الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
بوحجلة :استفادة 700 مواطن من القافلة الصحيّة بمدرسة 24 جانفي 1952
عاجل : أحمد الجوادى يتألّق في سنغافورة: ذهبية ثانية في بطولة العالم للسباحة!
عاجل/ القبض على صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء..وهذه التفاصيل..
سيدي بوزيد: تضرر المحاصيل الزراعية بسبب تساقط البرد
عارف بلخيرية مجددا على رأس الجامعة التونسية للرقبي
لا تفوتوا اليوم لقاء الترجي والملعب التونسي..البث التلفزي..
عاجل/ غرق طفلين بهذا الشاطئ..
نبض متواصل.... الرباعي يجدد العهد مع جمهور الحمامات
الأغاني الشعبية في تونس: تراث لامادي يحفظ الذاكرة، ويعيد سرد التاريخ المنسي
بلاغ هام لوزارة التشغيل..#خبر_عاجل
منوبة: رفع 16 مخالفة اقتصادية و13 مخالفة صحية
بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة
عاجل : نادي الوحدات الاردني يُنهي تعاقده مع المدرب قيس اليعقوبي
الالعاب الافريقية المدرسية: تونس ترفع حصيلتها الى 121 ميدالية من بينها 23 ذهبية
إيران: لم نطرد مفتشي الوكالة الدولية بل غادروا طوعاً
تحذيرات من تسونامي في ثلاث مناطق روسية
منزل بوزلفة:عمال مصب النفايات بالرحمة يواصلون اعتصامهم لليوم الثالث
عودة فنية مُفعمة بالحبّ والتصفيق: وليد التونسي يُلهب مسرح أوذنة الأثري بصوته وحنينه إلى جمهوره
فضيحة تعاطي كوكايين تهز ال BBC والهيئة تستعين بمكتب محاماة للتحقيق نيابة عنها
برنامج متنوع للدورة ال32 للمهرجان الوطني لمصيف الكتاب بولاية سيدي بوزيد
وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس
تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار
إيمانويل كاراليس يسجّل رابع أفضل قفزة بالزانة في التاريخ ب6.08 أمتار
الجيش الإسرائيلي: انتحار 16 جندياً منذ بداية 2025
طقس اليوم الاحد: هكذا ستكون الأجواء
رفع الاعتصام الداعم لغزة أمام السفارة الأمريكية وتجديد الدعوة لسن قانون تجريم التطبيع
الإمضاء على اتفاقية تعاون بين وزارة الشؤون الدينية والجمعية التونسية للصحة الإنجابية
بلدية مدينة تونس تواصل حملات التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي
دورة تورونتو لكرة المضرب: الروسي خاتشانوف يقصي النرويجي رود ويتأهل لربع النهائي
نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة
ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !
عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..
829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية
كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟
اليوم الدخول مجاني الى المتاحف
درجات حرارة تفوق المعدلات
في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش
الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)
لجنة متابعة وضعية هضبة سيدي بوسعيد تؤكد دقة الوضع وتوصي بمعاينات فنية عاجلة
لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس
شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها
قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"
قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي
تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل
جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي
شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟
كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!
عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..
الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..
تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك
"تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي
كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟
الحماية المدنية تحذر من السباحة في البحر عند اضطرابه رغم صفاء الطقس
الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة
بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء
القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة
تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه
شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الشاعر التونسي المكي الهمامي يتسلّم جائزة مفدي زكريّا للشعر
ديما أونلاين
نشر في
ديما أونلاين
يوم 19 - 04 - 2012
تسلّم الشاعر
التونسي
المكي الهمامي جائزة مفدي زكريا العربية للشعر بالعاصمة الجزائرية وفيما يلي القصيد الفائز بالجائزة تحية من"ديما أونلاين" للشاعر
القصيدة الفائزة بجائزة
مفدي زكريّاء العربيّة للشّعر
الدّورة العربيّة الثّانية
(2010 _ 2011)
تَحَوُّلاَتُ الشَّاعِرِ
(قصيدة سرديّة مطوّلة)
المكّي الهمّامي
شاعر من
تونس
(01)
للشّاعرِ ثمْرُ الأسرَارِ،
وخمرُ النّسيانِ. لهُ شجرٌ مجنُونٌ
يَكبرُ في الأحدَاقِ، ويُورِقُ منتشِيًا
كالبستانِ. لَهُ الأمطَارُ المَأْخُوذَةُ
بِالغَمْرِ. وسَقْفُ الأكوانِ مُنَاهُ...
