منوبة: اتخاذ قرارات رادعة لمنع الضجيج والانتصاب الفوضوي وإشغال الطريق العام    استرجاع عقار ببن قردان مستغل بغير الصيغ القانونية    الأول من نوعه في هذا الشاطئ : سلحفاة بحرية تعشش في رمال سيدي علي المكي ببنزرت    قيمة صادرات النسيج والملابس تزيد بنسبة 2،61 بالمائة إلى موفى ماي 2025    أول تعليق للكرملين على تسريبات "تهديد ترامب بضرب موسكو"    دورة الصداقة الافريقية لكرة الطائرة تحت 19 عاما: نتائج مباريات المنتخب التونسي    نادي فيتا كلوب الكونغولي يتعاقد مع المدرب التونسي صابر بن جبرية    الحماية المدنية تحذر من السباحة اليوم بسبب هبوب رياح قوية    أيام إعلامية وطنية حول التوجيه الجامعي لسنة 2025 من 17 الى 19 جويلية الجاري بمدينة العلوم بتونس (وزارة التعليم العالي)    توزر: مركز التكوين المهني والنهوض بالعمل المستقل يستعد لاطلاق السنة التكوينية الجديدة 2025 / 202    الحماية المدنية : 576 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    جندوبة: رحلة سياحية رابعة تحط بمطار طبرقة عين دراهم الدولي    ألكاراز يتغلب على نوري ويتأهل لقبل نهائي ويمبلدون    وزارة السياحة تمنع التدخل في لباس المصطافين وتمنع البيع المشروط    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي يوم غد بهذه المناطق..#خبر_عاجل    "TCL" تكشف عن مستقبل الحياة الذكية خلال إطلاقها الإقليمي في شمال إفريقيا    بداية من منتصف النهار: إعلان نتائج هذه المناظرات الوطنية..#خبر_عاجل    فظيع: هلاك كهلين داخل حفرة عميقة أثناء قيامهما بالتنقيب عن الآثار..!    جريمة مروعة: مستشار سابق يقتل طليقته في الشارع أمام المارة..!!    بعد حذف معلّقة "سان ليفان" من برمجته: مهرجان قرطاج الدولي يكشف ويُوضّح..    عاجل/ مهرجان قرطاج: إلغاء حفل هذه الفنانة والإدارة تكشف السبب    نور قمر تعلن انسحابها من عرض افتتاح مهرجان قرطاج    باحثون أمريكيون يطورون اختبارا جديدا للدم يكشف الإصابة بالسرطان في مراحل مبكرة    سليانة: إحالة المشاريع المقترحة على المستوى المحلى الى البرنامج الاستثماري الجهوي    خاص: النادي الإفريقي يشرع في مفاوضات تجديد عقد نجم الفريق    البطولة العربية لكرة السلة للسيدات: المنتخب الوطني يخسر اللقب    إنتقالات: جوهرة نيجيرية تعزز صفوف النجم الساحلي    أوجلان: الكفاح المسلح ضد تركيا انتهى    بسبب هبوب رياح قوية.. الحماية المدنية تحذر من السباحة    بعد اتهامها بعدم سداد 50 ألف يورو.. غادة عبد الرازق تخرج عن صمتها وتكشف حقيقة ما حدث في باريس!    تونس تحتضن أول مهرجان دولي للراب    البنك العري التونسي يطلق عرض "100 يوم سكن" لتسهيل الحصول على ملكية العقارات    القصرين: خط نقل بلدي جديد بين "عين نوبة" و"المن&1704;ار" يدخل اليوم حيّز الاستغلال التجريبي    اليوم كلاسيكو نار في نصف نهائي مونديال الأندية: التوقيت والقنوات الناقلة    كأس العالم للأندية لكرة القدم: تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي 2-صفر    اجتماع دام ساعة ونصف.. ماذا دار بين ترامب ونتنياهو؟    عاجل/ من بينهم أطفال: استشهاد 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على خان يونس..    رعد ومطر في الطريق؟ آخر مستجدات الطقس لنهار 9 جويلية    عمي رضوان: ''الكره المجاني والسبّ على الفيسبوك يؤلمني''    اختتام الدورة 49 لمهرجان دقة الدولي بعرض "رقوج – العرض": لوحة فنية متكاملة من الدراما التلفزية إلى الدراما المسرحية    وداعًا للشهيلي مؤقتًا...تيارات أوروبية باردة تخفّض الحرارة في تونس!    جزيئات بلاستيكية وراء آلاف الوفيات بأمراض القلب في العالم    دواء موجود قدامنا وما كناش نعرفو؟ السر في حليب الجمل    رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية: مصير المتبقي من اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب لا يزال غامضا    موقع "واللاه" العبري: السعودية أفشلت مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة.. ترامب يوقف المشروع    العراق.. اشتباكات مسلحة عنيفة بين عشيرة كردية والبيشمركة في أربيل    عادات وتقاليد..عاشوراء في سدادة بوهلال .. موروث حي تنقله الذاكرة الشعبية    القصرين: تراجع صابة التين الشوكي بسبب الحشرة القرمزية    عاجل/ موعد الصولد الصيفي لهذا العام..    عاجل/ البرنامج الكامل للدورة 59 لمهرجان قرطاج..والفنانون المشاركون..    وزارة التجارة تعلن عن هذه الإجراءات الهامّة.. #خبر_عاجل    الكاف: تجميع أكثر من مليون و100 الف قنطار من الحبوب ودعوة إلى التسريع في اجلاء الصابة    الصباح ما يكمل كان بفنجان تاي ولا قهوة... أما شنوّة المفيد فيهم؟    علاش القطن ديما هو الحل في الصيف؟ اعرف السر!    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لطفي سعيد في «لامبيدوزا زورق السعادة» : للشعراء عذاب الأرض... شكرا لهزائمنا
نشر في الشروق يوم 10 - 11 - 2012

