عن مجمع البتراء للطباعة والنشر والتوزيع صدرت مؤخرا مجموعة قصصية للكاتب والصحفي لطفي سعيد ممهورة بعنوان: «لامبيدوزا» زورق السعادة. وأول ما يمتدح في هذه المجموعة القصصية أسلوبها المميز الذي جمع فيها مؤلفها بين بديع اللغة العربية وبلاغتها وفصاحتها وجزالة جديدها وبساطتها وتعابير غريبة-ولكنها مستحبة غير نابية فسما بذلك بأسلوب القصة القصيرة وجعلها شيئا مميزا. «زورق السعادة» مجموعة قصصية جميلة محبوكة ضمنها الكاتب الشاب خطرات نفسه ولواعج صدره وجمع إلى هذا جمالا في أسلوبه، ودقة في ما يرسمه حتى لتعد بعض صفحاتها مثالا طيبا لجهود الأدباء الواعدين . وفي المضمون ومثلما يدل على ذلك عنوان المجموعة « لامبيدوزا»لم يغب عن ذهن لطفي سعيد طرح الظاهرة الاجتماعية التي أقضت مضاجع العديد من العائلات التونسية طيلة السنوات الماضية ونعني بذلك ظاهرة «الحرقة» ليضفي على عمله القصصي شيئا من الواقعية التي ترسم بصدق وعمق الواقع الاجتماعي طارحة لقضاياه مشخصة لواقعه المعيش. وفي هذه المجموعة القصصية اعتمد الكاتب على أسلوب التفكيك وعدم ارتباط أجزائها أي إنها جاءت خالية من الاستطراد والمتابعة وذلك انطلاقا من اللوحة أو الأقصوصة الأولى وهي الحاملة لنفس عنوان المجموعة والتي لا يملك إزاءها القارئ إلا أن يتابع القراءة في شغف ولهفة واستمتاع غاية في الروعة بإيقاع لغوي مميز.. أليس هذا هو الصدق الذي نبحث عنه في كل إبداع جديد بل نكاد نؤكد أن هذا الطابع في مجموعة لطفي سعيد أعاننا كثيرا على استيعاب معانيها ومحاولة إدراك رموزها... ولعل هذا الطابع الذي نحبه ونسعى إليه كان ظاهرا جدا وواضحا كل الوضوح في أغلب اللوحات القصصية وخاصة في قصة»الجوع» فهذه الصورة الريفية الإنسانية لا يمكن أن تكون منتزعة من الخيال، فإذا كانت كذلك فان صاحبها لبارع وانه لصاحب بصيرة نفاذه إلى الحقيقة دون أن يراها، وثمة شيء آخر تتسم به هذه القصص. نلاحظ بوضوح عدم ميل الكاتب إلى ما هو مستقبح، ولنفسر ذلك نقول انه تحاشى أن ينصر الرذيلة بل عاملها بمنتهى الهوادة حتى انتزع منها روحها. وفي قصة» السعادة» مثلا ترك الرذيلة تؤدي مهمتها لكنه عاقب أصحابها عقابا نفسيا.. وفي بقية القصص كبح جماحها وجعلها تنسحب من الميدان... لكن قد لا ينقص هذه القصص إلا قليل من المراجعة ليصبح أسلوبها يستحق ما يحمله مؤلفها من فكر صادق ورأي صائب وأدب رصين كتب بأسلوب سهل بليغ وفيها تحليل لشتات من الخوالج النفسية، أما حوادثها فتسترعي انتباه المطالع لتناسقها وارتباطها ووصفها البيئة التونسية.