(02)
عُكَّازُ الشّاعرِ قافيةٌ، فَلْيَرْمِ بِهذا العكّازِ بعيدًا، ولْيَبْحَثْ في دَمِهِ عن معجزَةٍ كبرى – قِيلَ لهُ – يَحتاجُ الشّاعرُ شيئا أدهشَ من أوزانٍ وتفاعيلَ لكي يُقْنِعَنَا بِنُبُوَّتِهِ. يحتاجُ الشّاعرُ، مَثَلاً: أَنْ يبتكرَ البرقَ اللاّمعَ في الظّلماتِ/ وأنْ ينصتَ مَشْدُوهًا للأَنْسَاغِ تَصَاعَدُ في شجَرِ الأدغالِ/ وأَنْ يتوحَّدَ كالحلزُونِ سعيدًا بحرائقِهِ، ويكوِّرَ في كفَّيْهِ الخَالِقَتَيْنِ سَمَاهُ...
(03)
الشَّاعِرُ مَنْ يُخْفي العالَمَ،
في الكلمَاتِ. وإِذْ يَتَغَلْغَلُ في الفكرَةِ
أو في الغيمَةِ أو في شهقَةِ أُنْثَى،
يَتَنَاثَرُ من بُرْدَتِهِ يَاقُوتُ الفَجْرِ،
ويَجري من وَرْدَتِهِ مَاءٌ شَبَقِيُّ النُّورِ،
وتَخبطُ في الدَّيْجُورِ عَصَاهُ...
(04)
يَمْضي، يَعبرُ سُجُفًا تُخفي سُجُفًا، وغُيوبًا فوقَ غيوبٍ. مقدورُ الشّاعرِ أن يضربَ في الأكوانِ، غريبًا. يعتمرُ الغيمَ. ويشربُ أنهارًا عَطْشَى. يَتَفَتَّتُ في الأبديَّةِ أضواءً وَلْهَى. حِكْمَتُهُ الأمطارُ. وحجّتُهُ الأزهارُ، لَهُ فيها بِدَعٌ ومُحَالٌ. والأقمارُ ظِلالٌ لِمَرَائِيهِ. خَيْمَتُهُ الرِّيحُ. ومَوْطِنُهُ الرَّفْضُ. ولا سَمْتٌ لرَوَاحِلِهِ، إذْ تَشْرُدُ في التِّيهِ. ولا بَدْأٌ لغوايَتِهِ، إذْ تخلُقُ أتباعًا مَلْعُونِينَ. ولا خَاتِمَةٌ لِهُبُوبِ الرُّؤْيَا في عينَيْهِ. لدَيْهِ تقاويمُ الصّحراءِ. ويَتْرُكُ أحفادًا، في كلِّ بلادٍ يَعْبُرُهَا. يَنْسَى، دومًا، شيئًا سحريًّا وبسيطًا، يحرسُ ذِكْرَاهُ...