حيّرتني نصوص لطفي سعيد، مؤرق في تصوّراته وشخصياته والأحداث الهاربة في أغلبها من صميم الواقع، محيّر في طرازته للكلام والأحداث وقد عرى بقلمه «قلبه الفوّار يعوي بالحياة» وعدل أخيرا عن الغياب عن الساحة الثقافية.

ونبت له زغب في جناح الابداع طار به مؤخرا في عالم الأدب يحمل حلمه البكر، مجموعته القصصية «لا مبيدوزا زورق السعادة» عن مجمع البتراء للطباعة والنشر والتوزيع وتقديم الشاعر منصف المزغني.

إنه فعلا يغزل الكلام كما يغزل الحرير، وقد وظّف اللغة في رومنسيتها الحالمة وفي توحشها عندما يرشق حبره القارئ بزلاّت قلم «قبيحة» لكنها بليغة وموظفة في مكانها الصحيح يدغدغ بها الكاتب زائر أقاصيصه في مناخ روائي يحمل الكثير عن حياة الرجل ورحلته من الريف مسقط الرأس الى المدينة بثناياها المتشعبة من الجامعة والمبيت والمقهى الى الشارع وبيت الأصدقاء.

بين الشعر والدعابة والكلمات الموجعة عدل لطفي سعيد عن صمته الذي عهدناه سمة بارزة فيه أيام الجامعة وخيّر ان يكشف كل أوراقه ويدع براكينه تتحرّك بعنف خارج دائرة التكتّم ، كشف عن نفسه الكثير وتعرّى ابداعيا وتلصص يستطلع القارئ من وراء شخوصه وبين السطور يتحدث عن راو قذفه الريف الى المدينة «إننا نحيا في الأرياف لنبكي حياتنا في المدينة» وبكى لطفي سعيد مع أغلب شخصياته في المدينة وهو يحمل في صندوقه معاناة الريفي مع الفقر والأحلام المستحيلة والصراع مع الوقت والرغيف المرّ والحياة البسيطة والقلوب الفائرة بالحبّ وكذلك الشهوة الملجمة بالكبت والأفكار الممنوعة... تحدث عن أيام الجامعة بمنوبة حين جاءها يطلب العلم وهو يمسك «قبضة الأحلام وبعض السجائر وعشق الدنيا» أين علّمه «عذاب الارض» الشعر وحب النساء والمقاهي وأشياء أخرى لم يخفها عن القارئ في «زورق السعادة»، وأين قادته هزائمه الى ولادة غابة من الوجوه تتحرّك في مجموعته القصصية وتحمل منه الكثير ومن انشغالاته وهمومه وأحلامه وهو من قال «للأرض خضرتها وللشعراء عذاب الأرض فشكرا لهزائمنا».

