ثورة الكفاءات التونسية: 3 آلاف منتدب سنويًا وثلثهم يعودون    4 سنوات سجن في حق رجل الأعمال لزهر سطا وخطية تفوق 5 ملايين دينار    الحماية المدنية : 130 تدخلا لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة    طيران الإمارات تتصدر تصنيف YouGov لأكثر العلامات التجارية العالمية الموصى بها لعام 2025    عاجل: صدور حكم بالسجن سنة مع وقف التنفيذ ضد نجل فنان مشهور    القهوة باش تغلى؟ البرازيل في وجه العاصفة وترامب السبب    ترامب يُعلن عن رسوم جمركية جديدة على كندا    قوة إسرائيلية تتسلل داخل الأراضي اللبنانية وتنفذ عملية تفجير    أزمة ديون جديدة تهدد انطلاقة النادي الإفريقي قبل موسم 2025-2026    كأس العالم للأندية 2025: سباق محتدم على الحذاء الذهبي قبل النهائي بين باريس وتشيلسي    النادي الصفاقسي: تعزيز جديد في صفوف الفريق    إنتقالات: لاعب نادي بورتو البرتغالي على رادار الترجي الرياضي    دوري روشن السعودي: نادي الحزم يجدد ثقته في "جلال القادري"    سبعيني يكسّر القاعدة وينجح في الباك... قصة ما تتعاودش!    بعد وضع اسمه في أفيش لسهرة بمهرجان قرطاج: مقداد السهيلي...أنا وين سي علاء!!!    كفاش تحمي صغارك من شمس الصيف؟ نصائح ذهبية من أطباء الأطفال    برد الكليماتيزور يداوي ولا يضر؟ طبيبة توضّح شنو يلزمك تعمل    السخانة باش ترجع في الويكاند؟    توزر: عاصفة قوية تضم رياحا محملة بالأتربة والسحب الرعاية تضرب عدة مناطق في الجهة    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة بأمطار مع تساقط البرد بهذه الجهات    الباكالوريا 2025: أكثر من 25% من الناجحين في شعبة الرياضيات يتحصلون على ملاحظة "حسن جداً"    قراءة تحليلية لنتائج البكالوريا 2025 ... بين نسب النجاح والتحديات التعليمية    العاصفة الرملية بتوزر وقبلي...هذه أسبابها    حزب العمال الكردستاني يبدأ تسليم سلاحه    مقتل 150 مسلحاً في كمين للجيش النيجيري    لأول مرة منذ تأسيسه مهرجان قرطاج الدولي 2025 دون مدير فني    مهرجان قرطاج الدولي..دورة تحتفي بالفن وتنصت للقضية الفلسطينية [فيديو]    ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية حسب نسب النجاح في امتحانات الباكالوريا 2025 عمومي    لطيفة تطرح 4 أغاني من ألبومها "قلبي ارتاح"    مقداد السهيلي: أنا ما نيش هاوي وإلا جيت لبارح باش نوري وجهي ونستنى باش يشجعني الجمهور    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: ولا تنازعوا فتفشلوا ...    الحذرَ الحذرَ، فوالله لقد ستر حتى كأنه قد غفر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً    تتسبب في ٪80 من الأمراض: 170 كلغ معجّنات لكل تونسي... سنويا    مع الشروق : الانتقال الطاقي يحتاج سرعة التنفيذ وليس الدراسات واللجان    عاجل: من 20 إلى 90 دينار: تذاكر مهرجان قرطاج تثير الجدل من جديد    منظمة الصحة العالمية تمنح رئيس الجمهورية درع الاتفاقية الدولية للوقاية من الجوائح..    الليلة: أمطار رعدية وتساقط البرد بهذه المناطق    وزير الخارجية في مؤتمر دولي: حماية المدنيين واجب أخلاقي ومسؤوليّة جماعيّة.. #خبر_عاجل    عاجل/ نتنياهو: نريد إنهاء الحرب في غزة..    المحلل المالي معز حديدان: كلفة دعم الخبز تكفي لبناء 4 مستشفيات جامعية سنويا    عامان سجنا في حق الإعلامي محمد بوغلاب    بنزرت: حملات رقابية ليليلة للحد من مظاهر الانتصاب الفوضوي وإستغلال الطريق العام ببنزرت المدينة    نسبة النجاح العامة في الدورتين الرئيسية والمراقبة لبكالوريا 2025 تبلغ 52.59 بالمائة    أنيسيموفا تتأهل لنهائي ويمبلدون بفوز مثير على سبالينكا    عاجل/ تيارات قوية وأمواج عالية: الحماية المدنيّة تحذّر من السباحة في شواطئ هذه الجهة    إختتام مشروع تعزيز الآلية الوطنية لتأطير الصحة الحيوانية البيطرية بتونس    عاجل: فيفا تُصدر تصنيف جويلية 2025...تعرف على مرتبة تونس عالميا وافريقيا    عاجل/ استئناف التزود باللحوم الحمراء المبردة والموردة..وهكذا ستكون الأسعار..    الديوان الوطني للأعلاف: شراء 50 ألف طن من مادة الذرة العلفية الموردة    عاجل/ رئيس الدولة في زيارة غير معلنة الى هذه الولاية..    قبلي : تواصل قبول الأعمال المشاركة في الدورة الرابعة من مسابقة "مسابقة بيوتنا تقاسيم وكلمات"    فاجعة في بن قردان..وهذه التفاصيل..    عاجل/ "يويفا" يحدث تعديلات على لوائح العقوبات في مسابقات الموسم المقبل..    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    أسبوع الباب المفتوح لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج بمقر وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية    عاجل: قيس سعيّد يُحذّر : مهرجانات تونس ليست للبيع بل منابر للحرية والفكر    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    









