* تونس «الشروق»: ثمة أجناس أدبية خالدة تحفظها الذاكرة تبقى عالقة في ذهن القارىء وتجد لها فيه مستقرا. أيّ كتاب بقي في الذاكرة؟ سؤال حملته «الشروق» لثلة من الكتاب والشعراء وهم قرّاء غير عاديين باعتبار أنهم ينظرون للعمل الأدبي من منظور أوسع وأشمل وأرحب. ----------------------------------------------------------------- محمد الهادي الجزيري: «الكشكول» تجد فيه أجمل الأشعار العديد والعديد من الكتب والأعمال بقيت راسخة في ذاكرتي نظرا لطرافتها أو جودتها الإبداعية أو لما احتوته من معلومات أو رصيد معرفي. ولكنّني إذا اخترت الآن هكذا يعني حسب ما يطرأ على ذهني فإنّي أقول كتاب «الكشكول» لصاحبه بهاء ا لدين العاملي (كاتب عاش في اصفهان). فهذا الرجل أفرغ ذاكرته في حقبة زمنية معينة وأدرجها في هذا الكتاب. كتاب الكشكول تجد فيه أجمل الأشعار العربية القديمة وتجد ما لا يُحصى من الأمثال والحكم وصنوف من العلوم الأخرى كعلم الفلك والحساب والجبر إضافة إلى عدد كبير منه الطرائف والمواعظ التي أوردها المؤلف بطريقة ذكية تمكن القارىء من الاستفادة. * محمد الهادي الجزيري ----------------------------------------------------------------- حياة الرايس: من رحم المأساة والنوع الغرائبي يتولّد الإبداع الكثير من الكتب التي تحفظها الذاكرة ولا يمكن أن تنساها فذاكرتي تستحضر عمل الروائي غابريال قاريسا ماركيز من خلال روايته مائة سنة من العزلة وهي تحكي حكاية فتاة رغبت في الهجرة من قريتها بعد أن فقدت فيها أهلها وأقرب الناس إليها أمها وأبوها. لكنّها توجهت للمقبرة التي دفن فيها والديها ونبشت في القبور لتحمل عظامهما معها قبل الهجرة علّها تتخلّص من مشكل اسمه الحنين. استحضر أيضا رواية السيد الرئيس للكاتب استورياس التي تصوّر الديكتاتورية في أمريكا ا للاتينية في أبشع صورها وتصوّر جانبا من حياة بعض الفئات المهمشة في المجتمع كالشحاذين والمتسوّلين وإذا كان الإبداع يلد من رحم المأساة فإنّ المأساة في هذه الرواية تأتي من إحدى الشخصيات وهي فتاة شحاذة تتلقى النقود ولا تعرف من يعطيها إياها والأسوأ أنها تتزوّج وتلد مولودا دون أن تتمكن من رؤيته وهنا حجم المأساة. المأساة نجدها أيضا في رواية حلم برونو لإليس ماردوخ تحكي حكاية عجوز ثريّ أصابه الوهن والمرض فلزم الفراش واستأجر بعض الخدم والأقارب لخدمته ولكن هؤلاء كانوا لا يخلصون له، ينافقونه وينتظرون موته للانقضاض على ثروته ليتبيّن بالتالي أن تجميع الثروة والغنى لا يكفي وحده للقضاء على العجز. رواية «وقائع المدينة الغريبة» لصاحبها التونسي عبد الجبار العش بقيت في ذاكرتي لأنّها تنتمي إلى النوع الغرائبي وهو نوع نادر توفره في الأعمال الأدبية لذلك يرسخ في الذاكرة. ---------------------------------------------------------------- عبد اللّه مالك القاسمي: قصائد الشابي قادتني لكتابة الشعر «أهم كتاب يبقى في الذاكرة كتاب القرآن الكريم سواء كان بجزالته اللفظية أو بما حواه من جوانب فنية أخرى كفيلة بأن تضمن له الخلود بخلاف ذلك تأثرت شديد التأثر بقصائد أبي القاسم الشابي ولا أبالغ إذا قلت إن إحدى قصائده شكوى اليتيم هي التي قادتني لكتابة الشعر هذا بالإضافة إلى تأثير ثلة من الشعراء الغربيين كبودلار وهيقو ورامبو. كتاب «الأيام» لطه حسين استلهمني أيضا لأنه يحكي تجربة حقيقية وسيرة ذاتية تنطبق شديد الانطباق على حالاتنا. وبالإضافة إلى ما تصوّره من مأساة فإنها تزخر بخصائص فنية رائعة في شكلها وتقنيات السرد الرائعة وما تتمبز به من كثرة تشويقه بكلمة «الأيام» تجد فيها كلّ مميزات النص السردي وجماليات الأدب ولغة بسيطة معبّرة ومؤثرة تحدث أثرا في النفس وبها تسافر إلى كل مكان وزمان. ---------------------------------------------------------------- لزهر النفظي: خصائص فنية شدّتني لل»البُرقع المرسوم» «أي كتاب بقي في الذاكرة؟ أعتبره سؤالا مشروعا وهاما جدا... وفي الحقيقة ذاكرتي تحتفظ برواية للكاتب ارناست هيمنقواي عنوانها «البرقع المرسوم» وهي تعالج موضوعا اجتماعيا قائما في إفريقيا تتمحور أحداثه حول طبيب انقليزي الجنسية بُعث في مهمة في إفريقيا لمعالجة الأمراض (أمراض الكوليرا والملاريا...) وأثناء وجوده هناك تعلقت به امرأة إفريقية أحبته وشحنته بفيض من الحماس رغم أنه كان يعتزم العدول عن مهمته ويفكّر في الرجوع إلى بلاده انقلترا ليصاب الطبيب في النهاية بداء الكوليرا ويموت هناك. وما شدّني في هذه الرواية طريقة الحبك والمعالجة والتشويق بحيث أنه كلما أتممت فصلا تشعر برغبة في قراءة الفصل الآخر. لقد ملك الكاتب تقنيات السرد وأفلح في تطعيم الرواية بأشياء عميقة جدا من الواقع إلى حدّ أنني لا أعتقد أن الكتاب الأفارقة أنفسهم نجحوا في التفاعل مع مشاكلهم وواقعهم بالشكل الذي تفاعل معه هذا الكاتب. بقي أن أشير إلى أنه من المهم جدا أن نطلع على كتابات الآخرين الغرب أقصد وأن ننظر كيف يتعاملون ويصورون واقعنا بخلاف هذا العمل عديد الكتب الأخرى تبقى في الذاكرة وأهمها كتاب «الأيام» لطه حسين الذي يبقى مرجعا كبيرا في تاريخ الأدب العربي في القرن 20. النقد الثقافي لصاحبه عبد اللّه محمد الغُذامي (كاتب سعودي) من الكتابات التي رسخت في ذاكرتي فهو يتحدث عن النقد الثقافي بما معناه أن النقد يجب أن يتجاوز النقد الأدبي ويصبح نقدا يختزل كافة العلوم (علم الأحياء، علم الاجتماع، فلسفة..) بما يمكن المتقبل أو القارىء من معرفة خصائص البيئة التي عاش فيها الكاتب أو الشاعر ليصبح أي عمل مرآة يعكس الواقع...»