بدأ الأدباء العراقيون وهم وراء أسوارهم الخاصة تقليدا منذ سنوات يتمثل في تكريم الأدباء الاحياء باصدار مؤلفات عنهم، وقد شمل هذا التكريم أسماء معروفة، ومن آخر الاصدارات في هذا المجال كتاب من اعداد وتقديم الدكتور خليل شكري هياس بعنوان «طائر الفينيق محمد صابر عبيد الشاعر الناقد». ود. عبيد ناقد معروف يدرس الأدب العربي في جامعتي الموصل وصلاح الدين، وقد أشرف على عدد كبير من الرسائل الجامعية في الماجستير والدكتوراه اضافة الى مؤلفاته النقدية الكثيرة التي جعلتنا نطلق عليه لقب (الناقد النقّاد) في شهادتنا عنه والتي ضمها الكتاب. ولم نكن مبالغين في هذا إذ أن للرجل اصدارات عديدة من النادر أن ينجزها ناقد عربي في عز شبابه كما يقال مثل صديقنا المحتفى به أ.د. محمد صابر عبيد.
أما معدّ الكتاب د. خليل شكري هياس فهو أستاذ للأدب العربي في كلية الآداب بجامعة الموصل وهو أحد طلبة د. عبيد على حد علمي لذا فهو قريب منه ومتحمس لمشروعه النقدي الذي جعله يساهم معه في التآليف المشتركة التي ينجزها عدد من الجامعيين سواء حول شخصية أدبية أو قضية تحتاج الى البحث وتعدد الآراء. في مدخل الكتاب رأي للشاعر أدونيس ورد في رسالة له موجهة للدكتور عبيد بعد أن قرأ كتابه عنه «شيفرة أدونيس الشعرية» الذي صدر العام الماضي حيث قال أدونيس: (قرأتك في كتاب «شيفرة أدونيس الشعرية» وفي غيره وأعجبت كثيرا بمستوى قراءتك جدة وعمقا وبنفاذ بصيرتك النقدية).
مقدمة د. هياس تجمع بين الدراسة والاحتفاء، وهو يبدي حيرة لتعدد وجوه المحتفى به وعند أي منها يطيل الوقوف، ثم يذكر (وبما أنه كتاب احتفائي دافعه الحب فقد تنوعت وتعددت أساليب التعبير عن هذا الحب الذي تحول هنا الى كرنفال كتابي حضر فيه الشعر والشهادة والنقد ونقد النقد على نحو يستجيب ويستوعب طاقة العاطفة المتدفقة شعرا وشهادة). وقد وجد أن هذا كله يجسد (علاقة انسانية وثقافية متميزة بين المحتفين والمحتفى به). ومقدّمة د. هياس الوافية جدا هي مقدمة العارف بتعدد اشتغالات د. عبيد النقدية رغم انه بدأ مشواره الأدبي شاعرا. وعندما نتوغل بين صفحات الكتاب نجد أن بعض المحتفين حيوه بقصائد دالة مثل الشاعر عيسى حسن الياسري، وكان الاستهلال بقصيدته الصافية التي عرف بها شعر هذا الشاعر الذي ارتحل منذ سنوات الى كندا ولكنه حمل العراق معه، وبعدها جاءت قصيدة الشاعر محمد مروان الذي لقبه ب «عبد الرحمان الداخل» وهي قصيدة طويلة محورها د. عبيد وثمار غرسه الابداعي.
وتبدأ الشهادات بشهادة للمحتفى به، وشهادته أقرب الى السرد السيري لعلاقته بالكتابة ونرى بأن هذه الشهادة ذات أهمية لكل من يبغي الكتابة عن هذا الناقد الذي سرقه النقد من الشعر بعد أن صار النقد هويته رغم ان الشاعر لم يغادره بصفائه ورقة تعامله وصدق مشاريعه ونواياه. يقول بثقة عالية: (قدمي الآن أكثر غزارة وحرارة وجبروتا واضاءة وكذلك عروقي، رغبتي في المياه أوسع وأعمق وأكثر حضورا وتألقا).
أما الذين ضم الكتاب شهاداتهم فنذكرهم كما ورد ترتيبهم في الكتاب حيث يكتب الشاعر سعدي يوسف (تحية الىمحمد صابر عبيد) ومما ورد في تحيته: (ما أبهجني في منهج د. محمد صابر عبيد النقدي انه يأتي النص محاذرا، متأنيا، لا يدفع النص دفعا الى باب ضيق، ولا يفرض على النص ما ليس فيه. كما أبهجني حقا أن الرجل ذو منحى عربي مبين، غير مغرم بالمصطلح الاوروبي يملكه ويملك النص معه). والتحية الثانية لكاتب هذه السطور المعنونة ب (أ.د. محمد صابر عبيد الناقد النقّاد) وقد سبق لنا أن نشرناها في هذه الصفحة من «الشروق» قبل نشرها في الكتاب، ومما أوردناه فيها (هو قارئ من الطراز الاول وقراءاته متعددة ولو لم يكن قارئا بامتياز لما استطاع أن يكون ناقدا بامتياز أيضا، فالمبدعون الكبار هم في الآن نفسه قراء كبار) ووصفناه بأنه (قارئ نهم لا يكتفي بما قرأ كما هو شأن عديد الجامعيين الذين تشحب مراجعهم وتهزل حتى المرض بل هو يستزيد من دون أن يرتوي لذا فان المدونة القرائية المرجعية التي يشتغل عليها ليست عراقية فقط بل هي عربية بامتياز، يوزع حبه على ابداع وطنه الكبير باقطاره المختلفة).
ومن المقتطفات التي ثبتت على الغلاف الاخير نرى قولا للشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي يعترف فيه بأن (محمد صابر عبيد أفضل من كتب عن شعري). وللحديث قسم ثان