خميسيات آدم فتحي : الدرس الفرنسيّ
نشر في الشروق يوم 29 - 11 - 2012

لم يثر هيرفي غاتينيو أيّ اعتراض يُذكَر حين قال في راديو مونتي كارلو وفي مجلّة لوبوان بتاريخ 22 نوفمبر 2012 «إنّ ما يحدث في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبيّة لا يشرّف السياسة ولا يشرّف السياسيّين».

عبّر هذا التصريح عن مشاعر معظم الفرنسيّين الذين أخذوا يتابعون ما يحدث داخل حزبهم الحاكم السابق (UMP) بالكثير من الاستغراب والذهول، مكتشفين هشاشة الديمقراطيّة حين تنتقل من ثقافةٍ إلى نوع من الشعوذة أو «البراعة اليدويّة».

مرّةً أخرى اغتنم ساركوزي الفرصة كي يلعب دور «زورو»! ومرّةً أخرى طلب منه أبناء الحزب إنقاذهم دون أن يبدو على معظمهم الانتباه إلى أنّ ما يحدث لحزبهم ليس سوى نتيجة الأخطاء التي ارتكبها «منقذهم»!

الخطأ الأوّل أنّ ساركوزي لم يسمح لحزبه بأن يقوم على أرضيّة فكريّة بل جعل منه حزبًا قائمًا على الولاء لشخصه. هذه الشخصنة هي الفخّ الذي وقع فيه كوبيه وفيّون حين حاول كلّ منهما أن يُصبح ساركوزي الجديد.

الخطأ الثاني مرتبط بالخطإ الأوّل. فالاعتماد على الشخصنة طريق إلى تغليب الصورة على الفكرة. وهذا يعني تغييب الجدل والحجاج، أي تغييب صراع الأفكار، ومن ثمّ الحيلولة دون إنضاج خطّ سياسيّ واضح المبادئ والأهداف والوسائل يلتفّ حوله المنخرطون وتُختار على أساسه القيادات.

الخطأ الثالث ناجم عن الخطأين الأوّلين. فالشخصنة وغياب الأرضيّة الفكريّة الواضحة لا يتركان مجالاً لأيّ ديمقراطيّة حقيقيّة. وليس من نتيجة لذلك سوى تحويل الصراع السياسيّ إلى صراع عصابات تتناحر في العلن وفي الكواليس.

