قطاع أعوان الصيدليات كغيره من القطاعات الاخرى يعاني من مشاكل عديدة وتجاوزات مختلفة مما جعل أهل المهنة يطلقون صيحة فزع لانقاذهم مما هم عليه ورفع التهميش المسلط عليهم في غياب رقابة صارمة تحد من معاناتهم. أعوان الصيدليات الذين يعدّون الحلقة الاخير لمداواة المريض والذين يبلغ عددهم حوالي 7000 عون بكافة أنحاء البلاد يتعرّضون يوميا الى اعتداءات وعراقيل مادية ومعنوية منها ما هو متعلق بمشغلهم (رئيسهم في العمل) الذي يمارس عليهم ضغوطات لا تطاق ومنها من يقف المواطن «الحريف» وراءها بتعنته وعدم تفهمه للقوانين التي يعمل في كنفها عون الصيدلة فيرتكب «حماقات» تصل حد الاعتداء اللفظي وأحيانا ضرب العون الذي لا ذنب له سوى احترام قوانين مهنته وعدم السماح بأي تجاوزات.
وللاطلاع على هذه الاشكاليات وغيرها تنقلنا الى بعض الصيدليات للوقوف على حقيقة ما يعانيه عون الصيدلة فجوبهنا بالصد والتمنع من البعض ممّن كان رئيسهم في العمل متواجدا معهم وتظاهروا بأنهم يتمتعون بكافة حقوقهم خوفا من ردّة فعل مجهولة قد تحيلهم على البطالة ومنهم من لخص معاناته ببعض الاشارات الرمزية دون أن ينطق بحرف واحد خوفا من الوشاية به من أحد زملائه المقربين من صاحب المؤسسة ليسرد علينا آخرون تفاصيل معاناتهم منذ توليهم هذه المهنة «النبيلة» و«المقدسة» كما وصفوها وذلك بعد وعدنا لهم بعدم نشر صورهم ولا الادلاء بألقابهم حتى لا يتعرّضون للمحاسبة حيث أكّدت لنا إيناس بعد أن كشفت عن آثار «الفيروس» بساقيها نتيجة وقوفها لساعات طوال يوميا داخل الصيدلية أن راتبها لا يتجاوز 370 دينارا يوزع بين مصاريف التنقل والأكل وأجرة المنزل الذي تقطنه صحبة احدى صديقاتها لتجد نفسها نهاية الشهر مضطرّة إما «للكريدي» أو «للسلف» أو أخذ تسبقة عن راتبها وقالت إنه من المفروض احترام ساعات العمل وخلاص الساعات الاضافية وطالبت بضرورة تسديد الفارق في الأجور الناجم عن عدم تطبيق أصحاب الصيدليات لجدول الأجور. وأضافت إيناس أن أعوان الصيدليات الليلية يتعرضون الى استفزازات عدّة واعتداءات مادية ومعنوية من بعض المواطنين ولابد من توفير الحماية اللازمة لهم.
وأيدتها الرأي زميلتها حنان التي أوضحت أن الراتب لا يتماشى وساعات العمل وأن المطالبة بالحقوق المهضومة ذهب ضحيتها عدد الاعوان الذين تعرّضوا للطرد التعسفي مشيرة الى المعاملة السيئة التي يتلقاها الاعوان المتربّصون الذين يتجاوزون العدد الاقصى بأغلب الصيدليات مقابل أجور متدنية للغاية وفي صورة ارتكابهم لأبسط الاخطاء يتعرضون للاهانة والطرد وأشارت أن كثرة عدد المتربصين الذي يفوق أحيانا عدد المرسمين فيه استنزاف لمجهوداتهم دون مقابل مادّي وفيه تهديد لصحة المريض في صورة وقوع خطإ أثناء تقديم الادوية أو شرح طريقة استعمالها وهذا تجاوز خطير على حد تعبيرها.
عنف وولاءات
أيمن خصص حديثه معنا للتطرق الى العنف اللفظي الذي يسلّط على الأعوان من قبل بعض الحرفاء الذين يتقدّمون لطلب أدوية لا تعطى الا بوصفة طبية وحين يرفض عون الصيدلية ذلك يتلقى وإبلا من السب والشتم وأحيانا الضرب وقال إن عون الصيدلية في خدمة المواطن ولابد من احترامه وتوفير افضل الظروف لتقديم أفضل الخدمات وأوضح ان مسألة الترقيات تقع في أغلبها بالولاءات والوساطة بعيدا عن الكفاءة المهنية أو الاقدمية في العمل مثلما هو معمول به في كل القطاعات الاخرى. وقال: «لابد من تصحيح وضع الترقيات لتحقيق تكافؤ الفرص بين الجميع وترسيم الأعوان حسب التشاريع المعمول بها».
من جانبه صرّح وجدي أنه لابد من سند قانوني يحمي أعوان الصيدليات ويضبط حقوقهم مشيرا الى وجود «دخلاء» على القطاع يقومون بعمل اعوان الصيدليات معتبرا ذلك تجاوزا كبيرا للقانون وخطرا على القطاع وعلى المرضى على حد السواء داعيا الى ضرورة تسليط الضوء على المهنة وحمايتها من خلال تخصيص رقابة دائمة تحد من سيطرة «المتغولين» من أصحاب الصيدليات الذين همّهم الوحيد ربح المال دون الاخذ بعين الاعتبار لوضعية الاعوان المادية منها والمعنوية ودون احترام أبسط حقوقهم رغم انهم يؤدون واجباتهم على أكمل وجه.
تجاوزات بالجملة
هشام بوغانمي كاتب عام النقابة الاساسية لأعوان الصيدليات بتونس الكبرى أوضح بدوره أن المشكل الرئيسي لأعوان الصيدليات يتمثل في عدم تطبيق الاتفاقيات المشتركة التي تنظم عمل العون وتضمن حقوقه مؤكدا أنه وفي ظل غياب الرقابة فإن اصحاب الصيدليات لا يحترمون توقيت العمل حيث يتم فتح الصيدليات أو غلقها حسب «مزاج» أصحابها.
وطالب البوغانمي بضرورة ضط جدول توقيت واضح يضمن حقوق الاعوان وييسر عملهم مشيرا الى وضعية المخابر التي لا تستجيب للمقاييس القانونية لضيق مساحتها وافتقارها لوسائل التعقيم وغيرها وقال: «أما قاعات التلقيح فحدث ولا حرج» إذ لا يوجد بها سرير ويضطرّ المريض الى أخذ حقنته وهو جالس على كرسي أو واقفا وهذا أمر خطير اضافة الى أن عون الصيدلية يتحوّل الى عون تنظيف حيث يباشر عملية تنطيف الصيدلية وهذا حط من كرامته. وقال الكاتب العام لنقابة أعوان الصيدليات ان شهادة العون غير معترف بها لدى وزارة الصحة وهو ما زاد في أزمته.