أشرنا في الأسبوع الماضي إلى أهمّ الندوات التي نظمها صالون الكتاب بالجزائر وتوقفنا عند الندوة الثالثة الموسومة «بالثورة الجزائرية في الشعر العربي» التي تحدث فيها باحثون من تونس والمغرب ومصر والسودان عن حضور الثورة الجزائرية في الشعر العربي. وقد اتفق الجميع على تقسيم القصائد التي احتفت بالثورة الجزائرية إلى قسمين اثنين قسمٍ يَضُمُّ القصائد التي استدعتِ الذّاكرة. وهي ذاكرة موشومةٌ بحرائق نصوصٍ كثيرة، بعضها يرتدّ إلى عصر النّهضة، وبعضها يرتدُّ إلى عُصور أبعد.
هذه القصَائِدُ تستأنسُ بالتشابيه وتجنحُ إلى الحكم وتستعيد أجروميّة الأوزان القديمة... مقتَفِيَةً أثر قصائد سابقة تُريد أنْ تحتذيها وتُحاكيهَا. قسمٍ ثان يَضُمُّ القصائد التي استدعتِ الرّموز والأساطير وارتدت لكن علينا أن نُسارع إلى القول إن هذا القسم الثّاني ظلَّ محدودًا في مدونة الشّعر التّونسي الذي أشاد بالثّورة الجزائريّة بينمَا هيمَنَ النّمط الأوّل أي الشّعر الذي التزم بالوزن بوصفه أصلاً من أصول الشّعر، وبالقافية بوصفها شريكة الوزن في الاختصاص بالشّعر، وبالنّظام البياني الذي يخاطبُ الذّاكرة الجماعيّة، ويستجيبُ لقيمها الفنيّة المتوارثة...ونضيف أنّ من خصائص اللّغة في هذا الضّرب منَ الشّعر،أنها تحوّلت إلى زجاجٍ شَفّافٍ ننظُرُ من خلاله المضمون، المضمون الوطنيّ.
فمن خصائصِ هذا الشّعر أنّه يردُّنا باستمرارٍ إلى العالم، ويدفعنا إلى تأمّله قصدَ اكتشاف مواطن الخلل فيه. لهذا لجأ شعراء هذه المرحلة، لا فرقَ في ذلك بينَ مجدّدين ومحافظين، إلى اللّغة المتعدّية أي اللّغة التي تَشفُّ عن الواقع الذي صَدَرَتْ عنهُ. وهذا ما أسقط الكثير من شعر تلك المرحلة في لغةٍ تقريريّة مباشرة لاعتقاده أنّهُ قادرٌ على التأثير في السّامع بمعانيه ومَضَامينه لا بخصائصه الفنيّة والجماليّة.
لكنّنا لا نعدم، مع ذلك، وجود الكثير من القصائد التي حاولتْ أن تخرج عن التقاليد الشعريّة القديمة، وتسعَى إلى استكشاف طرائق في الكتابة جديدة متجاوزة بذلكَ ما استقرَّ من قوانين فنيّة، واستتبَّ من قيم جماليّة. ومن أهمّ فقرات الندوة تكريم الكاتبين الجزائريين أحمد رضا حوحو ومولود فرعون.
الأوّل ولد في مدينة سيدي عقبة ثم ارتحل مع والده إلى الحجاز ليعود منه بعد مدة إلى الجزائر «محملا بأفكار جديدة ورغبة كامنة في الاصلاح والتغيير»..نشر روايته «غادة أمّ القرى» سنة 1947.
وهي الرواية التي تعدّ أولى الروايات الجزائريّة التي تخضع لمقومات السرد الروائى ثمّ توالت بعد ذلك أعماله الأدبيّة الساخرة التي تنمّ عن فطنة ونباهة كبيرتين. اتهمه الاستعمار الفرنسي بالقيام بعمليات عسكرية ضد جنوده فحكم عليه بالاعدام ونفّذ فيه مع مجموعة من رفاقه.
أمّا مولود فرعون فقد درس اللغة الفرنسيّة في المعاهد الفرنسية وتخرّج معلّما .في الخامس عشر من مارس 1962 وقد اتهمته السلطات العسكريّة ، هو أيضا ، بالقيام بعمليّات فدائية فقامت عندئذ منظمة الجيش السرّي الإرهابيّة بتنفيذ عمليّة اغتيال الكاتب الكبير إلى جانب خمسة من رفاقه..
كتب رائعته «نجل الفقير»ولمّا يبلغ العشرين من العمر..» سجل مولود فرعون حضورا استثنائيا في تاريخ الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية...
خلال الندوة التي أقيمت تكريما لهذين الكاتبين وأدارها الروائي واسيني الأعرج أجمع المشاركون على مكانة الكاتبين في مدونة الرواية الجزائريّة وعلى إسهامهما الكبير في إغناء الأدب الجزائريّ بأعمال سردية ذات قيمة فنّية عالية...
في اختتام الصالون قالت وزيرة الثقافة «هذه الدورة بمكاسبها ونقائصها أيضا تمثّل خطوة إلى الأمام ما انفكّ الصالون يخطوها كلّ عام..انطلاقا من حرصنا على أن تكون كلّ دورة أفضل من سابقتها...» وأشادت بمشاركة الكثير من البلدان «التي استجابت لدعوة الصالون باستثناء استراليا التي ينتظرها الجميع في العام القادم».