أية تداعيات للتطورات الأمنية التي عاشتها تونس في الأيام الأخيرة على المشهد السياسي في المرحلة المقبلة؟ هل تعزز التوافق وتدفع نحو خيار حكومة الوحدة الوطنية أم تزيد من حدة الانقسام والاستقطاب ؟ أسئلة حاولت «الشروق» البحث لها عن أجوبة. البيانات التي أصدرتها معظم الأحزاب السياسية تعليقا على أحداث السفارة الأمريكية أجمعت تقريبا على إدانة ما حصل وتقدير خطورته وتداعياته، وشملت تلك البيانات دعوات إلى التهدئة وإلى تغليب المصلحة الوطنية العليا.
وقد كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن خيار المضي نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وزادت الأحداث الأخيرة من مشروعية المضي في هذا النهج حسب تقديرات طائفة كبيرة من السياسيين.
وأكّد رئيس الحكومة حمادي الجبالي أن الوحدة الوطنية لا تتجسد فقط في الحكومة بل يجب على كل الأطراف السياسية ومكونات المجتمع المدني أن تتعاون وتصبر من أجل مصلحة البلاد التونسية.
خياران ومقاربتان
عضو المكتب التنفيذي لحركة «النهضة» العجمي الوريمي أكد أن تونس اليوم تقف أمام خيارين هما خيار توحيد التونسيين واعتبار أن البلاد تحتاج مشروعا وطنيا مستقبليا يوحد الجميع أو خيار الانقسام وتكريس الاستقطاب، الذي يُعتبر أكبر خطر يهدد مسار الثورة. وأكد الوريمي أن «مبدأ حكومة الائتلاف قائم على رفض الاستقطاب وتقدير لخطورته وأن كل من يقف مع استمرار التوافق وتوسيع الوفاق يجب أن يعمل لا في اتجاه تغذية الاستقطاب بل توسيع المشاركة وإتاحة الفرصة للجميع لبناء البلاد» مضيفا أن «كل من ساهم في الثورة ولا يزال ملتزما بمبادئها وأهدافها من حقه الكامل الإسهام من داخل المؤسسات (المجلس التأسيسي أو الحكومة) أو من خارجها في صنع مستقبل البلاد».
وتابع القيادي في «النهضة» قوله إن «خيارنا الوحيد اليوم هو الوفاق والخروج بالبلاد من حالة المؤقت إلى الشرعية وترسيخ الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة» مشيرا إلى أن هناك مقاربتين «الأولى تقوم قولا وفعلا على الوفاق واستكمال المرحلة الانتقالية ومقاربة أخرى تقوم على الاستقطاب وتغذية الانقسام، وكل تحدّ تمر به البلاد يفرض علينا أن نختار بين المقاربتين».
ورأى الوريمي ان حادثة السفارة الأمريكية لا يمكن إلا أن تدعم الوحدة الوطنية وتكون عاملا وحافزا جديدا لدعم الوحدة الوطنية خاصة أن مواقف الأحزاب السياسية مما جرى كانت مطمئنة.
إرادة سياسية
أما الأمينة العامة للحزب الجمهوري مية الجريبي فاعتبرت أن «المشهد السياسي لم يتغير وإن الإرادة السياسية هي التي يجب أن تتغيّر وذلك من خلال حكومة إنقاذ وطني كان الحزب الجمهوري قد نادى بها منذ أشهر».
وقالت الجريبي إن المرحلة المقبلة تفرض توافقا يراعي المصلحة الوطنية ويضعها فوق الاعتبارات الحزبية. وفي تصورها لشكل الحكومة القادمة قالت مية الجريبي إنّها يجب أن تكون حكومة محدودة العدد من تكنوقراط تُدار فيها وزارة الداخلية من شخصية مستقلة. من جانبه قال القيادي في الحزب الجمهوري عصام الشابي إن مناضلي الحزب مستعدون لمد أيديهم الى أحزاب السلطة والدخول في حكومة وحدة وطنية. وأضاف الشابي أن الحزب مستعد كذلك للمشاركة في حكومة وحدة وطنية تنقذ البلاد وتصحح المسار السياسي والاجتماعي في البلاد مذكّرا بأن الحزب الجمهوري كان من بين الأحزاب التي دعت منذ البداية الي الحوار الوطني والتوافق وعلى هذا الأساس ارتكزت المبادرة التي أطلقها مؤخرا والتي لقيت موافقة عديد الأحزاب.
وفي السياق ذاته قال الناطق الرسمي باسم حزب التكتل محمد بنور إنه لا بد من اجراء تحوير وزاري في اقرب الآجال من أجل تكوين حكومة وحدة وطنية. وأكّد بنور أن التكتل بدأ الاتصال بالأحزاب السياسية على غرار الحزب الجمهوري وحزب المسار الاجتماعي من أجل البحث عن التوافق الوطني وتشكيل حكومة مصلحة وطنية، مضيفا أنّ «هذه الفترة الصعبة تستوجب لم شمل القوى الوطنية».
مخاوف من منطق «الغنيمة»
أمين عام حركة الشعب محمد براهمي اعتبر أن الأحداث الأخيرة التي حصلت في محيط السفارة الأمريكية بينت بما لا يدع مجالا للشك حالة الإخفاق في تعاطي الحكومة مع الشأن العام، معربا عن اعتقاده بأنه «آن الأوان ليعيد الجميع حساباته وأن ينظروا إلى الأمور نظرة أكثر مسؤولية ويجنبوا البلد آثار الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الحادة». وقال براهمي «أخشى أن يُنظر إلى الأمر وكأنه إعادة تقسيم غنيمة بين بعض الفرقاء ولا يُنظر إليه على أساس أن هناك ازمة يجب تجاوزها، ونحن في حركة الشعب كنا دائما نطرح ونعيد التأكيد الآن ان الأسلوب الأمثل للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية للبلاد التونسية يكمن في صياغة برنامج إنقاذ وطني يشترك فيه كل الملتزمين بتحقيق أهداف الثورة ويُنتدب للإشراف على تنفيذ بنوده أكفأ الطاقات بصرف النظر عن انتماءاتها الحزبية». وأكد براهمي ان الأزمات الكبيرة تحتاج دائما إلى برنامج إنقاذ وطني وليس إلى حكومات تتقاسم فيها بعض الأحزاب النفوذ والتسلط على الدولة».
قطيعة؟
الناطق الرسمي باسم حزب حركة «نداء تونس» رضا بلحاج قال إن حزبه يساند فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية لكنه لن يشارك فيها. وأكّد بلحاج أنّه ليست هناك أية اتصالات بين «نداء تونس» وحركة النهضة مشيرا إلى أن «الاعتداءات على مقرات الحزب خير دليل على أن «النهضة» لا ترغب في التفاوض والتعاون مع «نداء تونس» حسب قوله.
كما أكد وزير أملاك الدولة ، سليم بن حميدان، أن تعامل التحالف الحكومي مع حزب «نداء تونس» الذي يقوده الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي خط أحمر، نافيا بذلك إمكانية الانخراط في أي مبادرة سياسية يطلقها هذا الحزب.