تتالت زيارات الشيوخ الدعاة إلى تونس وآخرها زيارة الداعية السعودي محمد عبد الرحمان العريفي.. زيارات منظمة متبوعة بجولات في ربوع البلاد وبمحاضرات متنوعة يلقيها الشيوخ ولا تمر دون ان تخلف وراءها الرأي والرأي المخالف.. تثير زيارات الدعاة والشيوخ إلى تونس بعض التساؤلات، منها مثلا من ينظم زيارة هؤلاء الدعاة ومن يستدعيهم إلى تونس؟ ألا يمكن ان تشكل هذه الزيارات خطرا على السلم والامن والاستقرار الاجتماعي والسياسي في تونس؟ ام أن في زياراتهم إفادة للتونسيين حول تعاليم الاسلام والعلوم الشرعية؟
«تواطؤ» الحكومة
كانت أغلب الزيارات التي أداها الشيوخ والدعاة الاجانب إلى بلادنا بتنظيم من جمعيات وأطراف محسوبة على التيارات الاسلامية. ويذهب شق من الملاحظين إلى القول ان تكرر هذه الزيارات ما هو إلا عملا مُمنهجا تتبعه اطراف معينة لتمرير خطاب متطرف ومتشدد يضرب مشروع المجتمع التونسي الذي عرف بالاعتدال وبالتسامح. ويذهب هذا الشق أبعد من ذلك من خلال اتهام الحكومة (ذات التوجه الاسلامي هي الاخرى) ب «التواطؤ» مع هذه الجمعيات والاطراف وبتسهيل مهامها في تنظيم زيارات هؤلاء الدعاة.
لكن ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو ان وزارة الشؤون الخارجية وكذلك وزارة الداخلية رفضت السماح لبعض الشيوخ والدعاة بالدخول إلى تونس بعد أن قدّرت أن دخولهم قد يشكل خطرا على الأمن والسلم في البلاد.
يعتبر البعض أن عددا من هؤلاء الشيوخ والدعاة عُرف عنهم التطرف في الأفكار وفي الإيديولوجيات الفكرية والاسلامية والفتاوى التي يصفها كثيرون بالغريبة عن المجتمع التونسي المعروف بقيم الاعتدال والتسامح والانفتاح. ويعتبرون أنها تُحرض تحت راية الدين الاسلامي على العنف وعلى الكراهية وعلى التفرقة بين أبناء الشعب الواحد وتُهدد بالحد من الحرية والتفتح والاعتدال التي تعود عليها التونسيون طيلة السنوات الماضية. فمن الفتاوى مثلا ما يشجع في رأي هؤلاء على العنف ضد المرأة أو على معاملتها بطريقة غير متساوية مع الرجل أو على العنف ضد الاعلاميين والمثقفين والمبدعين والفنانين وغيرهم وتكفيرهم بسبب أفكارهم وفنهم وابداعاتهم، وهو ما قد يحدث شيئا من الفوضى والارتباك في المجتمع التونسي.
عُلماء دين
يرى المدافعون عن زيارات هؤلاء الدعاة أن استقبالهم ( الدعاة ) في تونس يتم بوصفهم علماء دين من الوزن الثقيل ومشهود لهم بالكفاءة في العالم العربي وفي العالم. وما يتم أخذه بعين الاعتبار اولا وأخيرا عند استدعائهم إلى تونس هو الجانب العلمي الذي ينفع الناس ويساعدهم على مزيد فهم العلوم الاسلامية وعلوم الشريعة وتعاليم الدين الاسلامي، بقطع النظر عن توجهاتهم الفكرية والإيديولوجية. ويرون أيضا أن تعاليم الدين الاسلامي بحر واسع لا حدود له وأنه لفهمها لا بد من الأخذ بعدة تفسيرات وأفكار وعدم الاقتصار على فكر أو على تفسير واحد قد يجانب الصواب. ويُشدد هذا الشق على أن الحياة العامة في تونس ينظمها القانون وأنه لا يمكن للفتاوى وللمحاضرات التي يلقيها الشيوخ والدعاة ان تطغى بأي حال من الاحوال على القانون.
