الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
اليوم...سحب كثيفة مع أمطار متفرقة بهذه الجهات
كيم يشرف على اختبار أداء مسيرات هجومية تكتيكية
حصيلة مظاهرات 18 سبتمبر 2025: فرنسا في الشارع ضد التقشف
مصالح المراقبة الإقتصادية بأريانة تحجز خمسة أطنان من مشتقات الحبوب لدى مخبزة مصنفة
الهنشيري: قرابة 30 سفينة راسية قبالة ميناء سيسيليا في انتظار تحسن الأحوال الجوية
الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات عسكرية في إسرائيل
بين الخبرة والطموح .. هذه قائمة مُدربي الرابطة الثانية
تأكيد على خدمة المحاماة .. عميد المحامين الجديد بوبكر بالثابت يتسلّم مهامه
الفنانة شيرين في ورطة قانونية جديدة.. والموعد أمام القضاء في أكتوبر
وخالق الناس بخلق حسن
خطبة الجمعة .. أخطار النميمة
التسامح أساس من أسس التعايش بين الناس
أمريكا تستخدم الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار وقف إطلاق النار في غزة
جريدة الزمن التونسي
عاجل/ هذا ما تقرّر في حق الطيب راشد ورجل أعمال في قضية غسيل أموال
كاتب الدولة المكلّف بالمياه يوصي بتعزيز جاهزيّة مختلف الهياكل المعنيّة لضمان نجاعة التّدخّلات الوقائيّة من الفيضانات
عاجل: قرار وزاري مشترك بين الشؤون الاجتماعية والصحة لتعزيز الحماية من حوادث الشغل والأمراض المهنية
تخطت السبعين.. إيناس الدغيدي تتصدر الترند بزفافها
بطولة إفريقيا للأمم لكرة اليد للصغريات: تونس في المربّع الذهبي وتترشّح إلى المونديال
عاجل/ مقتل 4 جنود خلال معارك في رفح جنوبي غزّة
البرلمان: 7 أكتوبر القادم موعد الجلسة العامّة الافتتاحيّة للدورة العادية الرابعة
عاجل: وزارة التربية تنشر قائمة محيّنة للمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية الخاصة
الرابطة الاولى ... فوز مستقبل المرسى على مستقبل سليمان 1-صفر
المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب ببن عروس من 27 سبتمبر الى 5 أكتوبر 2025
معز الشرقي يواصل التألق.. ربع نهائي سان تروبيه
جيش الاحتلال يشن ضربات جوية على جنوب لبنان
سحب عابرة على كامل البلاد تتكاثف آخر الليل بالمناطق الساحلية الشرقية
الليلة: الغيث أوّله قطرة
عاجل: نداء للبحث عن طفل مفقود بمنطقة العمران (يلبس طبلية زرقاء ويحمل محفظة)
هذا هو موعد انتهاء أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة
عاجل: الجامعة تفتح الباب قدّام الفرق باش تبث ماتشاتها وحدها..كيفاش؟
عاجل/ رجل يعتدي على طليقته بسكين في شارع أمام المارة..
صادرات القطاع الصناعي ترتفع ب1,9% خلال النصف الأوّل من 2025
عاجل : مستجدات بطاقة التعريف البيومترية للتونسيين
موسم الحبوب..البنك الوطني الفلاحي يرفع من قيمة التمويلات
حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك قرب إحدى المؤسسات التربوية..
قصر النظر عند الأطفال: الدكتور فهمي نافع يحذر ويقدم نصائح مع العودة المدرسية
ترتيب الفيفا: المنتخب التونسي يتقدم إلى المركز 46 عالميا
عاجل : وزير النقل يضع مهلة ب15يوما لضبط روزنامة برامج عمل
اجتماع بمعهد باستور حول تعزيز جودة وموثوقية مختبرات التشخيص البيولوجي
آلام المفاصل عند الأطفال مع العودة المدرسية: أسباب وطرق الوقاية
عاجل/ تقلبات جوية وأمطار بداية من هذا التاريخ..
