عديد المؤشرات كانت توحي منذ صباح امس أن سيناريو واقعة السفارة الأمريكية لن يتكرر أمام السفارة الفرنسية..حضور أمني رهيب طوق السفارة وكل المداخل المؤدية لشارع بورقيبة وإحكام غلق المنافذ أمام القادمين من جهة جامع الفتح بالباساج نحو وسط العاصمة.. الساعة تشير إلى س 13 و15دق..انتهت صلاة الجمعة بجامع الفتح الكائن بمنطقة الباساج وهَمّ المصلون بمغادرة المكان عبر شارع الحرية نحو شارعي باريس الحبيب ثامر..لكن طوقا أمنيا كثيفا مُدججا بمختلف أنواع الأسلحة والدروع حوّل وجهاتهم على مدى حوالي ربع ساعة نحو شارع مدريد.
خطة التشتيت
وبدا واضحا منذ البداية أن الجهاز الامني خطط جيدا هذه المرة لعدم الوقوع في أخطاء واقعة السفارة الأمريكية ، وذلك بالتخطيط لتشتيت المتظاهرين المُحتمل خروجهم من جامع الفتح قبل ان يتوغلوا عبر الانهج المؤدية إلى وسط العاصمة.
في الأثناء حاول عديد المترجلين من مُصلين ومارة الاحتجاج في وجوه رجال الامن على غلق الطريق في وجوههم وقالوا إنهم مرتبطون بقضاء شؤونهم المستعجلة وبالعودة إلى مواطن العمل فيما كان البعض الآخر ينادي ان لا شيء سيحصل اليوم ولا داعي لكل هذا التخوف ..غير ان رجال الامن أحكموا التعامل مع الوضعية ونجحوا بطريقة سلمية ودون اللجوء إلى القوة في تفريق بعض من حاول التظاهر على مستوى شارع مدريد ثم فتحوا الطوق الأمني وسمحوا لكل المارة وللسيارات بالمرور من شارع الحرية في اتجاه شارع لندرة .
فوضى الشبان
بعد ذلك انتقلت أغلب الأحداث نحو شارع لندرة وحصلت عملية كر وفر بين رجال الامن وبعض الشبان الذين حاولوا التجمهر و ترديد بعض الشعارات ذات الطابع الديني، بينما كان أغلب الحاضرين من سكان واصحاب متاجر بالمكان يقولون إنه لا علاقة لهؤلاء المتظاهرين بالتنديد بالرسوم المسيئة للرسول وانهم مجرد شبان صغار يحاولون استغلال حالة الفوضى للقيام ببعض عمليات النهب والسرقة ...
وفي هذا الإطار تجدر الملاحظة أنه لم يُسجل حضور أشخاص ملتحين أو من المحسوبين على التيار السلفي ضمن المتظاهرين ولم يحاول أي منهم التظاهر . ويبدو ان حملات التوعية والتحسيس التي اطلقها كثيرون حول ضرورة تجنب العنف عند التعبير عن رفض الإساءة للمقدسات الاسلامية.
محاصرة
لم يمنع الحضور الأمني المكثف هؤلاء الشبان من القاء بعض الحجارة على رجال الامن الذين لم يردوا الفعل باستعمال الغاز المسيل للدموع بل عملوا فقط على اجبار المتظاهرين على التقهقر إلى الوراء في اتجاه منطقة باب الخضراء والنفق المؤدي إلى باب سعدون باستعمال السيارات الامنية والدراجات النارية والأحزمة البشرية. وبعد ذلك بدأت الأمور تهدأ شيئا فشيئا وعادت حركة المرور إلى سالف كثافتها بالمنطقة في حدود الساعة الثانية والربع. لكن الأمن واصل تواجده بالمكان طيلة الساعات الموالية تحسبا لكل طارئ قد يحدث.
وغير بعيد عن شارع لندرة كانت احدى المدرعات التابعة للحرس الوطني تتمركز قرب سكة المترو وسط الباساج يعلوها 3 أعوان مُدججين بالأسلحة وتثير حولها فضول الحاضرين. وعلى مستوى مدخل شارع باريس وشارع حبيب ثامر، كان الحزام الامني بدوره كثيفا وكان يمنع المرور على السيارات في حين كانوا يسمحون للمترجلين بالمرور . وبالتوازي مع ذلك كانت مروحية عسكرية تحلق بسماء العاصمة منذ منتصف النهار وإلى حدود المساء.
السفارة محصنة
كان المشهد في شارع بورقيبة قرب السفارة الفرنسية يوحي منذ الصباح أن وزارة الداخلية قرأت آلاف الحسابات حتى لا يتكرر سيناريو السفارة الأمريكية ..فقد تم منع حركة الجولان في أغلب أجزاء الشارع خاصة أمام السفارة، وطوقت قوات امنية متنوعة وقوات عسكرية خاصة مبنى السفارة بالكامل ومُنع المرور على المترجلون أمام مبنى السفارة. وقد بدت القوات الامنية محكمة التنظيم هذا المرة وكان القادة الامنيون دقيقين في إسداء الأوامر المختلفة للأعوان على امتداد اكثر من ساعة ولم يُسمح بالاقتراب من مبنى السفارة ومن التعزيزات الامنية إلا للصحفيين. وقد تواصل الامر على هذا النحو إلى حدود الساعات الأخيرة من المساء، وأبدت قوات الامن احتياطات كبرى في التعامل مع كل ما قد يطرأ من أحداث.