وداعا يا شهر الصيام، عوّدتنا على التقوى، وتضاعفت فينا لذّة العبادة، ولئن ضمرت البطون، وخفّ وزن الشحوم، فقد توفّرت سلامة الصحّة، وقويت الإرادة، لنكفّ عمّا يؤذينا، وتترفّع أخلاقنا، فبالصوم قهرنا النفس الأمّارة بالسوء، وانتصرنا على النفس المسوّلة، وذلّلنا النّفس الموسومة، ولم تجد النفس اللوّامة بما تلومنا عليه، فالحمد للّه استطعنا أن نفوز بمرتبة النفس المطمئنة، فلنحتفل بعيد فطرنا مطمئنين بعدما صمنا رمضان لا عن تغذية الجسم فقط، بل أيضا عن أذى اللسان، فوفّرنا لأنفسنا العقل السليم في الجسم السليم، فلنحافظ على هذه السلامة ولنسر بخطى ثابتة على صراط اللّه المستقيم، ونستمسك بالعروة الوثقى، نسعف الكادحين، وننصر المظلومين، ونزور المرضى المتألمين، ونواسي المعذّبين في الأرض، وننشر البسمة على أفواه العاجزين، وننير قلوب الضّالّين، ونرفع الوزر عن المنكوبين، ونتعاون على البرّ والتقوى، لئن كان المشركون اتخذوا أعيادهم سوق لهو وفحش فليكن عيدنا معشر المسلمين، عيد تذكير بمجد الصالحين وتجديد لرفع الستار عن المكبوتين بما أنعم اللّه عليهم من نعم لا تحصى ترضيهم وتهديهم الى أقوم السبل، فهو عيد المغفرة والفوز بجائزة السماء، عيد الطائعين من عباد الرّحمان تكبير وتهليل وتحميد، عيد المحبّة والتضامن، عيد زكاة الفطر ليسعد فيه كل المسلمين فمرحبا بعيد الفطر. العيد رحمة من حكمة اللّه سنّ أعياد للمسلمين ارتبطت بأحداث، وحلّت عقب أداء فريضة من أركان الاسلام، فعيد الفطر يأتي بعد ركن الصوم، وعيد الاضحى بعد أداء ركن الحج، وربط سبحانه العيد بقيمة اجتماعية تمتّن العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وتجعلها علاقات ودّ ورحمة فكانت زكاة الفطر في عيد الفطر، وصدقة الأضحية في عيد الاضحى، حتى تتآلف القلوب بين الأغنياء والفقراء، وتختفي صور الحقد الاجتماعي ففي عيد الفطر بعد صوم رمضان يقف المسلم وقفة تأمّل يتساءل ماذا قدّم طيلة شهر من عمل؟ إن كان خيرا حمد اللّه وشكر، وإن كان هناك تقصير تدارك واستغفر ثم يدعو خالقه يسأله الرّضى والتقبّل لما مضى ويرجو العون والتوفيق في ما يأتي. يجود المسلم القادر بمقدار من الاحسان على اخوة له في الاسلام لم تتيسّر لهم أسباب السعة في الرزق أو الاستقرار في الحياة، حتى يعمّ الفرح جميع المسلمين. إنّ العيد في الاسلام هو امتحان لكلّ مسلم، شارك في التأهل له بصوم شهر كامل ليشعر نفس شعور الجائعين من اخوانه، وبهذا الشعور يتسابق الأغنياء الصالحون على فعل الخير، ليرفعوا الجوع والاحتياج عن المساكين والفقراء والعاجزين والمرضى وبذلك تعمّ السعادة الجميع ويتحقّق رضاء اللّه تعالى الذين أحسنوا كما أحسن اللّه إليهم.