لا أدري لماذا، وأنا أتفحّص الأنباء الواردة من فلسطينالمحتلة انتابني شعور بأن فلسطين تُدفن كقضية... وأنها ضحية النسيان... وليست ضحية الاستعمار وحده... هذ الأيام تقتصر التصريحات (الفلسطينية) والتصريحات المضادة (الصهيونية الأمريكية) على اختزال قضية فلسطين في امكانية حملها الى رحاب الأممالمتحدة طلبا للاعتراف بها كدولة، من عدمه...
وإذا بالرئيس «أبو مازن» يطلق التصريحات «النارية» هو وأعضاده، من جهة ونتانياهو وأعضاده وعلى رأسهم «أوباما» رئيس أمريكا يطلقون «التوعدات» المضادة ويهددون الطرف الفلسطيني بأقصى «العقوبات» إن هو أقدم على هذا الفعل «الخطير»...
إنها لوحة «سريالية» ممزوجة بتراجيديا يونانية، هذا الذي يحدث لفلسطين الشعب وفلسطين القضية... طبعا، هنا لا يجب أن ننسى أن ما بين هذين المكوّنين للمشهد الفلسطيني المذكور، هناك قوات احتلال صهيونية تحتل كامل فلسطين ويعتدي جيشها على أبناء الشعب الفلسطيني في غزة ويعتدي سجّانوه على المعتقلين الفلسطينيين نساءً ورجالا في معتقلات الاحتلال...
ما يثير الانتباه في كل هذه التطورات، أن هذا «الخصام» او «الصراع» المفتعل حول الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية من عدمه يوحي وكأن فلسطين «الدولة». تطرح كخيار للاعتراف بها ولعضوية تتمتع بها دون الحق في التصويت، كأنها تقع لأول مرة! غريب أمر «الطالب» وأمر «الرافض» معا...
في مثل هذا اليوم من عام 1988 أعلن المجلس الوطني الفلسطيني (أعلى سلطة في م.ت.ف) عن ميلاد الدولة الفلسطينيةبالجزائر وكان اعلان الدولة بمثابة البيان التاريخي «Manifeste» حقق اعترافا دوليا سياسيا رسميا ساحقا... لم يحدث مع دولة أنغولا في 1973 حين تحررت من الاستعمار... نزر قليل جدا من الدول لم تعترف بالدولة الفلسطينية، لكن باقي دول العالم اعترفت بفلسطين دولة... عضوا في الأممالمتحدة... وأضحت وزارة خارجية دولة فلسطين الدائرة السياسية ل«م.ت.ف» في تونس قبلة لسفراء وديبلوماسيي العالم بأسره...
فعن أي اعتراف أممي يتحدثون اليوم؟
في مثل هذا اليوم وعملا بمبدإ «انحني للعاصفة حتى تمرّ» أعلن الفلسطينيون على اختلاف فصائلهم دولة فلسطين المستقلة على الاراضي التي مكّنهم منها جوْرا قرار التقسيم 181 الصادر في 1947...
الكيان الصهيوني اليوم، يلعب لعبة قذرة، قوامها التمويه والالتفاف على الارض وعلى المكتسبات السياسية أيضا بخصوص قضية فلسطين... فيسقط الطرف الفلسطيني في الفخ... ويلعب نفس اللعبة دون ان يشعر أو عن وعي..
كما ان الامبريالية العالمية وحماية لربيبتها اسرائيل تدخل ايضا مجال اللعبة القذرة فتغيّب شرطا أساسيا من شروط دخول اسرائيل الأممالمتحدة وأقصد تطبيق قرار حق العودة 194 الصادر عن الاممالمتحدة والذي يشترط محافظة إسرائيل على عضويتها بالمنتظم الأممي بتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة الى ديارهم التي هُجّروا منها في 1948 .
سؤال أخير للذين يدخلون القضية الفلسطينية في متاهة، تحت اي عنوان، يعمل سفراء فلسطين لدى دول العالم والعكس كذلك؟
في مثل هذا اليوم وما ان انتهى محمود درويش المناضل والشاعر من تلاوة اعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر سنة 1988 حتى برز عنوان جميل صدر في مثل يوم غد ب «الشروق» التي واكبت الحدث بالجزائر: «حجرا... حجرا نبني وطنا».. وكان القصد أن الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت لتوّها سلاحها الحجر ضد المستعمر، وأبهرت العالم، هي التي أتت بالدولة... وأن الاستقلال سيستعيد الحجر الذي رجم به أطفال وشيب وشباب فلسطين، القوات الصهيونية هو نفس الحجر الذي سيقدّ جدران الوطن..
اليوم وبعد 24 سنة وفي ظل هذا السجال العقيم كان المسؤول الفلسطيني ينوح ليقول: «كلاما... كلاما.. ندفن وطنا»..! (لا قدّر الله...)