تحت إشراف وزير الصحّة نظّمت الإدارة الجهوية للصحّة وإدارة حفظ الصحّة وحماية المحيط بباجة يوما تكوينيّا حول التصرّف في الفيضانات احتضنه المركّب الثّقافي وقدّمت خلاله عدّة مداخلات علميّة أمّنها مختصّون ودكاترة في هذا المجال. أهميّة اليوم التّكويني حظي باهتمام واسع فكان الحضور محترما جدّا رغم التّأخير الكبير لتوقيت انطلاقه والّذي قارب السّاعة والنّصف وقد افتتحه السيّد نصر التّميمي والي باجة الّذي أثنى على مبادرة الإدارة الجهوية للصحّة بباجة في برمجتها لموضوع هامّ أصبح يشغل بال الرّأي العامّ في تونس وأضاف أنّ الفيضانات ليست منحصرة بولاية باجة فقط ولكنّها تشمل ولايات أخرى مجاورة على غرار ولايتي جندوبةومنوبة ولهذا لا بد من التّنسيق المحكم فيما بينها للوصول إلى الحدّ من التّبعات السّلبية للفيضانات وما يعقبها من أمراض وأوبئة تهدّد حياة السكّان، وأنّ الوقت قد حان لبعث لجنة مشتركة بين الولايات الثّلاث لمقاومة الكوارث. ثمّ قدّم الدّكتور محمّد الميزوني المدير الجهوي للصحّة بباجة محتوى اليوم التّكويني والمغزى من تنظيمه باعتبار خطورة الفيضانات ما تسبّبه الفيضانات من مخاطر.
مداخلات علمية قيّمة
برمجت سبع مداخلات علميّة مسّت جوانب عديدة تتعلّق بطرق التصرّف في الفيضانات. وكانت البداية بمداخلة السيد رياض الزّغلامي المدير الجهوي للحماية المدنية بباجة حملت موضوع دور الحماية المدنية في الفيضانات حيث قدّم تعريفا للفيضان وعرض أسبابه الّتي شخّصها في حدوث هزّات أرضيّة ، أو هطول أمطار إعصاريّة أو انهيار سدود وقال إنّ ولاية باجة لم تكن في منأى عن الفيضانات حيث تعاقدت معها منذ منذ 1929 إلى حدّ اليوم غير أنّه لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الضّحايا كما تعتبر الولاية أهمّ حوض تجمّع مياه حيث يشقّها وادي مجردة على طول 61 كلم من منطقة سيدي إسماعيل إلى الهرّي على حدود ولاية منوبة مرورا بمجاز الباب وتستور ورغم وجود أكبر سدّ في تونس وهو سدّ سيدي سالم والّذي حدّ بصفة كبيرة من خطورة الفيضانات فإنّ الكمّيات الضّخمة من المياه الّتي صبّت في وادي مجردة والمتأتية من وادي خلاّد وسليانة ساهما بشكل مباشر في حصول الفيضانات الأخيرة . ثمّ بيّن دور الحماية المدنيّة وهو يتلخّص في 3 محطّات حيث تناولت المحطّة الأولى أو ما قبل الفيضانات الجانب الوقائي حيث يتمّ بالتّنسيق والتّخطيط والتدخّل ضمن مخطّط جهوي يمكّن من القيام بزيارات ميدانيّة لأماكن الفيضانات والسكّان وضبط خطّة لإجلائهم وتوفير أكياس الرّمل وزوارق النّجدة وتدريب الأعوان ورسكلتهم وقياس كمّيات المياه الموجودة بالأودية أمّا المرحلة الثانية وهي أثناء الفيضانات فتعنى بالتدخّل وتركيز قيادة عمليات بمشاركة أطراف أخرى (الجيش «الصّوناد» «السّتاغ» الصحّة التربية) وكذلك توفير مراكز إيواء لفائدة المتضرّرين، في حين أنّ المرحلة الثّالثة أو ما بعد الفيضانات فتستهدف عمليات إعادة تركيز السكّان تمهيدا لعودة نشاطهم العادي.