لليوم الثاني على التوالي..غزة دون اتصالات وانترنات..#خبر_عاجل
الملعب التونسي يفسخ عقد هذا اللاعب..#خبر_عاجل
رابطة ابطال اوروبا : ثنائية كين تقود بايرن للفوز 3-1 على تشيلسي
السجل الوطني للمؤسسات يعلن حزمة إجراءات رقمية جديدة: دفع حصري عن بُعد ومضمون إلكتروني مُحدَّث
الموت يغيب هذه الإعلامية..#خبر_عاجل
تونس تجمع 12 مليون قنطار لكن حاجياتها تبلغ 36 مليون قنطار
في بالك الى فما مكوّن سرّي في زيت الحوت... شنوة يعمل في جسمك؟
بلعيد يؤكد خلال الدورة 69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حرص تونس على مواصلة التعاون مع الوكالة
يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!
اللجنة الوطنية للحج تستعدّ لموسم 1447ه: ترتيبات متكاملة لضمان أفضل الظروف للحجيج
تنظمها مندوبية تونس بالتعاون مع المسرح الوطني...أربعينية الفاضل الجزيري موفّى هذا الأسبوع
القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات
شهر السينما الوثائقية من 18 سبتمبر إلى 12 أكتوبر 2025
سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات
جريدة الزمن التونسي
طقس اليوم: سماء قليلة السحب
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الشاعر التونسي المكي الهمامي يتسلّم جائزة مفدي زكريّا للشعر
ديما أونلاين
نشر في
ديما أونلاين
يوم 19 - 04 - 2012
تسلّم الشاعر
التونسي
المكي الهمامي جائزة مفدي زكريا العربية للشعر بالعاصمة الجزائرية وفيما يلي القصيد الفائز بالجائزة تحية من"ديما أونلاين" للشاعر
القصيدة الفائزة بجائزة
مفدي زكريّاء العربيّة للشّعر
الدّورة العربيّة الثّانية
(2010 _ 2011)
تَحَوُّلاَتُ الشَّاعِرِ
(قصيدة سرديّة مطوّلة)
المكّي الهمّامي
شاعر من
تونس
(01)
للشّاعرِ ثمْرُ الأسرَارِ،
وخمرُ النّسيانِ. لهُ شجرٌ مجنُونٌ
يَكبرُ في الأحدَاقِ، ويُورِقُ منتشِيًا
كالبستانِ. لَهُ الأمطَارُ المَأْخُوذَةُ
بِالغَمْرِ. وسَقْفُ الأكوانِ مُنَاهُ...
(02)
عُكَّازُ الشّاعرِ قافيةٌ، فَلْيَرْمِ بِهذا العكّازِ بعيدًا، ولْيَبْحَثْ في دَمِهِ عن معجزَةٍ كبرى – قِيلَ لهُ – يَحتاجُ الشّاعرُ شيئا أدهشَ من أوزانٍ وتفاعيلَ لكي يُقْنِعَنَا بِنُبُوَّتِهِ. يحتاجُ الشّاعرُ، مَثَلاً: أَنْ يبتكرَ البرقَ اللاّمعَ في الظّلماتِ/ وأنْ ينصتَ مَشْدُوهًا للأَنْسَاغِ تَصَاعَدُ في شجَرِ الأدغالِ/ وأَنْ يتوحَّدَ كالحلزُونِ سعيدًا بحرائقِهِ، ويكوِّرَ في كفَّيْهِ الخَالِقَتَيْنِ سَمَاهُ...
(03)
الشَّاعِرُ مَنْ يُخْفي العالَمَ،
في الكلمَاتِ. وإِذْ يَتَغَلْغَلُ في الفكرَةِ
أو في الغيمَةِ أو في شهقَةِ أُنْثَى،
يَتَنَاثَرُ من بُرْدَتِهِ يَاقُوتُ الفَجْرِ،
ويَجري من وَرْدَتِهِ مَاءٌ شَبَقِيُّ النُّورِ،
وتَخبطُ في الدَّيْجُورِ عَصَاهُ...
(04)
يَمْضي، يَعبرُ سُجُفًا تُخفي سُجُفًا، وغُيوبًا فوقَ غيوبٍ. مقدورُ الشّاعرِ أن يضربَ في الأكوانِ، غريبًا. يعتمرُ الغيمَ. ويشربُ أنهارًا عَطْشَى. يَتَفَتَّتُ في الأبديَّةِ أضواءً وَلْهَى. حِكْمَتُهُ الأمطارُ. وحجّتُهُ الأزهارُ، لَهُ فيها بِدَعٌ ومُحَالٌ. والأقمارُ ظِلالٌ لِمَرَائِيهِ. خَيْمَتُهُ الرِّيحُ. ومَوْطِنُهُ الرَّفْضُ. ولا سَمْتٌ لرَوَاحِلِهِ، إذْ تَشْرُدُ في التِّيهِ. ولا بَدْأٌ لغوايَتِهِ، إذْ تخلُقُ أتباعًا مَلْعُونِينَ. ولا خَاتِمَةٌ لِهُبُوبِ الرُّؤْيَا في عينَيْهِ. لدَيْهِ تقاويمُ الصّحراءِ. ويَتْرُكُ أحفادًا، في كلِّ بلادٍ يَعْبُرُهَا. يَنْسَى، دومًا، شيئًا سحريًّا وبسيطًا، يحرسُ ذِكْرَاهُ...