متعب بالسفر في الحياة، شقي، طويلا بأفكاره ولا يزال، وأنت تتصفّح أربع عشرة أقصوصة تتورّط مع لفيف من الأبطال يجمعهم سقف حبّ الحياة رغم مرارة العيش، وتجد نفسك تتنقل معهم اينما حلوا فتجالسهم في المقهى والليل الحزين والمبيت الجامعي ولحظات «الشهوة المتوحشة في جوف الليل داخل الملعب» وفي الشارع وفي لحظات «فحول منوبة يذوبون جوعا» فيها فتكون «العجة غذاء أو عشاء مُلُكي لمن جرّب الجوع».

استدعى سعيد أحبابه أيام الجوع والتشرّد وتسكع معهم بين النصوص من «الشقة الضيقة ولحظات الدعابة اليائسة حين يتوعد الزملاء سيقان بعضهم البعض» الى «مقهى الصبر أين يسكن الجرح لكن لا يطيب»، حدثنا عن زمن تزدهر فيه سوق النساء أيام الجامعة، عن طعم السعادة والجوع وطعم الخصاصة والفراش وطعم السجن والخمرة والسرقة وطعم الميسر والعبادة، وارتفع سقف خياله حتى خاتلت شخصياته الموت نفسه وحاورته وانتصرت عليه من خلال المسمى «الأحرش» كما ارتفع سقف الدعابة لديه مع أكثر من شخصية ومن بينهم «العايش لا يحزن الا اذا تخلى عنه الحزن» ومحفوظ وهو يخاطب البحر «أيها البحر أضعت في البرّ مالي وشرفي وإذا شاء الندم ان يندم فهذا شأنه أما أنا فلست بنادم».

ومسرور (الرئيس السابق) ومسرورة (زوجته) في نص ساخر لحظة الهروب خارج تونس عند اندلاع ثورة 14 جانفي ليطوي صفحة الحياء الرئاسي بألم كبير «كنت شجرة تشتهي أغصانها كل الرياح، افتح ثغري للقاح.. والنحل الجائع من حولي بالكشكول البنفسجي يدعولي بالفلاح» وطبعا في هذه الأسطر اختزل كاتب «لامبيدوزا زورق السعادة» حياة الرئيس السابق وزوجته لحظة الهروب على مدرج الطائرة واختزل قراءته الناقدة لهذين الشخصيتين نقدا ساخرا لاذعا.

«رجل بلا وطن يمكن ان يتزوّج المقهى»... «الشعراء صنيعة الجوع».. «الاغنام والنجوم والجوع وكيد الصبية ذخيرته للأيام» ... هذا هو لطفي سعيد في شخوصه المتلوّنة يحوّل كلماته الى حكمة ويستمدها من قسوة المدينة وهي تقضم الأجساد الوافدة اليها طرية قابلة للانسكار.

وللأسف لم يكن الكاتب مثل «عبد الصبور» «صحفي يتّقي الله في قرائه» إنما ورّط القارئ في نصوص موجعة لخصت معاناته وصراعه مع الحظ والحياة في «القصة الأخيرة».

هذا جزء من لطفي سعيد، الطالب الصامت الخجول كثير الصمت ايام الجامعة قصاص لا يستخفّ بالافكار ولا الخيال جال بالقارئ في «أوج النفير واشتعال الدماء» ولحظات الحزن واختباء الحب والجوع والحرمان والاغتراب في المدينة المتاهة.

ورفرف جناح القصة ليطير بنا بعيدا الى طفولته «كان طفلا يحبّ الله ووالديه ويوم الاربعاء والاربعاء يوم مشهود فحين تشرق الشمس يكون والده قد عاد من السوق بسمك السردين، وهكذا فإن الطفل الذي كبر حتى صار صحفيا لم يتخل عن عشقه القديم» وكبر «عبد الصبور» في القصة ولطفي سعيد في الواقع وقرّر أن يجرّب لذة الولادة الابداعية «لما وجدتُ قلبي كالتين الهاطل، قلت: لم يعد في العمر عمركي أماطل... ولقد رأيت حلمي بذرة لا قبضة سراب فعدلت عن الغياب وجمعت ترّهات حياتي في كتاب...» وها هو الكتاب بين أيدينا اليوم شخصياته مغرية تدعونا أن نتدبّر أمرها بعدما أطلق صاحبها سراحها من خياله غير ان «فراخ الحمام البري» التي أطلقها لا يمكن إمساكها بقبضة قلم واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.