ثمّ فسح المجال للدكتور عبد الستّار اليحياوي كاهية مدير حفظ صحّة الوسط وحماية المحيط ليقدّم مداخلته والّتي كان عنوانها «التصرّف الصحّي في الفيضانات» حيث بيّن للحاضرين أخطارها على صحّة المواطن إذ أنّ لها نتائج سلبيّة مباشرة عليه مثل الغرق والوفاة والصعقات الكهربائية والإصابات العضوية الحادة خاصة أمراض الجهاز التنفسي وأخرى غير مباشرة كالنقص في التغذية ومياه الشرب وتلوثها بالمواد الكيميائية والمواد السامة عند نفاذها إلى القنوات وخزانات المياه ممّا يخلّف عديد الأمراض الخطيرة مثل التليّف الكبدي. وكانت تجربة فيضانات مجاز الباب لسنة 2003 عنوان مداخلة الدّكتور زهير قعيب رئيس الدّائرة الصحيّة بالمكان حيث كانت نموذجا لقياس مدى فاعليّة التّنسيق بين عدّة أطراف لها علاقة مباشرة بالفيضانات حيث مكّن هذا العمل الجماعيّ من تجاوز عديد الصّعوبات والعراقيل وساهم بشكل فعّال في الحدّ من خطورة تلك الفيضانات وقد أكّد أنّ تجربة كهذه كانت منطلقا لبناء خطط ناجعة للتصدّي إليها وهو ما ظهر جليّا في الفيضانات الّتي حدثت لاحقا.
وبعد فترة الاستراحة استمتع الحاضرون بمداخلة شيّقة قدّمها الدّكتور محمّد الرّابحي مدير حفظ الصحّة وحماية المحيط بالوزارة الّذي تحدّث عن أهميّة المحيط واستعرض مكوّناته وفسّر الجوانب القابلة للتضرّر من الفيضانات وهو ما يستدعي الالتزام بقواعد صحيّة معيّنة فيما يتعلّق بحفظ المياه داخل أوعية نظيفة وتطهير الأواني ورشّ المبيدات داخل المنازل الّتي أصابتها السّيول بعد العودة إليها . ثمّ جاءت مداخلة الدّكتور جابر دعبوب كاهية مدير علم الحشرات بوزارة الصحّة وقد تعرّضت إلى مسألة على قدر كبير من الأهميّة في المحافظة على صحّة الغذاء بالنّسبة إلى الإنسان وهي تتعلّق بأنواع الحشرات الّتي تظهر أثناء الفيضانات وما بعدها وخطورتها عند نقلها للجراثيم الّتي تتسبّب في حدوث إصابات جلديّة أو تسمّمات غذائيّة وعرض الدّكتور عيّنات منها عن طريق شاشة كبيرة وفسّر أنواعها وتسمياتها الّتي فيها خلط كبير لدى عامّة المواطنين وقد لاقت مداخلته متابعة دقيقة من قبل الحاضرين لما تضمّنته من معلومات دقيقة على عالم كبير كان يعتقد أنّ حدوده باتت ضيّقة .
وختم اليوم التّكويني بمداخلة أمّنها الدّكتور ناجي العطواني كاهية مدير الرّعاية الصحيّة الأساسية بباجة حول المراقبة الوبائيّة جاءت نقاطها الرّئيسيّة لتبرز أهميّة متابعة الأمراض النّاجمة عن حدوث الفيضانات وذلك من أجل تأمين بيئة سليمة لفائدة الأفراد حتّى لا تتّسع رقعتها عن طريق فيروسات خطيرة يمكن نقلها خاصة عن طريق مياه الشرب والخضر والغلال واللّحوم وهو ما يتطلّب كذلك القيام بحملات مراقبة صحيّة لقطيع الحيوانات في المناطق الّتي اجتاحتها الفيضانات . وبعد كلّ هذه المداخلات فتح باب النّقاش الّذي امتدّ على جزء كبير من الفترة المسائيّة حيث تمّ التّأكيد على ضرورة الاستعداد المادّي والتّنسيق المحكم بين جميع الإدارات وكلّ مكوّنات المجتمع المدني من الآن لمجابهة كلّ فيضان محتمل حتّى يتمّ تأمين سلامة المواطنين وتحدّث البعض عن خطط الحكومة لإيجاد حلّ نهائي لتكرّر فيضان وادي مجردة في حين اقترح البعض الآخر تفعيل دور الإعلام في مجال التّثقيف الصحّي بالتّركيز على الومضات الّتي تستهدف الجانب الوقائي من الفيضانات.