عامر بحبة: منخفض جوي يؤثّر على تونس بداية من مساء الجمعة ويتواصل إلى نهاية الأسبوع    سهرة رأس العام 2026.. تفاصيل حفل إليسا وتامر حسني في هذه الدولة    اليك برنامج مقابلات كأس امم افريقيا غدوة الجمعة والتوقيت    عاجل/ كأس أمم أفريقيا: الاعلان عن اجراء جديد يهم جميع المباريات..    الاتحاد الإنقليزي يتهم روميرو بسوء التصرف بعد طرده أمام ليفربول    عاجل/ الطبوبي يراسل عميد المحامين السابق..وهذه التفاصيل..    اليوم: نشر القائمة الإسمية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي" بهذه الولاية..#خبر_عاجل    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    نيجيريا: قتلى وجرحى في هجوم على مسجد    أستاذة تبات قدّام الجامع والفايسبوك مقلوب: شنوّة الحكاية؟    بداية من اليوم: تحويل حركة المرور في اتّجاه المروج والحمامات    قبل ما تشري عقار: 3 حاجات لازم تعرفهم    قرار لم يكن صدفة: لماذا اختار لوكا زيدان اللعب للجزائر؟    كأس إفريقيا 2025: شوف شكون تصدر في كل مجموعة بعد الجولة الأولى    فخر الدين قلبي مدربا جديدا لجندوبة الرياضية    عاجل/ منخفض جوّي يصل تونس غدًا.. وأمطار تشمل هذه الولايات..    عاجل: تقلبات جوية مرتقبة بداية من هذا التاريخ    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    مصر.. دار الإفتاء تحسم الجدل حول حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد    علاش ترتفع ال Tension في الشتاء؟ وكيفاش تحمي قلبك؟    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    عاجل: توافد حالات على قسم الإنعاش بسبب ال GRIPPE    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    بعد حادثة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تعلن الحرب على مستهدفي نجوم مصر    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    الفنيون يتحدّثون ل «الشروق» عن فوز المنتخب .. بداية واعدة.. الامتياز للمجبري والسّخيري والقادم أصعب    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    قيرواني .. نعم    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    من الاستِشْراق إلى الاستِعْراب: الحالة الإيطالية    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر التونسي المكي الهمامي يتسلّم جائزة مفدي زكريّا للشعر
نشر في ديما أونلاين يوم 19 - 04 - 2012

تسلّم الشاعر التونسي المكي الهمامي جائزة مفدي زكريا العربية للشعر بالعاصمة الجزائرية وفيما يلي القصيد الفائز بالجائزة تحية من"ديما أونلاين" للشاعر
القصيدة الفائزة بجائزة
مفدي زكريّاء العربيّة للشّعر
الدّورة العربيّة الثّانية
(2010 _ 2011)
تَحَوُّلاَتُ الشَّاعِرِ
(قصيدة سرديّة مطوّلة)
المكّي الهمّامي
شاعر من تونس
(01)
للشّاعرِ ثمْرُ الأسرَارِ،
وخمرُ النّسيانِ. لهُ شجرٌ مجنُونٌ
يَكبرُ في الأحدَاقِ، ويُورِقُ منتشِيًا
كالبستانِ. لَهُ الأمطَارُ المَأْخُوذَةُ
بِالغَمْرِ. وسَقْفُ الأكوانِ مُنَاهُ...
(02)
عُكَّازُ الشّاعرِ قافيةٌ، فَلْيَرْمِ بِهذا العكّازِ بعيدًا، ولْيَبْحَثْ في دَمِهِ عن معجزَةٍ كبرى – قِيلَ لهُ – يَحتاجُ الشّاعرُ شيئا أدهشَ من أوزانٍ وتفاعيلَ لكي يُقْنِعَنَا بِنُبُوَّتِهِ. يحتاجُ الشّاعرُ، مَثَلاً: أَنْ يبتكرَ البرقَ اللاّمعَ في الظّلماتِ/ وأنْ ينصتَ مَشْدُوهًا للأَنْسَاغِ تَصَاعَدُ في شجَرِ الأدغالِ/ وأَنْ يتوحَّدَ كالحلزُونِ سعيدًا بحرائقِهِ، ويكوِّرَ في كفَّيْهِ الخَالِقَتَيْنِ سَمَاهُ...
