يواصل الشاعر والناقد الفلسطيني هشام عودة مشروعه في اجراء حوارات مطولة تصدر في كتب تباعا، وقد بدأها بكتاب «وهج الأسئلة» أحمد المديني يتحدث (2010 عمان) وأحمد المديني هو الأديب والأكاديمي المغربي، ثم ألحقه بكتاب ثان هو «الشمعة والدرويش حميد سعيد يتحدث (2011 عمان) وحميد سعيد هو الشاعر العراقي المقيم في العاصمة الأردنية عمّان. ثم جاء كتابه الثالث في هذه السلسلة تحت عنوان «الكتابة بلا انقطاع سامي مهدي يتحدث»، وهو الكتاب الثاني عن شاعر عراقي من جيل الستينات بعد حميد سعيد حيث يعد هذان الشاعران ومعهما أسماء قليلة أخرى كفاضل العزاوي وحسب الشيخ جعفر وصركون بولص وآخرين من رموز جيل الستينات العراقي. ونستطيع القول أن هذا المشروع الذي يشتغل عليه الشاعر هشام عودة هو مشروع مهم لأنه يحاول تقديم من يحاورهم تقديما شاملا، حياتهم وصداقاتهم وتجاربهم الاولى ومشاغلهم الادبية وآرائهم ومواقفهم.
كأنه يستدرج من يحاوره ليفتح ما تخبأ من وقائع سيرته الذاتية، وهذا ما كان في كتابيه اللذين قرأتهما والمتعلقين بشاعرين صديقين جايلتهما على مدى سنوات أعمارنا الأدبية.
ولعل الشاعر سامي مهدي هو من بين أكثر المتبتلين في عشق الشعر، وقد عمل على تطوير تجربته وهو الذي أتى للأدب من عالم الاقتصاد حيث تخرج من كلية الاقتصاد ببغداد، وعمل على تطوير قراءاته باللغة الانقليزية وعندما أتيحت له فرصة العمل في باريس عمل على تعلم اللغة الفرنسية وأصرّ على ذلك حتى صار يترجم منها وصار يقرأ تجارب شعرائها بغلتهم.
ولسامي مهدي رصيد ثري في الكتابة النقدية والترجمة والبحث، وكان من أوائل من راجعوا تجربة جيل الستينات الشعرية في كتابه المرجعي «الموجة الصاخبة» وكذلك كتابه الذي حظي بالاهتمام والذي راجع فيه تجربة الشاعر الفلسطيني توفيق صايغ.
لقد بدأ هشام عودة الحوار مع سامي منذ البدايات، ونشير الى أن ديوانه الاول «رماد الفجيعة» الصادر ببغداد عام 1966 كان فاتحة جيل الستينات الشعري الذي صدر متزامنا مع مجموعة «السيف والسفينة» القصصية لمحدثكم التي كانت فاتحة جيل الستينات القصصية.
روى سامي مهدي بدايات جيله هو ابن بغداد وليس من الوافدين عليها من المدن الاخرى وتحدث عن رفاق البدايات وتأثيرهم عليه وقبل هذا تحدث عن مدرسيه في المرحلة الثانوية حيث كان أولئك الاساتذة يمتلكون فراسة الانتباه الى تجارب طلابهم وتوجهاتهم فيعملون على ارشادهم من أجل أن يطوروا تجاربهم. وتحدث كذلك عن دور النشرة المدرسية التي كان يحررها الطلبة وكانت الفضاء الذي تتحرك عليه تجاربهم الاولى.
أعاد سامي مهدي الحديث عن روائي وقاص توفاه ا& مبكرا هو موفق خضر الذي كان يحثه على النشر ما دام لديه ما يستأهل النشر من كتابات. يقول سامي مهدي لهشام عودة: «سأبدأ معك من نقطة الصفر فأقول ان أبي هو الذي قادني الى أبواب عالم الكلمات كانت معرفته بالقراءة والكتابة ضئيلة جدا، ولكنه علمني أن أكتب اسمي واسمه».
ثم تحدث عن المجلات التي تعرّف عليها في سنوات البداية وكيف صار يتابعها بعد أن بدأ يتعلم القراءة اثر التحاقه بالكتاتيب، وكذلك دور القرآن الذي حفظ الكثير من آياته. ويتحدث عن دور مجلة الاداب التي ما ان رآها عند أحد أساتذته حتى أصبحت مثار اهتمامه وصار يتابعها ثم صار من كتّابها بعد ذلك.
وتحدث كذلك عن الشعراء الذين قرأ تجاربهم وتابع ما ينشرونه وذكر أسماء: بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، نازك الملائكة، بلند الحيدري، خليل حاوي، صلاح عبد الصبور، أحمد عبد المعطي حجازي، محمد الفيتوري، نزار قباني (حتى شعراء الدرجة الثانية والدرجة الثالثة كنت أقتني دواوينهم). وذكر انه حاول نظم «الأبوذية» والشعر الشعبي بالدارجة العراقية.
وسامي مهدي مغرم بجلسات المقاهي التي يؤمها الأدباء وأذكر هنا أن لقاءاتنا الاولى عام 1964 كانت في مقهى البلدية ببغداد، وقبلها ذكر أنه كان يلتقي بعدد من الأدباء الناشئين وقتذاك في مقهى من مقاهي الرصافة لم يذكر اسمه هو وموفق خضر وغازي العبادي وخضير عبد الأمير وباسم عبد الحميد حمودي وسلمان الجبوري وعبد اللطيف إطيمش وجواد البدري وصلاح نيازي. وقد برز هؤلاء بعد ذلك وصاروا من أعلام الأدب. (وللحديث صلة)