(05)
في الجَدْبِ، يَرُوغُ إلى امْرَأَةٍ يَتَسَرَّاهَا، يَبْحَثُ عن فَيرُوزِ الدّهشَةِ فيها. مَنْ ينقذُهُ من خَيْطِ الشَّهْوَةِ، إذْ يلتفُّ نعيمًا وجحيمًا حولَ فحولَتِهِ، ويحرِّرُهُ مِنْهُ ومِنْهَا ؟ جَدْوَلُ عِشْقٍ إِيرُوسِيٍّ هذا المُلْقَى فوقَ الكتفينِ، سُقُوطًا أَبْهَى في هَاوِيَةِ الرَّوْعَةِ. نبعٌ ملعونُ الماءِ لشَارِبِهِ هذا الثَّغْرُ القَانِي. وحدائِقُ من زهرٍ أسطوريٍّ هذا الصَّدْرُ العامِرُ بالأسرار. وحينَ يحدّقُ في سُرَّتِهَا، يبصرُ في العمقِ قطيعَ آيَائِلَ تَرْعَى الأنوار. لهذا الجَسَدِ المَجْنُونِ بَلاَغَتُهُ الْمُعْجِزُ مَعْنَاهَا. لا عينَ رَأَتْ، من قَبْلُ، ولا كفّ جَسَّتْ... كانتْ سِرْبَ نساءٍ يَتَكَوْكَبْنَ جميعًا، في هذا الجسدِ القاهر، يَصْرُخُ فيهنَّ وفيهِ الشّاعر: [ هذا الجسدُ الآثِمُ ما أَغْوَاهُ !!! ]
(06)
والشّاعرُ، إذْ يَتقدَّمُ منفيًّا، ووحيدًا،
في ما يَغْدُو وَطَنًا لِمَبَاهِجِهِ،
يَتْرُكُ أَثَرًا بلّوريًّا،
يَزرعُ شَجَرًا /
قَمَرًا /
قَدَرًا نُورانِيًّا،
خَلْفَ خُطَاهُ...
(07)
أطوارُ الشّاعرِ مرعِبَةٌ. يمضي منذورًا للتّيهِ، ومفتونًا بالموسيقى تَصَّاعَدُ من شفتَيْهِ، يَدًا تَقطفُ لذّاتٍ وفراشاتٍ وغماماتٍ / صَدْرًا مزدحمًا بالأَرْيَاحِ الفَذَّةِ / وَجْهًا يبرقُ كالمِشْكَاةِ ويشرقُ في الظّلمَةِ. يَمْضي. يَعْبُرُ بوّاباتٍ سبعًا. يبحث عن مدنٍ شاهقَةٍ، فيها القمرُ الوَهَّاجُ الغارقُ في دمِهِ. يَمضي. ويَطُوف، وحيدًا، مَسْحُورًا بِصَدًى يَتَرَدَّدُ في الآبَادِ وأجراسِ حُرُوف. يَمْضي. يضربُ في المَلَكُوتِ، كَأَنْ لا أرضَ لهُ لا سقفَ، سماؤهُ إعصارٌ وحُتُوف. يَمْضي، مَوْسُومًا بِعَذَابِ الخَلْقِ، جَنَاحَاهُ الجَبَّارَانِ رُؤَاهُ...
(08)
كان يُهَوِّمُ في الفَلَوَاتِ، شريدًا كالغزلانِ،
شفيفًا كخيالاتِ الصّوفيّينَ،
تُرافِقُهُ الأطيارُ الجَذْلَى...
[
غرناطةَ
أم بغدادَ،
يريدُ الرّجلُ المِسْفَارُ،
وكلُّ دُرُوبِ الأرضِ دمارُ،
والأكوانُ تَسَاقَطُ في الرُّوحِ رمادَا...؟! ]
مطعونًا بمراياهُ يسيرُ، ومترَعَةً بالفَقْدِ أنَاهُ،
وغارقَةً في سُرَّةِ أنثاهُ قَوَاقِعُ بهجَتِهِ. وكَخَاتمِ سِحْرٍ
في إصبعِ غجريٍّ أعمى، كان يُشيرُ إلى الآفَاقِ،
فيَرْتَسِمُ الفِرْدَوْسُ أمامَ مَدَاهُ...
