لم أتحدث إليك بغير عبارات السلام ورد السلام التي كنت دوما تلقيها بابتسامة تخفي عزة نفس وأخلاق عالية، ولكنني أعرفك كما لو كنا نلتقي يوميا أو أسبوعيا ونتحاور في مواضيع من هنا وهناك... اعرفك من خلال حديث الناس عنك ومن خلال أعمالك التلفزية التي تابعت بعضها وسمعت عن بعضها وكتاباتك التي قرأت منها كلما وقع بصري عليها فتكونت صورة الرجل.
أعرف أنك سيد القوم لأنك كنت خادمهم لا تبخل على من قصدك طالبا العون أومعلومة أو نصحا في مجال كنت فيه متألقا بل بارع... كنت متواضعا غير متكبر رغم كل المواقع التي إشتغلت فيها مسؤولا أو معدا لبرامج رياضية... لم يشتك منك أحد ولم يتظلم لأنك كنت وفيا لرفاق دربك وكنت تعطي الفرصة للجميع وخاصة الجيل الجديد من الصحفيين الرياضيين حتى يبرزوا مواهبهم ولم تكن تخشى على موقعك في اي مكان عملت به لأنك كنت واثقا- رغم تواضعك - من أنه يصعب مزاحمتك في ميدان تعرف أسراره الخفية والظاهرة ومطلعا على ما يدور فيه وحوله ،كنت أعرف أنك من الذين ساهموا بقسط وافر في النقلة النوعية التي عرفتها البرامج الرياضية على القنوات التلفزية المحلية منذ سنوات من خلال تصورك لبرنامج «سويعة سبور» وأيضا «بالمكشوف» على قناة «حنبعل»، الذي شكل وقتها نوعية جديدة من البرامج الرياضية لم تكن مألوفة في الإعلام البصري والذي أعددت منه حلقات كثيرة وكنت تارة خلف الكاميرا وحينا أمامها وكنت صوت العقل والحكمة لما تتشنج المواقف حول قضية رياضية معينة أو تذهب بعيدا عن المعنى المقصود من وراء طرحها ليتم توظيفها لغايات خارجة عن الإطار الرياضي البحت... أعرف أنك أضفت الكثير الى برامج الرياضة لما طلبت منك مؤسسة التلفزة الإشتغال في قناتيها حتى ترتقي بأدائها وحتى يتعلم منك الصحفيون الذين يقطعون أولى خطواتهم في الصحافة الرياضية البصرية...
أعرف أنك كنت تتنفس رياضة وتحلم رياضة وتتغذى رياضة وأن قلبك كان يدق رياضة... أعرف أنك كنت غيورا على الإعلام الرياضي وساعيا بجهد وصدق إلى تطويره والإرتقاء به في سلم الإهتمام الرسمي والشعبي بعد أن كانت الصحافة الرياضية توجد في الدرك الأسفل ويتولاها كل من هب ودب لا فرق بين عارف بها وجاهل ، أعرف أنك كنت تقول كلمة الحق علنا وليس وراء الستار لأنك لم تكن تخشى أحدا أو على الأصح لأنك لم تتقرب من أحد ولم تتمسح على الأعتاب فنلت من الجميع الإحترام والتقدير... أعرف أنه لما أصابك المرض تألم الكثيرون لألمك وتمنوا لك صادقين الشفاء ولم يذكروك بغير خصالك الحسنة لأنه لم تكن فيك سواها. أنت واحد من الذين نقشوا إسمهم في سجل الإعلام الرياضي الوطني وها أنك اليوم ترحل الى حيث سبقك البعض منهم مثل محمد المدب وعبد المجيد المسلاتي وإبراهيم المحواشي ومحمد بوغنيم ومحمد بن خليفة والطاهر مبارك وعبد الحميد رقاز وحسين عطية وعمر غويلة رحمهم الله جميعا وغيرهم من الذين فارقونا ونسيتهم ،و أطال الله عمر من لا يزال على قيد الحياة.
والأمل في أن تكون مسيرتك في الإعلام الرياضي نبراسا يهتدي به جيل الشباب من الصحفيين العاملين حاليا في القطاع مكتوبه ومنطوقه والمرئي منه وقد كونت منه عددا مهما.
وبرحيلك تخسر الصحافة الرياضية واحدا من أهم أركانها وعزاؤها في جيل تربى على يديك وتعلم منك الكثير وفي رفاق دربك وأبناء جيلك الذين سيواصلون السير في نهج الإعلام الرياضي كما أردته وعملت من أجله وكما رسمه الجيل السابق الذي تعلمت منه أيضا ولم تنكر لتواضع فيك ووفاء منك .
لقد شيعك أهلك وأصدقاؤك وزملاؤك والعائلة الرياضية الموسعة إلى مثواك الأخير في موكب مهيب وفي قلوبهم حزن كبير وفي عيونهم دموع حارقة ولكنك في مخيلتهم لم تمت بل أنت في الذاكرة ستبقى ،و الرجال ذكر بعدهم ...
رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه ورزق أهلك وأصدقاءك وكل من أحبك الصبر والسلوان «إنا لله وإنا إليه راجعون».