(05)
في الجَدْبِ، يَرُوغُ إلى امْرَأَةٍ يَتَسَرَّاهَا، يَبْحَثُ عن فَيرُوزِ الدّهشَةِ فيها. مَنْ ينقذُهُ من خَيْطِ الشَّهْوَةِ، إذْ يلتفُّ نعيمًا وجحيمًا حولَ فحولَتِهِ، ويحرِّرُهُ مِنْهُ ومِنْهَا ؟ جَدْوَلُ عِشْقٍ إِيرُوسِيٍّ هذا المُلْقَى فوقَ الكتفينِ، سُقُوطًا أَبْهَى في هَاوِيَةِ الرَّوْعَةِ. نبعٌ ملعونُ الماءِ لشَارِبِهِ هذا الثَّغْرُ القَانِي. وحدائِقُ من زهرٍ أسطوريٍّ هذا الصَّدْرُ العامِرُ بالأسرار. وحينَ يحدّقُ في سُرَّتِهَا، يبصرُ في العمقِ قطيعَ آيَائِلَ تَرْعَى الأنوار. لهذا الجَسَدِ المَجْنُونِ بَلاَغَتُهُ الْمُعْجِزُ مَعْنَاهَا. لا عينَ رَأَتْ، من قَبْلُ، ولا كفّ جَسَّتْ... كانتْ سِرْبَ نساءٍ يَتَكَوْكَبْنَ جميعًا، في هذا الجسدِ القاهر، يَصْرُخُ فيهنَّ وفيهِ الشّاعر: [ هذا الجسدُ الآثِمُ ما أَغْوَاهُ !!! ]
(06)
والشّاعرُ، إذْ يَتقدَّمُ منفيًّا، ووحيدًا،
في ما يَغْدُو وَطَنًا لِمَبَاهِجِهِ،
يَتْرُكُ أَثَرًا بلّوريًّا،
يَزرعُ شَجَرًا /
قَمَرًا /
قَدَرًا نُورانِيًّا،
خَلْفَ خُطَاهُ...
(07)
أطوارُ الشّاعرِ مرعِبَةٌ. يمضي منذورًا للتّيهِ، ومفتونًا بالموسيقى تَصَّاعَدُ من شفتَيْهِ، يَدًا تَقطفُ لذّاتٍ وفراشاتٍ وغماماتٍ / صَدْرًا مزدحمًا بالأَرْيَاحِ الفَذَّةِ / وَجْهًا يبرقُ كالمِشْكَاةِ ويشرقُ في الظّلمَةِ. يَمْضي. يَعْبُرُ بوّاباتٍ سبعًا. يبحث عن مدنٍ شاهقَةٍ، فيها القمرُ الوَهَّاجُ الغارقُ في دمِهِ. يَمضي. ويَطُوف، وحيدًا، مَسْحُورًا بِصَدًى يَتَرَدَّدُ في الآبَادِ وأجراسِ حُرُوف. يَمْضي. يضربُ في المَلَكُوتِ، كَأَنْ لا أرضَ لهُ لا سقفَ، سماؤهُ إعصارٌ وحُتُوف. يَمْضي، مَوْسُومًا بِعَذَابِ الخَلْقِ، جَنَاحَاهُ الجَبَّارَانِ رُؤَاهُ...
(08)
كان يُهَوِّمُ في الفَلَوَاتِ، شريدًا كالغزلانِ،
شفيفًا كخيالاتِ الصّوفيّينَ،
تُرافِقُهُ الأطيارُ الجَذْلَى...
