مرّ رمضان وانتهت أيامه المباركة ولياليه السنية وما كان لشيء أن يخلد لأن تلك سنة الله في مخلوقاته فقد كتب على كل شيء الموت و الفناء وكتب على نفسه الخلود والبقاء ,وها نحن نستقبل عيد الفطر المبارك, وقد شرّع الإسلام الأعياد لحكم سامية ولمقاصد عالية، فالعيد فرصة للفرح ولتقوية الروابط الاجتماعية، ولتجديد قيمة التواصي بالحق والتواصي بالمرحمة، وهناك سنن وآداب وصّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاحتفال بالأعياد. فمن الحكم التي شُرعت من أجلها الأعياد في الإسلام أن تكون فرصة للترويح عن النفس من هموم الحياة، و لتوطيد العلاقات الاجتماعية ونشر المودة والرحمة بين المسلمين, و لكي نشكر الله تعالى على تمام نعمته وفضله وتوفيقه لنا على إتمام العبادات.
وهي تختلف عن الأعياد في غير الإسلام، ففي الإسلام ارتبطت الأعياد بأداء الفرائض، وتكون فرحة العيد بالتوفيق في أداء الفريضة؛ فالذين يصومون لهم الحق أن يفرحوا بالعيد لأنهم أدوا فريضة الصوم، والذين يحجون لهم أيضاً أن يفرحوا لأنهم أدوا فريضة الحج.
وربط العيد بأداء الواجب وهو معنى سام يختلف عن المناسبات الدنيوية، فالإسلام سما بمعنى العيد وربط فرحة العيد بالتوفيق في أداء الفرائض، ولذلك فإن العيد يُعدّ من شعائر العبادة في الإسلام.
وإذا كان القرآن الكريم قد نهى عن لون من الفرح يشير إلى التكبر والأنانية والاستعلاء على خلق الله وقطع الصلة بهم، كما في حالة قارون (...إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)[القصص: من الآية 76]؛ فهذا فرح لا يحبه الله، ومن شأنه أن يحول بين صاحبه وبين الناس محبة وتواصلاً؛ فإن الله بالمقابل أمر بالفرح برحمته وفضله، ومنها التوفيق للطاعة التي من أجلِّها التواصل بين الناس عموماً وأولي الأرحام منهم على وجه الخصوص.
فالأعياد في الإسلام لم تُشرع من أجل مجرّد الفرح، وإنما شُرعت لكي تستكمل حلقة البر في المجتمع الإسلامي، فإذا كان البر في الأيام العادية عادة فردية ففي أيام الأعياد يصبح البرّ قضية اجتماعية لقول النبي صلى الله عليه وسلم مطالباً الأغنياء بألاّ يتركوا الفقراء لفقرهم: «اغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» هذا فيما يخص زكاة الفطر، والإسلام لم يسن الأضحية ليشبع أصحاب الأضحية من اللحم، ولكن ليشبع الفقراء من اللحم الذي ربما لا يذوقونه طوال أيام السنة، ولعل الآية التالية تؤكد على إعلاء شأن العبادة إذا أثمرت سلوكاً نافعاً لأصناف الناس جميعاً وإلا تصبح الصلاة والصيام وغيرها من الشعائر عبادات جوفاء لا تؤدي المعنى الاجتماعي التي من أجله فُرِضت. يقول الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة:177, فأمره يشمل جميع ألوان ذوي الحاجات فلم يترك طبقة من الطبقات إلا وشملها هذا الفيض من رحمة الله؛ فالمجتمع لا يعيش إلا بهذا التراحم. هذا ما دعا إليه الإسلام وما استُهدف من معنى «العيد فالعيد في منهج الإسلام بهجة وفرحة وسرور وشكر لله على التوفيق لأداء فريضة الصيام أو الحج. وواجب المسلمين في هذا اليوم التزاور والتراحم بينهم، ومراعاة الآداب التي وضعتها الشريعة الإسلامية للاحتفال بالعيد ومراعاة حرمات الله تعالى؛ فلا يجوز أن يكون يوم العيد يوم حزن أو همّ بالبكاء والندب على الراحلين، بينما الأحياء متقاطعين لا يصل بعضهم بعضاً.
فللأعياد أثر في تجديد الروابط الإنسانية، ففي العيد تتجلى السلوكيات الطيبة والأخلاق الحميدة فيسارع الناس إلى تبادل التهاني بقدوم العيد ويتصالح المتخاصمون وتنعقد مجالس الحب والتراحم والمودة، وتزول الأحقاد من النفوس فتتجدّد العلاقات الإنسانية، وتقوى الروابط الاجتماعية وتنمو القيم الأخلاقية وتعلو قيم التآخي والتعاون والبذل والعطاء والجود والكرم والتراحم والتعاطف.
إن العيد فرصة نفسية كبيرة متجددة لتصافي القلوب ولمدّ جسور التراحم بين الناس ومناسبة كبيرة لتزكية الطاعات حتى يقبلها الله سبحانه وتعالى ويجازي صاحبها أحسن جزاء.