حاول البعض التفاؤل مقارنًا بين أزمة هذا الحزب والأزمة الماليّة العالميّة الأخيرة، معوّلاً على هزّة دراماتيكيّة تجعل النخبة السياسيّة تنتبه إلى مخاطر انحرافها بالديمقراطيّة، مثلما انتبه رجال المال إلى مخاطر انحرافهم بالمنظومة الماليّة.

لا وجاهة لهذا التفاؤل دون إنضاج وعي جماعيّ يؤكّد انتباه النخبة الفرنسيّة والغربيّة عمومًا إلى ما ذهب إليه إدغار موران منذ سنوات: سقوط المدرسة السياسيّة القائمة على إحلال النشاط السياسيّ (Activisme) محلّ الفكر السياسيّ.

وهو وعيٌ مطلوب لا في فرنسا والغرب وحدهما بل في كلّ بلاد تعتبر الديمقراطيّة أفُقًا لابدّ منه لتعايُشِ مواطنيها في مجتمع متمدّن يتيح العدل والمساواة والكرامة والحريّة، في سياق لعبة سياسيّة يحترم الجميع شروطها لأنّهم اختاروها لخدمة الجميع لا لخدمة طرفٍ على حساب الطرف الآخر.

من ثمّ ربّما تأتي أهميّة التوقّف عند صراع الديكة بين كوبيه وفيّون، وتحليله لا بوصفه حادثًا عرضيًّا يهمّ أصحابه، بل بوصفه درسًا ومصدرًا للعبرة والاعتبار.
خاصّة حين نعلم أنّ الأسباب التي أتاحت لهذا الحزب أن يتماسك حين كان في السلطة هي الأسباب نفسها التي تضعه اليوم على حافة الانفجار.

لم يرغب ساركوزي في بناء حزب بالمعنى الحقيقيّ بل سعى إلى إنشاء آلة انتخابيّة تؤمّن الوصول إلى السلطة. ومن طبيعة الآلات في السياق السياسيّ كما يفهمه ساركوزي وأمثاله أن تكون بلا بوصلة إيديولوجية أي بلا روح ولا ضمير.

هكذا اجتمع في هذا الحزب الشيء ونقيضه. وعبثًا ركّزت التسمية على عبارة «الاتّحاد» فلا وحدة بين المنخرطين والقيادات غير الرغبة في الوصول إلى الحكم، مهما كان الثمن، حتى عن طريق تقديم التنازل تلو الآخر للتطرّف وسدنته.

المدرسة التي ينتمي إليها ساركوزي ليست نتاجًا فرنسيًّا محضًا بل هي مدرسة عابرة للقارّات وجزءٌ من نظرة معولمة للسياسة، تُدرج العمل السياسيّ في سياق الأنشطة الخاضعة لقوانين السوق والاستهلاك والدعاية والماركيتينغ، وتعتبر الانتهازيّة وما تتطلّبه من تضليل جزءًا لا يتجزّأ من قواعد اللعبة.
قد لا تخلو هذه القواعد من جدوى أيّام ممارسة السلطة لأنّ من السهل إسكات وخز الضمير عن طريق المناصب أو الوعود. لكن ما أن يخسر الحزب السلطة حتى ينقلب السحر على الساحر وتصبح تلك القواعد وبالاً عليه قبل غيره.

هكذا تسقط الشعارات المتغنّية بخدمة الوطن ونكران الذات وتغليب المصلحة العامّة كاشفةً عن أنانيّة مرضيّة ولهفة على الكرسيّ وانحياز مُطلق إلى الأطماع الشخصيّة.
وهكذا تنكشف الديمقراطيّةُ الشكليّة عن ديمقراطيّةٍ بلا ديمقراطيّين. ميزتها الوحيدة، والفكرة للساخر فيليب بوفار، أنّ حشو الأدمغة يترك مكانه لحشو الصناديق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.