[
غرناطةَ
أم بغدادَ،
يريدُ الرّجلُ المِسْفَارُ،
وكلُّ دُرُوبِ الأرضِ دمارُ،
والأكوانُ تَسَاقَطُ في الرُّوحِ رمادَا...؟! ]
مطعونًا بمراياهُ يسيرُ، ومترَعَةً بالفَقْدِ أنَاهُ،
وغارقَةً في سُرَّةِ أنثاهُ قَوَاقِعُ بهجَتِهِ. وكَخَاتمِ سِحْرٍ
في إصبعِ غجريٍّ أعمى، كان يُشيرُ إلى الآفَاقِ،
فيَرْتَسِمُ الفِرْدَوْسُ أمامَ مَدَاهُ...
(09)
مخفورًا، بصباحاتٍ لم يُبصِرْهَا أحدٌ، كان يَمُرُّ على وَلَهٍ وذُهُولٍ. صرختُهُ الأَبَدِيَّةُ، إذْ يُطْلِقُهُا في الظّلمَةِ يشربُهَا اللّيلُ، وتَنْثَالُ رذاذًا أبيضَ يُوقِظُ نعناعَ البرّيَّةِ من غفوتهِ. قدماهُ دوائرُ غائرَةٌ في صُحُفِ الرَّمْلِ. ودَرْبُهُ مُنْحَفِرٌ في الأَسْمَى. ومُلَبَّدَةٌ بالغَامِضِ سِيرَتُهُ. وممزَّقَةٌ أسفارُ قِيَامَتِهِ. يَدخلُ في رُعْبِ الأقدارِ، وفي المجهولِ المتوحِّشِ. يَدخلُ في طَلْعِ الأزهارِ الذّهبيِّ، وفي زَغَبِ الأطيارِ الباهِرِ. لم نفهمْ سرَّ الشّاعرِ. لم نُدْرِكْ حُمَّاهُ. لقد كان الشّاعرُ أبدعَ مِنْ أَنْ نفقَهَ مَعْنَاهُ...
(10)
الشّاعرُ ذاكَ المُتَوَهِّجُ كالرُّؤْيَا،
والمَعْجُونُ بِجَمْرِ الإِثْمِ وكَوْثَرِهِ...
يَحْمِلُ للأكوانِ القَدَرَ الأبْهَى.
يَحْمِلُ سِرَّ الوردَةِ
في عُرْوَتِهِ الوُثْقَى.
يَحملُ في يُمْنَاهُ
كتابَ الرّفْضِ،
ويَرْحَلُ مَفْتُونًا بخَطَايَاهُ...
(11)
قَلْبُ الشّاعرِ، في هِجْرَتِهِ، وَطَنٌ للكلماتِ الوَثَنِيَّةِ، قلبُ الشّاعرِ آنِيَةٌ للأزهارِ القمريَّةِ، قلبُ الشّاعرِ أُفْقٌ للغيماتِ. نُحدِّقُ فيهِ، فلا نُبْصِرُ إلاّ أطيافًا تَتَمَرْأَى فوقَ رَكَايَاهُ. نُحَاوِلُ فَهْمَ غَرَابَتِهِ بالعقلِ، فيُرْعِبُنَا النُقصانُ. نُقَارِنُهُ بِنَبِيٍّ مجنونٍ أو بإِلَهٍ سكرانَ يُبَدِّدُ مُلْكَا في التَّرْحَالِ، ونُغْلِقُ بابَ الحَيْرَةِ [ حَمْدًا حَمْدًا، أَنْ لَمْ نُجْرَحْ بِشَظَايَاهُ... !!! ]
(12)
هُوَ مَنْ يُهْرِقُ قَادُوسَ البَهْجَةِ،
فوقَ نواصي اللّيلِ، فيهرَمُ
مفتونًا بالأفراحِ اللّيلُ. وتطلعُ
مِنْ أَحْشَاءِ الظّلمَةِ شَمْسٌ،
لم يَرَهَا أحدٌ مِنْ قَبْلُ. لَهُ بَرْقٌ
يفتضُّ سماءً أعلى، ولَهُ أَسْمَاءٌ
غَارِقَةٌ كَفَرَاشَاتٍ في خَمْرِ المعنى،
ولَهُ الخَيْبَةُ والخُسرانُ، لَهُ التّيجانُ
الْباهِرُ ضوءُ لآلِئِهَا. يَخْتَطُّ
خرائطَهُ في الأقفَارِ طريدًا،
والتِّيهُ العَاصِفُ مَرْسَاهُ...
