يبدو أنّ نيّة الحكومة متّجهة نحو إقرار أسبوع الخمسة أيّام وتمتيع الموظّفين تبعا لذلك بيومي السّبت والأحد كراحة أسبوعية. والجدير بالذّكر هنا أنّ المسألة محكومة حاليا بما جاء في الفصل 37 من قانون الوظيفة العمومية من أنّ الموظّف يتمتّع بعطلة أسبوعية مدّتها يوم واحد. وهو ربّما ما جعل البعض يرى أنّ الأمر يتطلّب المرور بالمجلس التّأسيسي قصد تنقيح الفصل المذكور. هذا الطّرح يدفع نحو التّساؤل إن كنّا إزاء مسألة تنتمي إلى ميدان القانون وتتطلّب بذلك تدخّل السّلطة التّشريعية، أم هي مسألة من مشمولات السّلطة التّرتيبية يكفي في شأنها إصدار أمر لا غير.
ينصّ الفصل السّادس من القانون التّأسيسي المؤرّخ في 16 ديسمبر 2011 والمتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العمومية على أنّه يتّخذ شكل القانون النّصّ المتعلّق بالضّمانات الأساسية الممنوحة للموظّفين المدنيين.
لا يعني هذا النّصّ أنّ القانون هو الّذي يضبط جميع الحقوق وجميع الضّمانات المخوّلة للموظّفين، فالأمر لا يتعلّق سوى بالضّمانات الأساسية. ومسألة الرّاحة الأسبوعية، وإن كانت من الحقوق الهامّة المكفولة للموظّف وللعامل بصفة عامّة، إلاّ أنّها لا تنتمي إلى الضّمانات الأساسية ولا حتّى إلى الضّمانات العادية. فمسألة الضّمانات تطرح في خصوص الإجراءات الّتي يجوز للإدارة اتّخاذها تجاه الموظّف أثناء حياته المهنية، كما هو الشّأن في الميدان التّأديبي مثلا.
كما أنّ هذا النّصّ لا يجب أن يفهم على أنّ المشرّع هو المختصّ دون غيره لإقرار الضّمانات الأساسية للموظّفين، بمعنى أنّه لا يجوز للسّلطة التّرتيبية إضافة ضمان لم ينصّ عليه القانون. فالمقصود ليس إقرار اختصاص حصريّ لفائدة السّلطة التّشريعية وإفرادها بهذا الحقّ، إنّما المقصود هو تحميل هذه السّلطة واجب إصدار قانون ينصّ على الضّمانات الأساسية للموظّفين، حماية لها من تدخّل السّلطة التّرتيبية ومن تصرّف الإدارة. وفي كلّ الأحوال، لا يحول النّصّ المذكور دون أن يضيف الأمر ضمانات غير منصوص عليها بالقانون.
وبذلك، سواء اعتبرنا مسألة الرّاحة الأسبوعية من الضّمانات الأساسية أو اعتبرناها من الحقوق، وهو الأسلم (كلمة حقّ مذكورة في النّصّ)، فإنّه يجوز للسّلطة التّرتيبية أن تقرّ بأمر مرور الرّاحة الأسبوعية من يوم إلى يومين.
وقد يتساءل البعض عن سرّ وجود هذه الأحكام في القانون إذا ما سلّمنا بأنّها من مشمولات السّلطة التّرتيبية. ويكمن تفسير ذلك في أنّ الأحكام المذكورة جاءت بها الصّيغة الأصلية لقانون الوظيفة العمومية الصّادر سنة 1983، أي قبل أن يقرّ تنقيح الدّستور سنة 1997 توزيع الموادّ بين اختصاص المشرّع (قوانين) واختصاص السّلطة التّرتيبية (أوامر)، وهو توزيع نجده اليوم صلب الفصل السّادس من التّنظيم المؤقّت للسّلط العمومية. وتمّ الإبقاء على تلك الأحكام صلب القانون إلى اليوم، ولكنّ ذلك لا يعني أنّها حافظت على طبيعتها التّشريعية. فكثيرة هي الأحكام ذات الطّبيعة التّرتيبية والّتي نجدها في قوانين صدرت قبل 1997 أو حتّى بعد ذلك، وهو أمر قبله فقه القضاء الدّستوري.
وإن كان يجوز تنقيح هذه الأحكام بقانون، فإنّه يجوز كذلك تنقيحها بأمر، وهو ما كان يتمّ بعد استشارة المجلس الدّستوري. وغياب هذه الاستشارة اليوم لا يعني أنّه لا يجوز لرئيس الحكومة اتّخاذ أوامر لتنقيح الأحكام الموجودة في بعض القوانين كلّما تبيّنت له صبغتها التّرتيبية.
وخلاصة القول أنّه لا مانع من أن يتمّ المرور بالعطلة الأسبوعية من يوم إلى يومين بمقتضى أمر شريطة احترام النّصوص والمبادئ الأعلى مرتبة من الأوامر وخاصّة العدد السّنوي لساعات العمل المضبوط صلب الفصل 25 من قانون الوظيفة العمومية (إذا ما سلّمنا بالطّبيعة التّشريعية لهذه الأحكام) ومبدأ استمرارية المرافق العمومية.