تتفق كل مكونات المشهد السياسي من داخل الائتلاف الحاكم أو من المعارضة، من داخل المجلس التأسيسي أو من خارجه اليوم على ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني لتجاوز المطبات والعراقيل التي يمر بها مسار الانتقال الديمقراطي. كثيرون يتحدثون اليوم عن حتمية إجراء حوار وطني شامل ووضع خارطة طريق لبقية المرحلة الانتقالية، لكن التصورات حتى الآن لا تزال غامضة، ويبدو أن الإشكال يحوم حول من ستشمل طاولة الحوار الوطني... هل الجهات والأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي فحسب أم كل الأطراف السياسية والاجتماعية المعنية بإدارة المرحلة الانتقالية؟.
مسؤولية الجميع
ما يدعو إلى هذا التساؤل أنّ أطرافا سياسية من خارج المجلس التأسيسي تبدو ذات وزن على الساحة السياسية وتسعى إلى استقطاب المزيد من المؤيدين ترغب في المشاركة في الحوار الوطني وترى أنه لا ينبغي إقصاء أي طرف لأن الكل معني بتقديم تصوراته للوضع العام في البلاد ولخارطة الطريق الممكنة وأنّ هذه المهمة ليست موكلة للترويكا الحاكمة لوحدها ولا للأطراف التي فازت في الانتخابات ولديها اليوم تمثيل في المجلس التأسيسي.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل، من بين الأطراف التي دعت منذ أشهر إلى عقد مؤتمر وطني يؤسس لحوار حقيقي، ويتيح توافقات كبرى تؤمن إدارة المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد في أحسن الظروف.
وتتضمن مبادرة الاتحاد «إحداث مجلس وطني للحوار، يجمع كل القوى السياسية والمجتمع المدني في تونس، ويؤسس لحوار حقيقي يتيح صياغة توافقات كبرى»، وهي تتألف من ست نقاط أساسية منها ،التمسك بمدنية الدولة وبالنظام الجمهوري الديمقراطي، وبالمكاسب المجتمعية التي راكمها الشعب التونسي عبر السنين، واحترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات العامة والفردية، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب، وتحييد الإدارة والمساجد.
أمين عام الاتحاد حسين العباسي أكّد حينها أن أطر الحوار والتوافق التي دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل في هذه المبادرة «تمثل قوة اقتراح، ولا تعوض في شيء السلطات الدستورية والشرعية القائمة، التي تبقى وحدها صاحبة اتخاذ القرار.»
ورغم حديث الكثير عن أهمية الحوار الوطني لم تقم الحكومة بخطوات عملية للدفع في هذا الاتجاه كما بقيت بعض الدعوات من أطراف حزبية في مستوى التنظير دون تقديم تصور عملي للبدء في حوار وطني ودون تحديد الأطراف المعنية به.
حوار شامل
أمين عام حركة الشعب وعضو المجلس الوطني التأسيسي محمد براهمي أكد انه «عندما نتكلم عن الحوار الوطني يجب أن تكون لنا نظرة أشمل مما هو موجود حاليا في المشهد السياسي خاصة الأحزاب والقوى الممثلة في المجلس، لأن الجميع يعلم أن انتخابات 23 اكتوبر رغم أهميتها فإنها لم تعكس المشهد السياسي في تونس، وعليه فإن الحوار الوطني لا بد أن يشمل كل القوى من أحزاب ومنظمات وشخصيات وطنية تنتصر للثورة وتعمل من أجل تحقيق أهدافها».
وأكد براهمي ان «كل عملية تحصر الحوار الوطني في الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي تعكس رؤية قاصرة ولا تساهم في حل المشكل بل بالعكس لا تزيد الوضع إلّا تعقيدا» مضيفا أن «الحوار الوطني يجب أن يشمل تحديد الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وطرق الخروج منها أي بوضع تصوّر لبرنامج إنقاذ وطني يسهر على تنفيذه ثلة من الكفاءات الوطنية بصرف النظر عن انتماءاتها الحزبية... فالحوار الوطني يستهدف مصلحة الوطن والوطن فوق الأحزاب».
وأكّد أمين عام حزب العمل الوطني الديمقراطي – الهيئة التأسيسية عبد الرزاق الهمامي أنّ الحوار يجب ان يشمل كل القوى السياسية في البلاد وكل مكونات المشهد السياسي، فنحن في حاجة إلى حوار الغاية منه تحقيق توافق على مسائل محدّدة مثل تحديد موعد الانتهاء من صياغة الدستور وموعد الانتخابات ووضع الهيئات المشرفة على الانتخابات والقضاء والإعلام والعدالة الانتقالية».