(13)
يوقظنا، ويقولُ لنا: ( هذي الشّمسُ لَنَا أُمٌّ. تَمْنَحُنَا الدّهشَةَ، والخبزَ السّاخنَ في الأَصْبَاحِ. وتَسْقِينا ماءً نورانيًّا يُسكبُ في أقداحِ الأُفْقِ. وتُطْلِقُ، في الأَفْجَارِ، جناحَ الطَّيْرِ. وتُرْضِعُ أطفالاً مَنْسِيِّينَ حليبَ الغبطةِ. بُورِكْتِ لنا أُمًّا، دومًا، يا شَمْسَاهُ... )
(14)
الشّاعرُ مَنْ يَبْقَى،
كالصّرخَةِ في هذي الدّنيَا.
هُوَ ما لا يُسْمَى، هُوَ ما يَجْلُو
صَدَأَ الأحلامِ الكَسْلَى...
الشّاعرُ، حَقًّا، مَنْ يَبْقَى
حُرًّا وطليقًا، رغمَ الغُربَةِ، في مَنْفَاهُ...
(15)
للشّاعِرِ أسطورتُهُ الشّخصيَّةُ دومًا [ حينَ ينامُ العالَمُ يَصْنَعُ من أغصانِ الغاباتِ سِلاَلاً للأَحْلاَمِ الحُمَّى. ويعيدُ لهذا اللّيلِ لآلِئَهُ الفضيّةَ لؤلؤةً تِلْوَ الأخرى، محترقًا بلهيبِ النّجماتِ يضيءُ الأسحارَ، ويُبْعَثُ فيها كالعنقاءِ الحَيْرَى ]. ما أغربَ هذا الشّاعرَ، هذا الرّجلَ المِغْبَارَ. سِمَاتُ المُلاَّكِ على جَبْهَتِهِ
البيضاءِ
، ولا إرثَ لَهُ غير التَّرحال. أصابِعُهُ الملكُوتُ الرَّحْبُ، ولا بيتَ لَهُ إلاّ الزّلزال. مريضٌ بِتَعَاوِيذِ الأَسْلاَفِ، ومَسْكُونٌ بالنَّارِ، كَأَنَّ البَرْقَ الأَخَّاذَ مقيمٌ في عينَيْهِ، كأَنَّ لدَيْهِ مفاتيحَ الأسرارِ الكبرى. ما أروعَ أن تُولَدَ من كَفَّيْهِ الآثِمَتَيْنِ الأَصْبَاحُ، وما أفدحَ أن يُبْصِرَ في بلّورِ التِّيهِ هُدَاهُ...
(16)
الشّاعرُ، لو تدرونَ، الرَّائي
في مرآةِ النّرجسِ، تُبْصِرُ
ما لا يُبْصَرُ عيناهُ، وتَقْرَأُ
ما لا يُقْرَأُ من أخبارٍ وفُتُوحَاتٍ...
الشّاعرُ، لا أحدٌ
يُشْبِهُهُ في الدّنيا،
لا بشرٌ يبلغُ مَرْقَاهُ...
(17)
الشّاعرُ مَلِكٌ مطرودٌ في الأكوانِ، وهَيْمَانُ. أضاع عروشًا في الوهْمِ، وبَدَّدَ في التّطوافِ كنوزا. أطفَأَ شمسَ الصّمتِ، وأَضْرَمَ شمسًا أخرى للصّوتِ الطّالعِ من أحشاءِ العزلَةِ، بحثًا عن كلماتٍ لا تشبهها كلماتٌ. يُوغِلُ في شطرنجِ كتابَتِهِ [ هِيَ في الأَصْلِ متاهَتُهُ ]. ويُحَنِّطُ أوجاعًا في الأبيضِ. يبني في النّشوةِ إيقاعا نزقًا، وقلاعًا من ذَهَبِ الأحزانِ... غنائمُهُ الأحجارُ تَهَاوَى في القِيعَانِ عميقًا. ومباهجُهُ المِلْحُ المتخثّرُ في شهقَةِ أُنثى. ومَسَرَّتُهُ الأنوارُ، إذا سَطعَتْ... ترياقُ اليَأْسِ قصائِدُهُ. والأرضُ له قبرٌ ومماتٌ. والأفْقُ لرؤياهُ حياةٌ سَكْرَى، يَنْشُدُهَا... وملاكٌ منفيٌّ في هذا العَصْرِ، صباحٌ مَرْمِيٌّ في الظّلمَةِ، زهرٌ جبليٌّ يُورِقُ في الفجرِ، هو الشّاعرُ. لا أحدٌ يُدْرِكُ، ما الشّاعرُ ؟ سِرُّ الأسرارِ، هُوَ الشّاعرُ في الأكوانِ، وقدسُ الأقداسِ تَجَلَّى. والأسماءُ هَوَاهُ...
