غادر الفنان الكبير جميل الجودي احدى المصحات الخاصة قبل يومين بعد توعك صحي ألزمه الفراش وكان وزير الثقافة السيد المهدي مبروك عاده في المصحة. الجودي الذي ندعو له بالشفاء أحد المسرحيين الكبار الذين يمثلون جزءا مركزيا في الذاكرة التونسية التي أضاءها بأعماله المسرحية والسينمائية والتلفزيونية طيلة سنوات وهو الفنان الوحيد فيما أعلم الذي أهدى أرشيفه الخاص الى مؤسسة الأرشيف الوطني لأنها الأقدر على المحافظة عليه عوض أن يترك مهملا ومنسيا لا يستفيد منه أحد.
الجودي وجيله يشعرون اليوم بالتجاهل فالمناخ السياسي الذي تعيشه تونس منذ 14 جانفي منح الأولوية للجدل السياسي على أي موضوع أخر وخاصة الموضوع الثقافي الذي تراجع الاهتمام به حتى لكأننا في صحراء فالإعلام مسكون بالحوار السياسي والهاجس العام للتونسيين أصبح هاجسا سياسيا إضافة الى تنامي خطاب يصور تونس وكأنها كانت صحراء لم يوجد فيها شيء وأن كل شيء يؤسس الأن وهذا غير صحيح بالمرة.
فالثورة يفترض أن تراكم الانجازات وتصحح المسارات أما تجاهل كل ما أنجز بما فيهم الرجال الذين أنجزوه فهذا لا يمكن أن يكون أكثر من عمى سياسي ولؤم وتنكر لنضالات المسرحيين والفنانين الذين منحوا شبابهم للمسرح التونسي ولغيره من الفنون ورفعوا رايات تونس عاليا في المحافل الدولية طيلة سنوات ولم يدافعوا عن نظام ولا عن سلطة سياسية.
إن جميل الجودي وغيره من كبار الفنانين الذين لم نعد نراهم على شاشات الفضائيات التونسية وعلى خشبة المسرح يحتاجون الى لفتة رمزية من الدولة ويجب أن لا ننسى أنهم أسسوا في زمن صعب وفي غياب كامل للأمكانيات.