(09)
مخفورًا، بصباحاتٍ لم يُبصِرْهَا أحدٌ، كان يَمُرُّ على وَلَهٍ وذُهُولٍ. صرختُهُ الأَبَدِيَّةُ، إذْ يُطْلِقُهُا في الظّلمَةِ يشربُهَا اللّيلُ، وتَنْثَالُ رذاذًا أبيضَ يُوقِظُ نعناعَ البرّيَّةِ من غفوتهِ. قدماهُ دوائرُ غائرَةٌ في صُحُفِ الرَّمْلِ. ودَرْبُهُ مُنْحَفِرٌ في الأَسْمَى. ومُلَبَّدَةٌ بالغَامِضِ سِيرَتُهُ. وممزَّقَةٌ أسفارُ قِيَامَتِهِ. يَدخلُ في رُعْبِ الأقدارِ، وفي المجهولِ المتوحِّشِ. يَدخلُ في طَلْعِ الأزهارِ الذّهبيِّ، وفي زَغَبِ الأطيارِ الباهِرِ. لم نفهمْ سرَّ الشّاعرِ. لم نُدْرِكْ حُمَّاهُ. لقد كان الشّاعرُ أبدعَ مِنْ أَنْ نفقَهَ مَعْنَاهُ...
(10)
الشّاعرُ ذاكَ المُتَوَهِّجُ كالرُّؤْيَا،
والمَعْجُونُ بِجَمْرِ الإِثْمِ وكَوْثَرِهِ...
يَحْمِلُ للأكوانِ القَدَرَ الأبْهَى.
يَحْمِلُ سِرَّ الوردَةِ
في عُرْوَتِهِ الوُثْقَى.
يَحملُ في يُمْنَاهُ
كتابَ الرّفْضِ،
ويَرْحَلُ مَفْتُونًا بخَطَايَاهُ...
(11)
قَلْبُ الشّاعرِ، في هِجْرَتِهِ، وَطَنٌ للكلماتِ الوَثَنِيَّةِ، قلبُ الشّاعرِ آنِيَةٌ للأزهارِ القمريَّةِ، قلبُ الشّاعرِ أُفْقٌ للغيماتِ. نُحدِّقُ فيهِ، فلا نُبْصِرُ إلاّ أطيافًا تَتَمَرْأَى فوقَ رَكَايَاهُ. نُحَاوِلُ فَهْمَ غَرَابَتِهِ بالعقلِ، فيُرْعِبُنَا النُقصانُ. نُقَارِنُهُ بِنَبِيٍّ مجنونٍ أو بإِلَهٍ سكرانَ يُبَدِّدُ مُلْكَا في التَّرْحَالِ، ونُغْلِقُ بابَ الحَيْرَةِ [ حَمْدًا حَمْدًا، أَنْ لَمْ نُجْرَحْ بِشَظَايَاهُ... !!! ]
(12)
هُوَ مَنْ يُهْرِقُ قَادُوسَ البَهْجَةِ،
فوقَ نواصي اللّيلِ، فيهرَمُ
مفتونًا بالأفراحِ اللّيلُ. وتطلعُ
مِنْ أَحْشَاءِ الظّلمَةِ شَمْسٌ،
لم يَرَهَا أحدٌ مِنْ قَبْلُ. لَهُ بَرْقٌ
يفتضُّ سماءً أعلى، ولَهُ أَسْمَاءٌ
غَارِقَةٌ كَفَرَاشَاتٍ في خَمْرِ المعنى،
ولَهُ الخَيْبَةُ والخُسرانُ، لَهُ التّيجانُ
الْباهِرُ ضوءُ لآلِئِهَا. يَخْتَطُّ
خرائطَهُ في الأقفَارِ طريدًا،
والتِّيهُ العَاصِفُ مَرْسَاهُ...
(13)
يوقظنا، ويقولُ لنا: ( هذي الشّمسُ لَنَا أُمٌّ. تَمْنَحُنَا الدّهشَةَ، والخبزَ السّاخنَ في الأَصْبَاحِ. وتَسْقِينا ماءً نورانيًّا يُسكبُ في أقداحِ الأُفْقِ. وتُطْلِقُ، في الأَفْجَارِ، جناحَ الطَّيْرِ. وتُرْضِعُ أطفالاً مَنْسِيِّينَ حليبَ الغبطةِ. بُورِكْتِ لنا أُمًّا، دومًا، يا شَمْسَاهُ... )
(14)
الشّاعرُ مَنْ يَبْقَى،
كالصّرخَةِ في هذي الدّنيَا.