(18)
للشّاعرِ حَتْمًا ما يَكْفي،
من خُبْزِ الدّهشَةِ كَيْ يَحْيَا،
قَلِقًا وسعيدًا، فوق ذُرَاهُ...
(19)
إحساسُ الشّاعرِ رفَّةُ عصفُورٍ مَقْرُورٍ. وذهولُ الشّاعرِ، في الرّؤيا، نُسُكٌ مبهمَةٌ لا تفقهُهَا الدَّهْمَاءُ. وإِرْثُ الشّاعرِ مملكةُ الأشياءِ الصُّغْرَى، تَكبرُ في الأحلامِ وفيهِ. غريبٌ هذا الكائنُ، في وحْدَتِهِ، تَزْحَمُهُ الأضواءُ، تُآخِيهِ. غريبٌ ومريعٌ وبديعٌ. قد تَتَّخِذُ الأطيارُ أصابعَهُ الفِضِّيَّةَ أعشاشًا. وتَلُوذُ بِهِ الغيماتُ، إنِ انْفَجَرَ الإعصارُ. وتَرْقُدُ في بُرْدَتِهِ اللَّيْلاَتُ، كَطِفْلٍ عَانَقَ حَلْوَاهُ...
(20)
في قَلْبِ الشّاعرِ، في أَصْقَاعِ
مَجَاهِلِهِ، في أَصْدَافِ رغائِبِهِ السِّرِّيَّةِ،
يَسكُنُ دومًا وَلَدٌ يَعْبَثُ بِالأَوْثَانِ،
ويَلْهَجُ بالطُّوفَانِ القَادِمِ،
من جِهَةٍ لا يَعْلَمُهَا أَحَدٌ إِلاَّهُ.
ويَسْكُنُ فِيهِ – أُؤَكِّدُ - يَسْكُنُ فِيهِ إِلَهُ...
(21)
الشّاعرُ من يَمْلأُ رَاوُوقَ الكلماتِ، بخمْرِ المعنى. ويُرِيقُ الماءَ الفاتِنَ فوقَ الأوراقِ، شغوفًا بغوايتِهِ الأولى... التّفّاحةَ يَرْسُمُهَا في مملكَةِ الأبيضِ، شَبِقًا. ويُلَوِّنُهَا بِغُبَارِ الرَّغْبَةِ، يَنْفُخُ فيها من شهوتِهِ حتّى تُصبحَ أُنْثَى، أجملَ من كُلِّ الأَخْطَاءِ وأَحْلَى... الشّاعِرُ من يَكتُبُ بالجمرَةِ تاريخًا آخَرَ للأزمانِ، ويَمْحُو الماضي الآسِرَ بأصابعِهِ، يقتلُهُ كَيْ يَحْيَا فينا، كَيْ نَحْيَا...
الشّاعرُ من يَكتبُ يَشطبُ،
يَشنقُ يَخْلُقُ،
لا خَالِقَ في كَوْنِ الأَوْرَاقِ سِوَاهُ...
(22)
[ الشّاعرُ ماتَ، أُكَرِّرُ
أنّ الشّاعرَ ماتْ...! ]
أبدًا، الشّاعرُ حيٌّ في الكلماتْ...
والشّاعرُ أعظمُ مِنْ أَنْ يُولَدَ، ثمّ يَمُوت.
الشّاعرُ يَعبقُ عِطْرًا في المَلَكُوت،
ويَصْعَدُ موسيقى ومَبَاهِجَ شَتَّى...
إِنْ سَلَّمْنَا، جَدَلاً، أنّ الشّاعرَ "مات".
فهذا الأبيض،
مثل سريرِ الغَيْمِ السّابِحِ،
حَتْمًا، مَثْوَاهُ...
(
فرنانة
-
تونس
/ ماي 2010)
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
يدان تتهجيان الضوء... جديد الشاعرة التونسية آسية السخيري
واحة الإبداع
غيم وعشبٌ ولحظات خافقة
ديوان «إثم البداية» للشاعر المكي الهمامي:
حوار بين معلم وتلميذ
قراءة في مجموعة "كأعمى تقودني قصبة النأي"
أبلغ عن إشهار غير لائق