{وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل ابراهيم واسحاق، إن ربك عليم حكيم}، {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث}. ورد اسم يوسف في القرآن سبعا وعشرين مرة وامتدحه الرسول ص في حديثين فقال عنه في حديث : «يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم» يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم. وعندما سئل رسول الله ص عن أكرم الناس قال: أكرمهم عند الله اتقاهم. قالوا ليس عن هذا نسألك. قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسأله. قال : فعن معادن العرب تسألوني : قالوا : نعم. قال : خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام اذا فقهوا. كان يوسف وأخوه بنيامين أحب أبناء يعقوب الى قلبه، وكان بداية ذكره في القرآن : {اذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا، والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} عندما أبلغ يوسف والده بما رأى في المنام خشي عليه يعقوب ان يحدّث بهذا أحدا من اخوته فيحسدونه على ذلك، ويدبرون له كيدا يتخلصون منه. لأن يعقوب عليه السلام استشف من هذه الرؤيا ان الله اصطفى يوسف للنبوة أيضا كما سبق له، وعلم ان الرؤيا الصادقة هي مقدمة لنزول الوحي. وحدث يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عندما روى له الحلم قال : ان الله فضلك على جميع اخوتك، وهذا اتضح من رؤياه فرآهم جميعا يسجدون له. والله يزيدك من فضله ويختارك ويعطيك من العلم ما لم يؤت أحد، ويمكنك من تفسير الرؤى والاحلام يإيحاء من الله تعالى وبتعريفه لك دلالاتها ومعناها. وهي نعمة وفضل من الله، وقد أنعم الله على أبويه وجده من قبل وهما جده اسحق وأبو جده ابراهيم أبو الأنبياء. كيف الأخوة كان أخوة يوسف يكيدون له ويحقدون عليه لحب أبيه له. لذلك دبروا بينهم التخلص منه حتى يبقى حب أبيهم لهم فقط. وحاولوا ان ينفردوا به بعيدا عن والده، فأخرجوه معهم على سبيل التنزه، وعندما عزموا على تنفيذ فعلتهم فمنهم من قال نقلته ولكن الباقين اعترضوا على هذا وأجمعوا على التخلص منه دون قتله، فرموه في بئر وتركوه واختلقوا قصة لأبيه حتى لا يشك في أمرهم. وعند مرور قافلة كانت تريد السقاية من البئر، وجدوا فيها يوسف عليه السلام فاستخرجوه من البئر وأخذوه معهم، وعندما أحسوا بأنهم لا يستطيعون الانتفاع منه، باعوه بثمن بخس الى قافلة كانت تتجه الى مصر. وصل يوسف عليه السلام الى مصر مع قافلة الاسماعيليين، وكان عمره وقتئذ حوالي خمسة عشر عاما، فباعوه الى رئيس جند مصر (وهو العزيز) اشتراه منهم، حيث تفاءل بوجهه الصبوح الكريم، وأمر زوجته ان تحسن مثواه ومعاملته، لعله يعوضهم عن عدم وجود الولد، فعاملته كالأم الحنون، كانا يحبانه حبا شديد خاصة انه كان بهي الطلعة، جميل الملامح، ذا وجه مشرق. وبدخول يوسف بيت العزيز كانت هذه البداية له لمرحلة جديدة في حياته، وكان الله يدبر له منها مكانة ومنزلة عالية وهو التمكين في الارض. مرت السنون وتفانى يوسف في خدمة سيده وزوجته، فازدادا به اعجابا ولكن عندما اشتد عوده وبدأت تظهر علامات الرجولة والشباب تحول حب السيدة له الى حب امرأة لرجل، ولكن يوسف عليه السلام كان عفيفا شريفا ولم يبال بهذا، وفي ذات يوم انتهزت فرصة عدم وجود زوجها بالقصر فتجملت وهيأت نفسها وأغلقت الأبواب وتعرضت له تريده وراودته عن نفسه وتوسلت له بكل وسائل الاغراء، وفي الوقت المناسب، ارسل الله له الوحي ليتحكم في نفسه ولم يبدر منه اي فعل يشينه وحفظه الله وعصمه من الخطأ وتذكر انه تربى في بيت زوجها وكان عطوفا معه. {قال معاذ الله انه ربي أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون}، وبذلك كان ظهور البرهان الذي انزله الله عليه لتثبيته على عفته، ولصرفه عن المنكر لأنه من الذين أخلصهم الله لطاعته واصطفاهم واختارهم لوحيه ورسالته فلا يستطيع ان يغويهم الشيطان. واستبقا الباب هو للهروب وهي للنيل منه وتمزق قميصه من فرط جذبها له، لكنهما وجدا العزيز أمامهما، فادعت انه يطاردها، ونفى يوسف عن نفسه التهمة. وفي هذاالموقف العصيب، وقف الله معه ليبرئه، فأنطق الله شخصا قريبا لزوجة العزيز فقال : اذا كان قميص يوسف قد تمزق من الامام، فهذا دليل على ان يوسف كان يطلبها وهي تدافع عن نفسها، واذا كان القميص تمزق من الخلف فهذا دليل على كذبها وانه كان يهرب منها وهي التي تريده. وتوضحت الحقيقة فقد رأى العزيز ان قميص يوسف تمزق من الخلف، فعلم انه بريء وهي التي كانت تراوده. وكان قول يوسف في هذا : «قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قُد من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين، وان كان قميصه قُد من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قُد من الخلف قال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم، يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين». وكذا تدخل الله بالوحي ليعصم يوسف ويبرئه. وتدور الأحداث والسنون وتعترف امرأة العزيز في نهاية الأمر بذنبها وتقول : «الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين» وكفى بذلك برهانا على عفته ونزاهته. تأويل ومن معجزات الله التي حبا بها يوسف عليه السلام انه علّمه تأويل الأحاديث (الأحلام) وكان بهذه الخاصية محببا الى النفوس فعلت مكانته. وكان هذا سببا في جعل اسمه يصل الى حاكم البلاد وقتئذ وطلبه بشخصه حتى يفسر له حلما كان قد حيره كثيرا، عندما تأكد من صدقه وعلمه بهذا وانه بذلك أنقذ بلاده من الزوال، ومما كانت قد تتعرض له من مجاعة محققه، جعله نائبا له ومكنه من خزائن الارض جميعا. فكان تأويل الأحاديث ليوسف عليه السلام الباب الذي دخل منه ليكون هو المتصرف في أمور مصر كلها. وبهذا ايضا وصل الى اخوته وأبويه وتحققة رؤياه التي رآها، فدخلوا عليه وخروا له ساجدين. ولما بلغ يوسف أشده وكانت هذه المرحلة ما بين الثلاثين والاربعين (أي في الخامسة والثلاثين) آتاه الله حكمة وتفقها في الأمور، وأتاه الله علما بوجوه مصالح الناس ليكون حكمه بينهم متفقا مع العدل ومحققا للخير ويرتضيه الجميع. فجزاه الله المكانة الرفيعة التي وصل اليها في مصر، فضلا منه واحسانا على ما صبر عليه من ابتلاءات صادفته كثيرا «وكذلك مكنا ليوسف في الارض».