(03)
الشَّاعِرُ مَنْ يُخْفي العالَمَ،
في الكلمَاتِ. وإِذْ يَتَغَلْغَلُ في الفكرَةِ
أو في الغيمَةِ أو في شهقَةِ أُنْثَى،
يَتَنَاثَرُ من بُرْدَتِهِ يَاقُوتُ الفَجْرِ،
ويَجري من وَرْدَتِهِ مَاءٌ شَبَقِيُّ النُّورِ،
وتَخبطُ في الدَّيْجُورِ عَصَاهُ...
(04)
يَمْضي، يَعبرُ سُجُفًا تُخفي سُجُفًا، وغُيوبًا فوقَ غيوبٍ. مقدورُ الشّاعرِ أن يضربَ في الأكوانِ، غريبًا. يعتمرُ الغيمَ. ويشربُ أنهارًا عَطْشَى. يَتَفَتَّتُ في الأبديَّةِ أضواءً وَلْهَى. حِكْمَتُهُ الأمطارُ. وحجّتُهُ الأزهارُ، لَهُ فيها بِدَعٌ ومُحَالٌ. والأقمارُ ظِلالٌ لِمَرَائِيهِ. خَيْمَتُهُ الرِّيحُ. ومَوْطِنُهُ الرَّفْضُ. ولا سَمْتٌ لرَوَاحِلِهِ، إذْ تَشْرُدُ في التِّيهِ. ولا بَدْأٌ لغوايَتِهِ، إذْ تخلُقُ أتباعًا مَلْعُونِينَ. ولا خَاتِمَةٌ لِهُبُوبِ الرُّؤْيَا في عينَيْهِ. لدَيْهِ تقاويمُ الصّحراءِ. ويَتْرُكُ أحفادًا، في كلِّ بلادٍ يَعْبُرُهَا. يَنْسَى، دومًا، شيئًا سحريًّا وبسيطًا، يحرسُ ذِكْرَاهُ...
(05)
في الجَدْبِ، يَرُوغُ إلى امْرَأَةٍ يَتَسَرَّاهَا، يَبْحَثُ عن فَيرُوزِ الدّهشَةِ فيها. مَنْ ينقذُهُ من خَيْطِ الشَّهْوَةِ، إذْ يلتفُّ نعيمًا وجحيمًا حولَ فحولَتِهِ، ويحرِّرُهُ مِنْهُ ومِنْهَا ؟ جَدْوَلُ عِشْقٍ إِيرُوسِيٍّ هذا المُلْقَى فوقَ الكتفينِ، سُقُوطًا أَبْهَى في هَاوِيَةِ الرَّوْعَةِ. نبعٌ ملعونُ الماءِ لشَارِبِهِ هذا الثَّغْرُ القَانِي. وحدائِقُ من زهرٍ أسطوريٍّ هذا الصَّدْرُ العامِرُ بالأسرار. وحينَ يحدّقُ في سُرَّتِهَا، يبصرُ في العمقِ قطيعَ آيَائِلَ تَرْعَى الأنوار. لهذا الجَسَدِ المَجْنُونِ بَلاَغَتُهُ الْمُعْجِزُ مَعْنَاهَا. لا عينَ رَأَتْ، من قَبْلُ، ولا كفّ جَسَّتْ... كانتْ سِرْبَ نساءٍ يَتَكَوْكَبْنَ جميعًا، في هذا الجسدِ القاهر، يَصْرُخُ فيهنَّ وفيهِ الشّاعر: [ هذا الجسدُ الآثِمُ ما أَغْوَاهُ !!! ]
(06)
والشّاعرُ، إذْ يَتقدَّمُ منفيًّا، ووحيدًا،
في ما يَغْدُو وَطَنًا لِمَبَاهِجِهِ،
يَتْرُكُ أَثَرًا بلّوريًّا،
يَزرعُ شَجَرًا /
قَمَرًا /
قَدَرًا نُورانِيًّا،
خَلْفَ خُطَاهُ...
(07)
أطوارُ الشّاعرِ مرعِبَةٌ. يمضي منذورًا للتّيهِ، ومفتونًا بالموسيقى تَصَّاعَدُ من شفتَيْهِ، يَدًا تَقطفُ لذّاتٍ وفراشاتٍ وغماماتٍ / صَدْرًا مزدحمًا بالأَرْيَاحِ الفَذَّةِ / وَجْهًا يبرقُ كالمِشْكَاةِ ويشرقُ في الظّلمَةِ. يَمْضي. يَعْبُرُ بوّاباتٍ سبعًا. يبحث عن مدنٍ شاهقَةٍ، فيها القمرُ الوَهَّاجُ الغارقُ في دمِهِ. يَمضي. ويَطُوف، وحيدًا، مَسْحُورًا بِصَدًى يَتَرَدَّدُ في الآبَادِ وأجراسِ حُرُوف. يَمْضي. يضربُ في المَلَكُوتِ، كَأَنْ لا أرضَ لهُ لا سقفَ، سماؤهُ إعصارٌ وحُتُوف. يَمْضي، مَوْسُومًا بِعَذَابِ الخَلْقِ، جَنَاحَاهُ الجَبَّارَانِ رُؤَاهُ...
