لبث وأصبح جاريا على كل لسان وخاصة شعراء الجهة إذ يعتبرونه أمامهم لا يفتؤون يذكرونه بكثير من الاكبار والتمجيد.
فشعره يضيف الى صنفين في أغراض معروفة لدى الشعراء متداولة بينهم وتعرف ب«المسقف» وهو عبارة عن التباري بين شاعرين حيث يعمد أحدهما الى الإثبات بلغز شعرا فيصبح الثاني والحالة تلك «مكبلا» إذا تمكن من حلّه (تفسيره) شعرا أيضا ومثاله ما دار بين شاعرنا علي الدليوي ومعاصره الشاعر سعد الأزرق الهمامي أثناء حلول هذا الأخير بمكثر ضيفا عليه حيث نظر سعد الأزرق الهمامي الى صفيحة حصان الدليوي وهي تلمع فقال فيها «على أنثى قديمة تحت القدم قدمها تصعب على العرّاف لا تنجّمها». فأجابه الدليوي على الفور: «أنثى شارف وتصعب على العرّيف وآل عارف.. حلقة زادوها أربعة طوارف هزّوها للولام» وقصائد طويلة تصوّر حوادث معيّنة وتجمع عديد الأغراض المتداولة من عموم الشعراء من غزل وفخر ووصف الطبيعة ومدح وهجاء وحكمة ومن هذا الصنف قصيدة الكأس المسمومة التي يقول في شأنها الرواة تصوّر الشاعر الدليوي التردّد على مجلس الصادق باي حيث كان معجبا بشعره مغرما بسماعه وذات مرة وبينما كان جماعة من عرش أولاد عيّار بصدد الانصراف من مجلس الباي إثر قدومهم للتشكّي أبدى سخريته منهم وطلب من الدليوي أن يرشدهم الى تنظيم لباسهم وتحسين هيئتهم فحزّ هذا في نفس الشاعر وعندما رجع أعلن فيهم قراره منع الشتكي للباي وأنه سيتكفل بفض نزاعاتهم بنفسه فاستغل حسّاده هذا التصرف ووشوا به للباي الذي دعاه للحضور بمجلسه جريا على العادة وهو في الحقيقة يريد التحقيق معه فيما بلغه عنه وإذا تأكد من صحة الخبر فقد أوعز بوضع شيء من السّمّ في كأس الدليوي وبذلك يتخلّص منه في يسر ويذكر الرواة أن الدليوي تفطّن للأمر في مجلس الباي فاشتدّ كربه ونفث همّه في قصيد تأثر له الباي فأسرع وفي اللحظة المناسبة فكتبها ومطلع هذه القصيدة: «هذا! هو يدوّخ الرأس يا نفس كوني صبورة والعمر عنده قياس امقيّد ثابتة اصطورة»