«تراخيص» الداخلية
حول الترخيص لزيارات هؤلاء الشيوخ والدعاة إلى تونس قال السيد خالد طروش المكلف بالاعلام بوزارة الداخلية ل «الشروق» أن الوزارة (على مستوى شرطة الحدود) لا تتدخل في هذه الزيارات بالترخيص أو بالرفض.. وأضاف ان الوزارة تتعامل مع كل الوافدين على الحدود التونسية على قدم المساواة بقطع النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم الإيديولوجية والفكرية. وكل ما يتم عند وصول أجنبي إلى تونس هو التثبت من حصوله على تأشيرة الدخول من السلطات الديبلوماسية التونسية في الخارج ثم التثبت من عدم وجود أي مانع لدخول التراب التونسي. ومن هذه الموانع مثلا أن يكون الشخص معروفا مسبقا بميولاته نحو التحريض على العنف وعلى الفتنة وذلك من خلال التنسيق مع الأجهزة الامنية في الدول الاخرى. وأضاف أن منع بعض الدعاة من الدخول إلى التراب التونسي كان في إطار تطبيق القانون المتعلق بالإجراءات الحدودية عليهم (وجود موانع) ولا علاقة له بالتضييق على حركة الدعاة الذين يتوافدون على البلاد.
ماذا تقول وزارة الشؤون الدينية؟
بالنسبة لوزارة الشؤون الدينية التي تبدو هي المعنية رقم 1 بزيارة هؤلاء الدعاة إلى تونس قال السيد الصادق العرفاوي، مستشار وزير الشؤون الدينية، في تصريح ل «الشروق» أن وكل ما يهم الوزارة في هذا المجال هو الاجراء المتعلق بضرورة اعلامها عند تنظيم محاضرات لهؤلاء الشيوخ والدعاة داخل المساجد، وهو ما سبق لها أن طلبته من الجمعيات والمنظمات التي تنظم هذه الزيارات وتستدعي الشيوخ والدعاة. وأضاف المتحدث أنه « بعد ثورة 14 جانفي أصبح يتواجد في بلادنا مناخ من الحرية وعدم الحجر على الكلام او على الافكار ومثلما هناك دعاة ذوي توجهات اسلامية يزورون بلادنا ويلقون محاضرات فهناك ايضا مفكرون ومثقفون وفنانون لهم توجهات أخرى يزورون تونس ويعرضون فنونهم وابداعاتهم وثقافاتهم. ويقول العرفاوي بالخصوص «اذا اطلقنا حملة منع على الدخول إلى تونس فان ذلك قد يشمل كل التوجهات وليس الدعاة والشيوخ الاسلاميين وحدهم، وهو ما يتنافى مع المسار الديمقراطي الجديد الذي ننوي بناءه في بلادنا».
نظام عام
بما أن منع الدعاة والشيوخ من الدخول إلى تونس ومن القاء محاضرات بها ومن الاعلان عن فتاواهم أصبح غير ممكن أحيانا من الناحية القانونية ومن حيث الفلسفة العامة لمبادئ الثورة (الحرية والديمقراطية)، فان ما يمكن القيام به عند التعامل مع هذه المسألة هو ضرورة تحمل الأطراف المعنية مسؤولياتها كاملة في منع كل تجاوز محتمل قد يحصل من قبل هؤلاء الدعاة والشيوخ لدى زياراتهم إلى تونس.. فمثلما تحملت وزارة الشؤون الدينية مسؤوليتها وفرضت على منظمي هذه الزيارات اعلامها عندما يتعلق الامر بإلقاء محاضرات داخل المساجد، فانه على بقية الوزارات والسلطات ان تتحمل المسؤولية نفسها وان تفرض شروطا معينة عند استغلال الفضاءات الخاصة بها من قبل الدعاة والشيوخ. (وزارة الشباب والرياضة وزارة الثقافة والسلط المحلية والجهوية ووزارتي التربية والتعليم العالي...). كما أن وزارة الداخلية ووزارة العدل (النيابة العمومية) مطالبتان بالتحلي باليقظة التامة عند زيارة الشيوخ والدعاة إلى تونس للتحرك كلما تطلب الامر ذلك.
أهم الشيوخ والدعاة الاسلاميين الذين زاروا تونس بعد الثورة
حسان الدباغ زغلول النجار صفوت حجازي محمد موسى الشريف طارق رمضان وجدي غنيم محمد عبد الرحمان العريفي عبدالرحمن أبانمي يوسف القرضاوي محمد الهبدان إبراهيم الخزيم عائض القرني محمد هداية سليمان الجبيلان و صالح الحمودي حسن بن عبد الله القعود فهد العموش .
وتجدر الإشارة إلى ان السفارة التونسية في القاهرة رفضت منح تأشيرة دخول للداعية المصري الشيخ محمد حسّان. كما تم في ماي الماضي على مستوى مطار تونسقرطاج منع دخول دعاة من المغرب الأقصى إلى تونس وهما «عمر الحدوشي» و «حسن الكتاني» بسبب ما قيل عن تورطهما في اعمال ارهابية في بلديهما فضلا عن انهما ممنوعان من إلقاء الخطب و التدريس في المغرب.