(08)
كان يُهَوِّمُ في الفَلَوَاتِ، شريدًا كالغزلانِ،
شفيفًا كخيالاتِ الصّوفيّينَ،
تُرافِقُهُ الأطيارُ الجَذْلَى...
[ غرناطةَ أم بغدادَ،
يريدُ الرّجلُ المِسْفَارُ،
وكلُّ دُرُوبِ الأرضِ دمارُ،
والأكوانُ تَسَاقَطُ في الرُّوحِ رمادَا...؟! ]
مطعونًا بمراياهُ يسيرُ، ومترَعَةً بالفَقْدِ أنَاهُ،
وغارقَةً في سُرَّةِ أنثاهُ قَوَاقِعُ بهجَتِهِ. وكَخَاتمِ سِحْرٍ
في إصبعِ غجريٍّ أعمى، كان يُشيرُ إلى الآفَاقِ،
فيَرْتَسِمُ الفِرْدَوْسُ أمامَ مَدَاهُ...
(09)
مخفورًا، بصباحاتٍ لم يُبصِرْهَا أحدٌ، كان يَمُرُّ على وَلَهٍ وذُهُولٍ. صرختُهُ الأَبَدِيَّةُ، إذْ يُطْلِقُهُا في الظّلمَةِ يشربُهَا اللّيلُ، وتَنْثَالُ رذاذًا أبيضَ يُوقِظُ نعناعَ البرّيَّةِ من غفوتهِ. قدماهُ دوائرُ غائرَةٌ في صُحُفِ الرَّمْلِ. ودَرْبُهُ مُنْحَفِرٌ في الأَسْمَى. ومُلَبَّدَةٌ بالغَامِضِ سِيرَتُهُ. وممزَّقَةٌ أسفارُ قِيَامَتِهِ. يَدخلُ في رُعْبِ الأقدارِ، وفي المجهولِ المتوحِّشِ. يَدخلُ في طَلْعِ الأزهارِ الذّهبيِّ، وفي زَغَبِ الأطيارِ الباهِرِ. لم نفهمْ سرَّ الشّاعرِ. لم نُدْرِكْ حُمَّاهُ. لقد كان الشّاعرُ أبدعَ مِنْ أَنْ نفقَهَ مَعْنَاهُ...
(10)
الشّاعرُ ذاكَ المُتَوَهِّجُ كالرُّؤْيَا،
والمَعْجُونُ بِجَمْرِ الإِثْمِ وكَوْثَرِهِ...
يَحْمِلُ للأكوانِ القَدَرَ الأبْهَى.
يَحْمِلُ سِرَّ الوردَةِ
في عُرْوَتِهِ الوُثْقَى.
يَحملُ في يُمْنَاهُ
كتابَ الرّفْضِ،
ويَرْحَلُ مَفْتُونًا بخَطَايَاهُ...
(11)
قَلْبُ الشّاعرِ، في هِجْرَتِهِ، وَطَنٌ للكلماتِ الوَثَنِيَّةِ، قلبُ الشّاعرِ آنِيَةٌ للأزهارِ القمريَّةِ، قلبُ الشّاعرِ أُفْقٌ للغيماتِ. نُحدِّقُ فيهِ، فلا نُبْصِرُ إلاّ أطيافًا تَتَمَرْأَى فوقَ رَكَايَاهُ. نُحَاوِلُ فَهْمَ غَرَابَتِهِ بالعقلِ، فيُرْعِبُنَا النُقصانُ. نُقَارِنُهُ بِنَبِيٍّ مجنونٍ أو بإِلَهٍ سكرانَ يُبَدِّدُ مُلْكَا في التَّرْحَالِ، ونُغْلِقُ بابَ الحَيْرَةِ [ حَمْدًا حَمْدًا، أَنْ لَمْ نُجْرَحْ بِشَظَايَاهُ... !!! ]
(12)
هُوَ مَنْ يُهْرِقُ قَادُوسَ البَهْجَةِ،
فوقَ نواصي اللّيلِ، فيهرَمُ
مفتونًا بالأفراحِ اللّيلُ. وتطلعُ
مِنْ أَحْشَاءِ الظّلمَةِ شَمْسٌ،
لم يَرَهَا أحدٌ مِنْ قَبْلُ. لَهُ بَرْقٌ
يفتضُّ سماءً أعلى، ولَهُ أَسْمَاءٌ
غَارِقَةٌ كَفَرَاشَاتٍ في خَمْرِ المعنى،
ولَهُ الخَيْبَةُ والخُسرانُ، لَهُ التّيجانُ
الْباهِرُ ضوءُ لآلِئِهَا. يَخْتَطُّ
خرائطَهُ في الأقفَارِ طريدًا،
والتِّيهُ العَاصِفُ مَرْسَاهُ...