واعتبر الهمامي أن «ما اوصلنا إلى هذه الحالة هو الإشكال المتعلق ب 23 أكتوبر» وأن «أي طرف ذي شأن وفاعل على الساحة السياسية يتغيب عن هذا الحوار يكون بذلك مخلا بأحد شروط التوافق».
وحسب الهمامي فإن الحوار الوطني يجب أن يشمل الأحزاب الممضية على اتفاق 15 سبتمبر 2011 والأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي والأحزاب التي لم تكن موجودة قبل الانتخابات فضلا عن المنظمات الفاعلة التي قد يكون لها مواقف وتصورات... هذا هو الحوار ونحن في مفصل تاريخي، هناك وضع في البلاد يجب الّا يتواصل لأن تونس لا تتحمّل لا الفراغ ولا القدح في الشرعية ولا القفز في المجهول».
لا للإقصاء واعتبر رئيس المكتب السياسي لحزب الأمان اسكندر الرقيق أنّ المطلوب اليوم ان يكون الحوار في شكل مائدة مستديرة تُدعى إليها كل الاطراف السياسية، قائلا «رغم أننا ممثلون في المجلس ندعو إلى توسيع الحوار أقصى ما يمكن حتى تعم الفائدة أكثر ونصل إلى التوافق المنشود». وأبدى الرقيق عدم تفاؤله بنجاح الحوار الوطني لأن المؤشرات الموجودة اليوم لا تدعو إلى ذلك موضحا أن «النخبة التي عاشت الصراع السياسي والإيديولوجي في سبعينات القرن الماضي تبدو غير قادرة على الالتقاء على طاولة الحوار وتبدو النوايا غير صافية... يجب أن نضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار ويجب ألّا يزايد كل طرف على الآخر».
وفي السياق ذاته قال عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري سعيد العايدي «نحن ضد الإقصاء ولكن يجب ان يشمل الحوار على الأقل الأطراف الممثلة في المجلس التأسيسي والأطراف الممضية على اتفاق 15 سبتمبر لأن الموضوع يخص كل الأطراف السياسية» مشيرا إلى أن المبادرة التي تقدم بها الحزب الجمهوري ومعه المسار الديمقراطي الاجتماعي و«نداء تونس» هي «الحل الوحيد الذي بإمكانه أن يُخرجنا من الأزمة السياسية والأخلاقية للمرور من الشرعية الانتخابية إلى الشرعية التوافقية ووضع خارطة طريق للمرحلة القادمة».
وتابع العايدي قوله «هدفنا هو إيجاد التوافق في ما يخص المسائل الأساسية وتحديدا تاريخ الانتخابات وقانون الانتخابات وروزنامة المرحلة الانتقالية وشكل النظام السياسي ووضع هيئات للقضاء والإعلام والانتخابات... لا بدّ من توافق على كل هذه المسائل».
أي إطار للحوار؟
النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن حزب التكتل المولدي الرياحي أكّد ان المجلس التأسيسي هو أفضل إطار يصدر عنه تنظيم هذا الحوار، على انه من الممكن أن يتسع الحوار ليشمل العائلات السياسية غير الممثلة في المجلس والمنظمات الحقوقية والاجتماعية الفاعلة.
وأكد الرياحي أنه من المتفق عليه أن «الحوار الوطني أمر مطلوب وقد تعددت الدعوات في هذا الصدد، وهي ليست دعوات صادرة عن أحزاب سياسية فحسب بل إن بعضا من المنظمات الوطنية في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل دعت إلى تنظيم مثل هذا الحوار، وقد رددنا إيجابيا – في حزب التكتل – على دعوة اتحاد الشغل». واعتبر رئيس كتلة التكتل في التأسيسي أن «المهم في تنظيم الحوار أن تكون العزائم صادقة من أجل صيانة هذا المسار الانتقالي الديمقراطي وتحصينه من كل المخاطر ومن التجاذبات السياسية الحادة، ونحن في حزب التكتل نعمل على هذا الأساس من أجل أن ينتظم هذا الحوار لتسهيل التوافقات حول النصوص القانونية التي نُنهي بها هذه المرحلة الانتقالية الثانية ونتقدم على ضوئها إلى الانتخابات القادمة».
واوضح القيادي في التكتل أن «أهم هذه التوافقات ما يتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي والهيئة المستقلة للإعلام» مضيفا «نحن مقتنعون في حزب التكتل بأن حصول هذه التوافقات في أسرع وقت ممكن يجعلنا نربح كثيرا من الوقت ونهيئ أفضل الظروف للدخول في المرحلة النهائية من إعداد الدستور والتوافق حول المسائل العالقة بصياغة الدستور والتوافق أخيرا على تاريخ تنظيم الانتخابات».