المجتمع المدني ... أصبحت هذه «الترمينولوجيا» ضرورية ولا «تغيب على طعام» ولا يمر يوم واحد إلا وتسمع رنينها على الهواء وعلى الشاشات لتصبح «أفاح البلاتووات» أوتقرأها على الصحف والجرائد والمجلات حتى أصبحت تتردد في الأماكن العمومية لتبلغ المقاهي والملاعب الرياضية...والاجتماعات المضيقة والموسعة كما تصدرت لافتات التظاهرات والاعتصامات... وحتى لا أتهم بأنني متخلف لابد لي أن أفهم معاني هذه الموضة لأواكب العصر فالتجأت إلى مدرس من الجيل السابق «كاد أن يكون رسولا هوزادة» اتسم بالرصانة والحكمة عسى أن ينير سبيلي وربما أستفيد من تجاربه الطويلة من خلال احتكاكه بمختلف فئات المجتمع...ومما تمكنت من استيعابه أنني كنت مخطئ الفهم على طول...و«خارج اللوحة تماما» فاكتشفت أن المجتمع المدني ليس مجرد تأشيرة نسحبها من وزارة السيادة لتعطينا كل الصلاحيات للتعبير باسم فئة خاصة أوشريحة معينة وأحيانا باسم شعب بأسره... المجتمع المدني ليس وسيلة دعائية لاستعراض قدراتنا وأفكارنا المحلية والمستوردة...المجتمع المدني ليس مطية نركبها لخوض منافسات انتخابية...المجتمع المدني ليس أسلوبا لاستعطاف ضعفاء الحال من خلال تبرعات تجنح إلى الرياء...المجتمع المدني ليس «ضربان طار» لسيدي وللة ولا «تقطيع وترييش» ونقد للنقد وللنقود... المجتمع المدني ليس ترخيصا لجمع التبرعات لمآرب ذاتية... المجتمع المدني ليس «طول اللسان وصحة الرقعة»...كما اكتشفت أن المجتمع المدني له مجالات متنوعة ومتعددة فمن جمعيات «أحباء الفراشة» إلى «المطلقات» مرورا «بمرضى المصرانة الزائدة» عافنا وعافاكم الله لا يقتصر نشاطها بالضرورة على معارضة «الحاكم» ...فمنها من يتابع الحداثة بكل جدية وحزم فتراها تساهم في كل الملتقيات خاصة منها التي تبرمج «فترة استراحة ... وما تبعها من مشروبات ومرطبات» ترطب الجو...كما تساهم في إعانة المعوزين والمعاقين والمتضررين والعاطلين والباعثين والمطرودين والحارقين والمعتصمين والمتظاهرين والظاهرين والمخفيين و«الجايين والماشيين» ... إلى يوم الدين... كذلك ضخ «شنقومة» المجتمع المدني في كل مكان وفي كل زمان بالطريقة الحديثة والمتطورة لوسائل الإعلام جعلني كجل المواطنين أعتقد أن المجتمع المدني ينظم التظاهرات ويساهم في الإعتصامات والمظاهرات السلمية والمدنية والتي غالبا ما تنقلب إلى «بدنية» ...كنت أظن أن العمل صلب هذا المجتمع يرتكز على خطابات الأفضل أن تكون مشنجة تعتمد ألفاظا رنانة مرجعيتها «خونفشيوس» أو«مونتاسكيو» أو«لينين» رحمه الله وأخرى تستلهم من البخاري ومسلم وصحيحيهما ...
المجتمع المدني أعزك الله هوأولا وقبل كل شيئ عقلية وسلوك وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تمنحهما لنا مجرد وثيقة رسمية مؤشرة من قبل مخلوع أو من قبل مؤقت... فالعقلية ليست مجرد «نور يقذفه الله في الصدور» حيث لا بد من تربية سليمة من عائلة سليمة في محيط سليم وبيئة معتدلة... ولابد كذلك من حد أدنى من الثقافة تعليمية كانت أو شارعية ... أعني ليس بالضرورة أن أكون متحصلا على دكتوراه «كليلة ودمنة» ... للإنخرط في هذا المجتمع..لا بد كذلك من حد أدنى من الأخلاق والقيم ... فلا يمكن لي أن أعمل في هذا الحقل وأرفض الرأي الآخر ... ولا ألقي بالفضلات المنزلية في الحاوية المعدة للغرض ... ولا أحترم الجيران والمارة بصفة عامة ... ولا أترقب دوري عندما أجد من سبقني مهما كان تأكد حاجتي...
من هذا المنطلق وحتي «لا يفوتني التران» أوبالأحرى حتى لا أركب «التران الغالط» نصحني مدرسي بالتخلي عن الشعارات الفضفاضة و«مدان وجهي» في كل مناسبة والعمل بكل تواضع على ترويض نفسي على خدمة الغير وزرع هذه الروح لدى جيل المستقبل ابتداءا بنفسي وبعائلتي الضيقة ...وربي يسهل فيما هو«صعيب» ... نعم «صعيب» لأن الجمل « لا يرى حدبته»...