(13)
يوقظنا، ويقولُ لنا: ( هذي الشّمسُ لَنَا أُمٌّ. تَمْنَحُنَا الدّهشَةَ، والخبزَ السّاخنَ في الأَصْبَاحِ. وتَسْقِينا ماءً نورانيًّا يُسكبُ في أقداحِ الأُفْقِ. وتُطْلِقُ، في الأَفْجَارِ، جناحَ الطَّيْرِ. وتُرْضِعُ أطفالاً مَنْسِيِّينَ حليبَ الغبطةِ. بُورِكْتِ لنا أُمًّا، دومًا، يا شَمْسَاهُ... )
(14)
الشّاعرُ مَنْ يَبْقَى،
كالصّرخَةِ في هذي الدّنيَا.
هُوَ ما لا يُسْمَى، هُوَ ما يَجْلُو
صَدَأَ الأحلامِ الكَسْلَى...
الشّاعرُ، حَقًّا، مَنْ يَبْقَى
حُرًّا وطليقًا، رغمَ الغُربَةِ، في مَنْفَاهُ...
(15)
للشّاعِرِ أسطورتُهُ الشّخصيَّةُ دومًا [ حينَ ينامُ العالَمُ يَصْنَعُ من أغصانِ الغاباتِ سِلاَلاً للأَحْلاَمِ الحُمَّى. ويعيدُ لهذا اللّيلِ لآلِئَهُ الفضيّةَ لؤلؤةً تِلْوَ الأخرى، محترقًا بلهيبِ النّجماتِ يضيءُ الأسحارَ، ويُبْعَثُ فيها كالعنقاءِ الحَيْرَى ]. ما أغربَ هذا الشّاعرَ، هذا الرّجلَ المِغْبَارَ. سِمَاتُ المُلاَّكِ على جَبْهَتِهِ البيضاءِ، ولا إرثَ لَهُ غير التَّرحال. أصابِعُهُ الملكُوتُ الرَّحْبُ، ولا بيتَ لَهُ إلاّ الزّلزال. مريضٌ بِتَعَاوِيذِ الأَسْلاَفِ، ومَسْكُونٌ بالنَّارِ، كَأَنَّ البَرْقَ الأَخَّاذَ مقيمٌ في عينَيْهِ، كأَنَّ لدَيْهِ مفاتيحَ الأسرارِ الكبرى. ما أروعَ أن تُولَدَ من كَفَّيْهِ الآثِمَتَيْنِ الأَصْبَاحُ، وما أفدحَ أن يُبْصِرَ في بلّورِ التِّيهِ هُدَاهُ...
(16)
الشّاعرُ، لو تدرونَ، الرَّائي
في مرآةِ النّرجسِ، تُبْصِرُ
ما لا يُبْصَرُ عيناهُ، وتَقْرَأُ
ما لا يُقْرَأُ من أخبارٍ وفُتُوحَاتٍ...
الشّاعرُ، لا أحدٌ
يُشْبِهُهُ في الدّنيا،
لا بشرٌ يبلغُ مَرْقَاهُ...
(17)
الشّاعرُ مَلِكٌ مطرودٌ في الأكوانِ، وهَيْمَانُ. أضاع عروشًا في الوهْمِ، وبَدَّدَ في التّطوافِ كنوزا. أطفَأَ شمسَ الصّمتِ، وأَضْرَمَ شمسًا أخرى للصّوتِ الطّالعِ من أحشاءِ العزلَةِ، بحثًا عن كلماتٍ لا تشبهها كلماتٌ. يُوغِلُ في شطرنجِ كتابَتِهِ [ هِيَ في الأَصْلِ متاهَتُهُ ]. ويُحَنِّطُ أوجاعًا في الأبيضِ. يبني في النّشوةِ إيقاعا نزقًا، وقلاعًا من ذَهَبِ الأحزانِ... غنائمُهُ الأحجارُ تَهَاوَى في القِيعَانِ عميقًا. ومباهجُهُ المِلْحُ المتخثّرُ في شهقَةِ أُنثى. ومَسَرَّتُهُ الأنوارُ، إذا سَطعَتْ... ترياقُ اليَأْسِ قصائِدُهُ. والأرضُ له قبرٌ ومماتٌ. والأفْقُ لرؤياهُ حياةٌ سَكْرَى، يَنْشُدُهَا... وملاكٌ منفيٌّ في هذا العَصْرِ، صباحٌ مَرْمِيٌّ في الظّلمَةِ، زهرٌ جبليٌّ يُورِقُ في الفجرِ، هو الشّاعرُ. لا أحدٌ يُدْرِكُ، ما الشّاعرُ ؟ سِرُّ الأسرارِ، هُوَ الشّاعرُ في الأكوانِ، وقدسُ الأقداسِ تَجَلَّى. والأسماءُ هَوَاهُ...