هُوَ ما لا يُسْمَى، هُوَ ما يَجْلُو
صَدَأَ الأحلامِ الكَسْلَى...
الشّاعرُ، حَقًّا، مَنْ يَبْقَى
حُرًّا وطليقًا، رغمَ الغُربَةِ، في مَنْفَاهُ...
(15)
للشّاعِرِ أسطورتُهُ الشّخصيَّةُ دومًا [ حينَ ينامُ العالَمُ يَصْنَعُ من أغصانِ الغاباتِ سِلاَلاً للأَحْلاَمِ الحُمَّى. ويعيدُ لهذا اللّيلِ لآلِئَهُ الفضيّةَ لؤلؤةً تِلْوَ الأخرى، محترقًا بلهيبِ النّجماتِ يضيءُ الأسحارَ، ويُبْعَثُ فيها كالعنقاءِ الحَيْرَى ]. ما أغربَ هذا الشّاعرَ، هذا الرّجلَ المِغْبَارَ. سِمَاتُ المُلاَّكِ على جَبْهَتِهِ
البيضاءِ
، ولا إرثَ لَهُ غير التَّرحال. أصابِعُهُ الملكُوتُ الرَّحْبُ، ولا بيتَ لَهُ إلاّ الزّلزال. مريضٌ بِتَعَاوِيذِ الأَسْلاَفِ، ومَسْكُونٌ بالنَّارِ، كَأَنَّ البَرْقَ الأَخَّاذَ مقيمٌ في عينَيْهِ، كأَنَّ لدَيْهِ مفاتيحَ الأسرارِ الكبرى. ما أروعَ أن تُولَدَ من كَفَّيْهِ الآثِمَتَيْنِ الأَصْبَاحُ، وما أفدحَ أن يُبْصِرَ في بلّورِ التِّيهِ هُدَاهُ...
(16)
الشّاعرُ، لو تدرونَ، الرَّائي
في مرآةِ النّرجسِ، تُبْصِرُ
ما لا يُبْصَرُ عيناهُ، وتَقْرَأُ
ما لا يُقْرَأُ من أخبارٍ وفُتُوحَاتٍ...
الشّاعرُ، لا أحدٌ
يُشْبِهُهُ في الدّنيا،
لا بشرٌ يبلغُ مَرْقَاهُ...
(17)
الشّاعرُ مَلِكٌ مطرودٌ في الأكوانِ، وهَيْمَانُ. أضاع عروشًا في الوهْمِ، وبَدَّدَ في التّطوافِ كنوزا. أطفَأَ شمسَ الصّمتِ، وأَضْرَمَ شمسًا أخرى للصّوتِ الطّالعِ من أحشاءِ العزلَةِ، بحثًا عن كلماتٍ لا تشبهها كلماتٌ. يُوغِلُ في شطرنجِ كتابَتِهِ [ هِيَ في الأَصْلِ متاهَتُهُ ]. ويُحَنِّطُ أوجاعًا في الأبيضِ. يبني في النّشوةِ إيقاعا نزقًا، وقلاعًا من ذَهَبِ الأحزانِ... غنائمُهُ الأحجارُ تَهَاوَى في القِيعَانِ عميقًا. ومباهجُهُ المِلْحُ المتخثّرُ في شهقَةِ أُنثى. ومَسَرَّتُهُ الأنوارُ، إذا سَطعَتْ... ترياقُ اليَأْسِ قصائِدُهُ. والأرضُ له قبرٌ ومماتٌ. والأفْقُ لرؤياهُ حياةٌ سَكْرَى، يَنْشُدُهَا... وملاكٌ منفيٌّ في هذا العَصْرِ، صباحٌ مَرْمِيٌّ في الظّلمَةِ، زهرٌ جبليٌّ يُورِقُ في الفجرِ، هو الشّاعرُ. لا أحدٌ يُدْرِكُ، ما الشّاعرُ ؟ سِرُّ الأسرارِ، هُوَ الشّاعرُ في الأكوانِ، وقدسُ الأقداسِ تَجَلَّى. والأسماءُ هَوَاهُ...
