عرفت العلاقات بين الرئيس المنصف المرزوقي وحركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم توترا جديدا، وذلك بعد ان اتهم المرزوقي «النهضة» بالسعي إلى السيطرة على مفاصل الدولة وانتقد إصرارها على اعتماد نظام سياسي برلماني، وهي تصريحات تهدد بإثارة أزمة جديدة داخل التحالف الحاكم. وفي افتتاح المؤتمر العام الثاني لحزب «المؤتمر»، شريك حركة النهضة في الائتلاف الثلاثي الحاكم قال المرزوقي في خطاب ألقاه نيابة عنه أحد مستشاريه، ان «إخواننا في النهضة يسعون للسيطرة على مفاصل الدولة الإدارية والسياسية عبر تسمية أنصارهم سواء توفرت فيهم الكفاءة أم لم تتوفر».
وأضاف «كلها ممارسات تذكر بالعهد البائد» كما انتقد المرزوقي، الذي أسس حزب المؤتمر عام 2001، «اصرارهم (حركة النهضة) على النظام البرلماني والحال أننا لدغنا من هذا الجحر مباشرة بعد الاستقلال، وعانينا نصف قرن من تبعات جمع حزب، وإن تحصل على الأغلبية بصفة ديمقراطية، للسلطتين التنفيذية والتشريعية في بلد هيأته القرون للدكتاتورية لا للديمقراطية».
مناورة
ورغم أن المرزوقي حاول تخفيف حدة تصريحاته حين تحدث عن أمنيته بأن يواصل حزبه إنجاح «تجربة فريدة في التحالف بين العلمانيين والإسلاميين المعتدلين»، فإن العديد من قيادات ووزراء النهضة خرجوا من القاعة محتجين على خطابه، ومن بينهم وزير حقوق الإنسان سمير ديلو ووزير الداخلية علي العريض ووزير الفلاحة محمد بن سالم ونائب رئيس الحركة المكلف بالشأن العام عبد الفتاح مورو.
وحاول رئيس حركة النهضة من جانبه التقليل من شأن تلك التصريحات وتأثيرها على الائتلاف الحاكم، لكن الظاهر أنّ هذه الأزمة قد تمثل القشة التي ستقصم ظهر البعير، بما أنّ الائتلاف الحاكم مرّ بهزات كادت تعصف به (وتحديدا بسبب خلافات بين النهضة والمؤتمر أو بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) وخاصة أزمة تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي في جوان الماضي.
وسببت تلك الأزمة حالة من الجفاء بين مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة واشتكى رئيس الجمهورية حينها إلى المجلس التأسيسي للمطالبة بتوضيحات وتبريرات لموقف رئيس الحكومة من المسألة، وتمت إذابة الجليد بعد لقاء بين المرزوقي والجبالي وإعلان نهاية الخلافات.
وتواصلت حالة التجاذب والتوتر بين «النهضة» و»المؤتمر» داخل المجلس التأسيسي خصوصا حول شكل النظام السياسي، حيث شهدت لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقات بينهما نقاشات ساخنة وملاسنات وانسحابات بسبب الاختلاف في وجهات النظر حول الفصل 45 من الدستور الجديد المحدّد لكيفية انتخاب رئيس الجمهورية.
الأزمة... إلى أين؟
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة عدنان منصر الذي أعلن انضمامه رسميا لحزب المؤتمر إنّ «مؤتمر الحزب كان مخصصا لأنصار الحزب وبالتالي فإن النبرة النقدية كانت طبيعية... كانت هناك حاجة لجمع الأنصار وإرسال رسائل للخصوم والأصدقاء، والخطاب لم يخرج عن مبادئ الحزب لكنه أكد تضامنه مع الشركاء على المستوى الرسمي والتنفيذي».
وقال القيادي في حزب المؤتمر سمير بن عمر، وهو مستشار أيضا لدى رئيس الجمهورية، «أعتبر الخطاب طبيعيا، نسمع أحيانا كلاما أكثر نقدا مما سمعتموه اليوم، داخل الهيئة التنسيقية لتقييم عمل الترويكا، من واجبنا أن ننبه إلى الأمور التي لا تسير بالشكل المطلوب ولا تتوافق مع تطلعات شعبنا».
وفي المقابل استنكر سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية التصريحات الواردة في رسالة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي للمؤتمر الثاني لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية.
وقال ديلو ان تصريحات المرزوقي غير مقبولة جملة وتفصيلا مضيفا في تصريح إذاعي له ان «المرزوقي يريد ان يضع في نفس الوقت ساقا في السلطة وساقا أخرى في المعارضة وهذا غير معقول لأن الذي قبل أن يكون في السلطة يجب عليه أن يتحمل التزاماته الأخلاقية والسياسية وأن لا يحاول القيام بدعاية سياسية لشخصه على حساب شركائه السياسيين».
رسالة «مشفرة»؟
لكن محللين يقولون إن كلمة المرزوقي تتجاوز مجرد رد الاعتبار لشخصه في مناسبة علانية، إلى محاولة إعادة الزخم لحزبه الذي شهد تصدعا داخليا وانشقاق 12 عضوا من كتلته النيابية إضافة إلى اتهامات ظلت تلاحقه منذ انضمامه الى الائتلاف الحاكم، بفقدانه لاستقلاليته مقابل الانصهار والتبعية المطلقة لحركة النهضة.
وقال المحلل السياسي والناشط الحقوقي زهير مخلوف إنّ «حزب المؤتمر اليوم يشهد انقساما آخر. نرى صقورا جديدة تحاول القطع كليا مع حركة النهضة الاسلامية، ورسالة المرزوقي كانت موجهة بشكل خفي إلى الدائرة الضيقة للحزب للانقياد نحو هذا الطريق». وأضاف مخلوف أنّ «المرزوقي لم ير أي صلاحيات لمنصبه كرئيس من حلفائه كما لم ير أي ايجابيات تنعكس على حزبه من وراء الائتلاف، وقد بعث برسالة تعكس احتجاجا وتمردا وربما انشقاقا قادما من حزبه».