(18)
للشّاعرِ حَتْمًا ما يَكْفي،
من خُبْزِ الدّهشَةِ كَيْ يَحْيَا،
قَلِقًا وسعيدًا، فوق ذُرَاهُ...
(19)
إحساسُ الشّاعرِ رفَّةُ عصفُورٍ مَقْرُورٍ. وذهولُ الشّاعرِ، في الرّؤيا، نُسُكٌ مبهمَةٌ لا تفقهُهَا الدَّهْمَاءُ. وإِرْثُ الشّاعرِ مملكةُ الأشياءِ الصُّغْرَى، تَكبرُ في الأحلامِ وفيهِ. غريبٌ هذا الكائنُ، في وحْدَتِهِ، تَزْحَمُهُ الأضواءُ، تُآخِيهِ. غريبٌ ومريعٌ وبديعٌ. قد تَتَّخِذُ الأطيارُ أصابعَهُ الفِضِّيَّةَ أعشاشًا. وتَلُوذُ بِهِ الغيماتُ، إنِ انْفَجَرَ الإعصارُ. وتَرْقُدُ في بُرْدَتِهِ اللَّيْلاَتُ، كَطِفْلٍ عَانَقَ حَلْوَاهُ...
(20)
في قَلْبِ الشّاعرِ، في أَصْقَاعِ
مَجَاهِلِهِ، في أَصْدَافِ رغائِبِهِ السِّرِّيَّةِ،
يَسكُنُ دومًا وَلَدٌ يَعْبَثُ بِالأَوْثَانِ،
ويَلْهَجُ بالطُّوفَانِ القَادِمِ،
من جِهَةٍ لا يَعْلَمُهَا أَحَدٌ إِلاَّهُ.
ويَسْكُنُ فِيهِ – أُؤَكِّدُ - يَسْكُنُ فِيهِ إِلَهُ...
(21)
الشّاعرُ من يَمْلأُ رَاوُوقَ الكلماتِ، بخمْرِ المعنى. ويُرِيقُ الماءَ الفاتِنَ فوقَ الأوراقِ، شغوفًا بغوايتِهِ الأولى... التّفّاحةَ يَرْسُمُهَا في مملكَةِ الأبيضِ، شَبِقًا. ويُلَوِّنُهَا بِغُبَارِ الرَّغْبَةِ، يَنْفُخُ فيها من شهوتِهِ حتّى تُصبحَ أُنْثَى، أجملَ من كُلِّ الأَخْطَاءِ وأَحْلَى... الشّاعِرُ من يَكتُبُ بالجمرَةِ تاريخًا آخَرَ للأزمانِ، ويَمْحُو الماضي الآسِرَ بأصابعِهِ، يقتلُهُ كَيْ يَحْيَا فينا، كَيْ نَحْيَا...
الشّاعرُ من يَكتبُ يَشطبُ،
يَشنقُ يَخْلُقُ،
لا خَالِقَ في كَوْنِ الأَوْرَاقِ سِوَاهُ...
(22)
[ الشّاعرُ ماتَ، أُكَرِّرُ
أنّ الشّاعرَ ماتْ...! ]
أبدًا، الشّاعرُ حيٌّ في الكلماتْ...
والشّاعرُ أعظمُ مِنْ أَنْ يُولَدَ، ثمّ يَمُوت.
الشّاعرُ يَعبقُ عِطْرًا في المَلَكُوت،
ويَصْعَدُ موسيقى ومَبَاهِجَ شَتَّى...
إِنْ سَلَّمْنَا، جَدَلاً، أنّ الشّاعرَ "مات".
فهذا الأبيض،
مثل سريرِ الغَيْمِ السّابِحِ،
حَتْمًا، مَثْوَاهُ...
(فرنانة - تونس/ ماي 2010)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.