تجري منذ فترة أحاديث واسعة عن رجال السياسة في السلطة والمعارضة، أحاديث فيها الكثير من التشويه والإشاعة بشكل يتّجه إلى تأبيد صورة مشوّهة عن الفاعلين السياسيين وعن السياسة في تونس ما بعد الثورة. فإلى وقت قريب وخاصة بمناسبة الحملة الانتخابيّة للتأسيسي نذكر كيف لازمت «صورة الكسكروت» أحد أبرز الوجوه السياسيّة وهو السيّد أحمد نجيب الشابي ، كما لاحقت التشويهات سليم الرياحي رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر ووقع اتهامه بعديد الاتهامات الخطيرة مثل المال السياسي الفاسد وتبييض الأموال المشبوهة في حين لاحقت حركة النهضة أكذوبة الأموال القطريّة والخليجيّة ، كما نال حزب نداء تونس الكثير من المساوئ والاتهامات.
عانى من ذلك أيضا ولا يزال رئيس الجمهورية المرزوقي، ومصطفى بن جعفر ونائبته الأولى محرزيّة العبيدي وسمير ديلو والمنصف بن سالم والأزهر العكرمي والباجي قائد السبسي ويبدو أنّ القائمة لن تنتهي.
وكان الحدث الأبرز خلال الأيام القليلة الماضية الجدل حول بعض التصريحات الإعلامية لعضو مجلس شورى النهضة والمستشار السياسي لرئيس الحكومة ، لطفي زيتون، حول التحالف مع نداء تونس وكذلك استشهاد وزير الخارجية رفيق بن عبد السلام بآية كريمة ونسبتها إلى الجاحظ.
المسالة ليست مرتبطة لا بالشابي ولا بالسبسي ولا أيضا كما يبدو اليوم بلطفي زيتون، ورفيق عبد السلام والمحاولات العديدة والمتكررة لإبعادهما عن دائرة التأثير، أو لاستخدامهما ذريعة لاستهداف راشد الغنوشي باعتبارهما من اقرب المقربين إليه، وإنما في عقلية يبدو أنها ترسخت في العقل السياسي التونسي، وهي تحطيم الرموز، واستهداف الشخصيات العامة بموجب أو دون موجب. وهو أمر عانى منه كثيرون مثلا لم يواجهوا بالخصومة الفكرية بل بالبحث في الهوامش والتفاصيل.
محاسبة الماضي قبل الثورة تحولت إلى عملية منظمة «لاغتيال» الكفاءات وهو ما حرم تونس من العشرات من أبنائها، والتدافع السياسي بعد الثورة وبعد الانتخابات تحديدا، سواء كان بين الأحزاب او داخلها، ركز على اقتناص الأخطاء وتصيد الزلات وعثرات اللسان، وحتى ما قد يكون اجتهادا في نقل حوار او اختيار عنوان، لخلق زوابع وهمية او للحط من القيمة الاعتبارية لرجل السياسة في تونس. وهو ما انعكس سلبا على صورة السياسي عموما لدى الرأي العام، وعلى ثقة المواطن في نخبته، وحتى على تمثل التونسي للثورة وتجلياتها. الصراع السياسي مشروع، ولكن حين يتجاوز الحدود يصبح مثار استهجان ورفضا للاسفاف ولهذه الطريقة في إدارة خلافات كثير منها مرتبط بالطموح الشخصي، لمن لا يرى تحقيق نجاحه إلا على جثث وأشلاء الناجحين.
المطلوب الكف عن هذا الأسلوب ، وإعادة الاعتبار لرجل السياسة دون ان يعني ذلك منحه حصانة مطلقة. عندما يخطئ ، يجب ان ينقد ويحاسب ويطالب بالاعتذار، ولكن ان تتحول حياتنا السياسية الى جحيم من التسريبات، والتأويلات، و«التكمبين» والضرب تحت الحزام والتطاول على الشخصيات والرموز، فهذا شيء مرفوض وليس في مصلحة احد، حتى من يتصور ان استهداف الآخرين بالتشويه والمزايدات، يساعده على التفرد بالقرار والهيمنة على الساحة.