بقلم: فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي بعد القرار الأمريكي الأخير، القاضي بطرح مسألة تجميد الاستيطان، من قبل اسرائيل كشرط لمواصلة المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، جاءت خطوة غير منتظرة حسب الملاحظين، وتتمثل في إعلان كل من رئاستي البرازيل والأرجنتين، أنهما تعترفان بالدولة الفلسطينية ضمن حدود أراضي 1967، بدأت القضية الفلسطينية منعرجا جديدا، قد تكون آثاره وتأثيراته غير محسوبة من قبل المتابعين كما الملاحظين. اسرائيل، التي تناغمت حدّ «الانتشاء» بقرار واشنطن الذي رأت فيه الدوائر الصهيونية إذعانا أمريكيّا لمشيئتها في طريقة إدارة الصراع العربي الصهيوني، وتحديدا بخصوص ملف المفاوضات، ارتعدت فرائصها حين أعلنت كل من البرازيل والأرجنتين اعترافهما بدولة فلسطين، تناغما منهما مع قرار التقسيم من جهة ومع ما أعلنته وتبنته المجموعة الدولية من خيارات تهمّ «الحلّ» في قضية احتلال وتحرّر وطني شاخت وفاق عمرها الستة عقود... وفق هذه المستجدّات، يجدر التساؤل: الى أيّ حدّ، يمكن لقرار أمريكي لاتيني متنام من حيث عدد الدول التي تتخذه، بخصوص اعتراف جماعي بدولة فلسطينية أن يمثل جدار الصّد أمام أعمال اسرائيل وغيّها المتواصل استيطانا واحتلالا؟ ثم، والوضع قد آل الى ما آل إليه من تنطّع اسرائيلي على الشرعية الدولية على ضيمها للحق الوطني الفلسطيني وأمام الاذعان الأمريكي الأخير للخيارات الصهيونية، هل يمكن انتظار موقف أوروبي مغاير للموقف الأمريكي، يحفظ ماء وجه الديمقراطيات الليبرالية والتي تنصهر في بوتقتها كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والبلدان الأوروبية الغربية؟ إسرائيل وليدة وفاق عالمي أوروبي أمريكي دون شك.. فهي المحتلّة لفلسطين عبر فلول من «المهاجرين» في كل أصقاع الدنيا، وهي التي اغتصبت أرض فلسطين، ولكنها رغم ذلك تتمكن سنة 1947 من أن تحصل على «شهادة وجود» عبر الأممالمتحدة ووفق قرار اتخذ رقم 181.. ومنذ ذلك الحين ما فتئت اسرائيل تحرس المصالح الامبريالية في المنطقة. امبريالية وضعت لها عينا على آبار النفط وأخرى على الزحف الشيوعي المتنامي.. غير أن «اسرائيل» وعلى غير توقعات الملاحظين.. لم تعرف انهيارا بمجرّد أفول القطب الثاني (الشيوعي) وانهياره.. وهي التي مثلت رأس الحربة لعقود في المنطقة.. لذلك كثيرا ما تتردّد جملة: «اسرائيل الطفل المدلّل لأمريكا» أو «اسرائيل ربيبة الامبريالية ورأس حربتها».. لم يزل الأمر على ماهو عليه، حتى ازداد الحلف الأمريكي الاسرائيلي صلابة الى أن وصل الأمر بالولاياتالمتحدةالأمريكية حدّ العجز عن ممارسة أيّ دور أو ضغط ولو بسيط على اسرائيل بخصوص ملف الاستيطان على اعتبار أن الاستيطان جريمة وخروج عن القانون الدولي والشرعية الدولية.. في هذا الخضمّ يتنزل القرار الأرجنتيني البرازيلي، الذي يعترف بدولة فلسطينية ضمن حدود أراضي 1967، إذ انطلاقا من تلك العلاقة التي توطّدت بين واشنطن وتل أبيب الى أن أضحت تحالفا عضويّا، بدت «اسرائيل» قلقة، ليس من قرار البلدين المذكورين فحسب، بل من موجة أمريكية لاتينيّة، قد تسوقها كوكبة من دول المنطقة في نفس اتجاه البرازيل والأرجنتين... فهذه ديمقراطيات صاعدة في المنطقة وفي العالم، وقرارات رؤسائها لا تعكس موقف الحكام فحسب بل هي تعكس أساسا إرادة شعوبها، وبالتالي فإن «اسرائيل» لن تستطيع الوقوف في وجه «تسونامي» المواقف المؤيّدة لحق تعاضدت على سلبه من شعب فلسطين الامبريالية والصهيونية، في ظلّ صمت النظام الرسمي العربي، الذي فقد على ما يبدو زمام المبادرة الى غير رجعة.. عرفت القضية الفلسطينية محطات سياسية وديبلوماسية مهمّة خلال السنوات السبعين والثمانين من القرن الماضي حين اتجهت الارادة الفلسطينية نحو خطّ نضالي على جبهتين: جبهة نضالية ميدانية تراوحت بين الكفاح المسلّح والانتفاضة والعصيان المدني بالداخل والخارج، وجبهة نضالية ذات منحى سياسي ديبلوماسي، بحيث شهدت الدولة الفلسطينية الوليدة عبر إعلان الجزائر سنة 1988، ومن داخل فعاليات المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان الفلسطيني في المنفى والذي يضمّ كل الفصائل الفلسطينية المقاتلة والمناضلة) شهدت إذن ما أمكن للملاحظين نعتها بالهجمة الديبلوماسية، وذلك عندما اعترف ثلثا أعضاء المنتظم الأممي وأكثر بالدولة الفلسطينية في حدود 1967... وقد أعلن المجلس الوطني الفلسطيني أن ذلك القرار السقف الذي ما بعده سقف، لسلم التنازلات الفلسطينية، وقد قبل العالم غربا وشرقا بهذا النهج.. وانتهت واشنطن بالاعتراف ب م.ت.ف وفاوضتها بعد هذا الاعتراف، هنا بتونس عبر جولات متعدّدة... ولم تكن «اسرائيل» لترضى بتلك الحقيقة، لكنها وجدت نفسها «مجبرة»، لأن طبيعة هذا الكيان تتعارض مع أيّ نفس سلام مهما كان نوعه.. أو حدّه... أوروبا الاتحاد، التي يتحمّل جزء مهمّ من دولها مسؤولية احتلال فلسطين وهي مسؤولية تاريخية موثّقة تشترك فيها أساسا كل من بريطانيا وفرنسا، إن في مستوى اتفاقيات سايكس بيكو بين البلدين المذكورين أو في مستوى «وعد بلفور» الذي صاغته بريطانيا وأهدته للصهاينة، نجدها اليوم تتململ أمام تململ أشدّ من الرأي العام داخلها.. فهذه أوروبا «الديمقراطية» قد تجد صعوبة في مواجهة شعوبها، أمام ما أبدته اسرائيل من تعنّت بخصوص ملف الاستيطان، واصرارها على شطب الحق الوطني الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة وفق قرار الشرعية الدولية... لذلك، فإن «اسرائيل» مرجّح أن ترتعد فرائصها في أكثر من مناسبة وفي أكثر من بلد، عكس ردّ الفعل الأمريكي الذي لا يخضع المشهد السياسي فيه الى ما تعرفه بلدان أوروبا أو أمريكا اللاتينية... لكن يبقى الموقف العربي، من كلّ هذا موقفا تكسوه الطلاسم، وربّما العجز المبالغ فيه، حين يقف النظام الرسمي العربي، مصفّقا لقرارات هو غير قادر على اتخاذها.