(18)
للشّاعرِ حَتْمًا ما يَكْفي،
من خُبْزِ الدّهشَةِ كَيْ يَحْيَا،
قَلِقًا وسعيدًا، فوق ذُرَاهُ...
(19)
إحساسُ الشّاعرِ رفَّةُ عصفُورٍ مَقْرُورٍ. وذهولُ الشّاعرِ، في الرّؤيا، نُسُكٌ مبهمَةٌ لا تفقهُهَا الدَّهْمَاءُ. وإِرْثُ الشّاعرِ مملكةُ الأشياءِ الصُّغْرَى، تَكبرُ في الأحلامِ وفيهِ. غريبٌ هذا الكائنُ، في وحْدَتِهِ، تَزْحَمُهُ الأضواءُ، تُآخِيهِ. غريبٌ ومريعٌ وبديعٌ. قد تَتَّخِذُ الأطيارُ أصابعَهُ الفِضِّيَّةَ أعشاشًا. وتَلُوذُ بِهِ الغيماتُ، إنِ انْفَجَرَ الإعصارُ. وتَرْقُدُ في بُرْدَتِهِ اللَّيْلاَتُ، كَطِفْلٍ عَانَقَ حَلْوَاهُ...
(20)
في قَلْبِ الشّاعرِ، في أَصْقَاعِ
مَجَاهِلِهِ، في أَصْدَافِ رغائِبِهِ السِّرِّيَّةِ،
يَسكُنُ دومًا وَلَدٌ يَعْبَثُ بِالأَوْثَانِ،
ويَلْهَجُ بالطُّوفَانِ القَادِمِ،
من جِهَةٍ لا يَعْلَمُهَا أَحَدٌ إِلاَّهُ.
ويَسْكُنُ فِيهِ – أُؤَكِّدُ - يَسْكُنُ فِيهِ إِلَهُ...
(21)
الشّاعرُ من يَمْلأُ رَاوُوقَ الكلماتِ، بخمْرِ المعنى. ويُرِيقُ الماءَ الفاتِنَ فوقَ الأوراقِ، شغوفًا بغوايتِهِ الأولى... التّفّاحةَ يَرْسُمُهَا في مملكَةِ الأبيضِ، شَبِقًا. ويُلَوِّنُهَا بِغُبَارِ الرَّغْبَةِ، يَنْفُخُ فيها من شهوتِهِ حتّى تُصبحَ أُنْثَى، أجملَ من كُلِّ الأَخْطَاءِ وأَحْلَى... الشّاعِرُ من يَكتُبُ بالجمرَةِ تاريخًا آخَرَ للأزمانِ، ويَمْحُو الماضي الآسِرَ بأصابعِهِ، يقتلُهُ كَيْ يَحْيَا فينا، كَيْ نَحْيَا...
الشّاعرُ من يَكتبُ يَشطبُ،
يَشنقُ يَخْلُقُ،
لا خَالِقَ في كَوْنِ الأَوْرَاقِ سِوَاهُ...
(22)
[ الشّاعرُ ماتَ، أُكَرِّرُ
أنّ الشّاعرَ ماتْ...! ]
أبدًا، الشّاعرُ حيٌّ في الكلماتْ...
والشّاعرُ أعظمُ مِنْ أَنْ يُولَدَ، ثمّ يَمُوت.
الشّاعرُ يَعبقُ عِطْرًا في المَلَكُوت،
ويَصْعَدُ موسيقى ومَبَاهِجَ شَتَّى...
إِنْ سَلَّمْنَا، جَدَلاً، أنّ الشّاعرَ "مات".
فهذا الأبيض،
مثل سريرِ الغَيْمِ السّابِحِ،
حَتْمًا، مَثْوَاهُ...
(
فرنانة
-
تونس
/ ماي 2010)
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
يدان تتهجيان الضوء... جديد الشاعرة التونسية آسية السخيري
واحة الإبداع
غيم وعشبٌ ولحظات خافقة
ديوان «إثم البداية» للشاعر المكي الهمامي:
حوار بين معلم وتلميذ
قراءة في مجموعة "كأعمى تقودني قصبة النأي"
أبلغ عن إشهار غير لائق