رغم ما دعت إليه الثورة من شعارات مثل الانفتاح والحرية ورغم ما كسرته من قيود «الخوف» و«اللامبالاة» بالمشاركة في الحياة السياسية والجمعياتية إلا أن عزوف الشباب عن هذه المشاركات قد تواصل رغم حماسة التغيير في سلوك التونسي بعد الثورة. «الشروق» حاولت البحث في ملامح مشاركة الشباب بعد الثورة في الحياة السياسية والجمعياتية ومعرفة أسباب العزوف وتحاشي المشاركة والمساهمة في صنع المشهد السياسي والجمعياتي في تونس، حتى إن بعض الشباب قد أصبح يتذمر ويسخط من أحاديث السياسة. حسب إحصائيات وردت في دراسة للمرصد الوطني للشباب فإنه قد تمت ملاحظة تدني نسبة المشاركة الشبابية في الاجتماعات الحزبية. وأكد 22.3 ٪ فقط من الشباب المستجوب مشاركتهم في اجتماعات لأحزاب بعد الثورة مقابل 77.7 ٪ من الشباب الذي لم يحضر أي اجتماع حزبي.
بين المقهى والمسجد
يشكل المقهى الفضاء الأكثر استقطابا لحوارات الشباب ونقاشاتهم السياسية، حيث بينت الدراسة أن 22.8 ٪ من الشباب يعتبرون أن المقهى ضمن فضاءات الشباب المفضلة للحوار السياسي بعد الثورة تليها دار الثقافة بنسبة 22.4 ٪ ثم المدرسة والجامعة بنسبة 20.7 ٪ ثم البيت والمحيط العائلي بنسبة 17.5 ٪ ثم دار الشباب بنسبة 8.7 ٪ وأخيرا المساجد بنسبة 7.8 ٪ !!. أما فيما يتعلق بأسباب عزوف الشباب عن التسجيلات في القائمات الانتخابية فذكر 25.5 ٪ من المستجوبين أنهم غير مقتنعين بالعملية الانتخابية فيما أكد 25.1 ٪ من الشباب عدم معرفتهم اللازمة بالأحزاب. وبيّن 24.8 ٪ من المستجوبين أن من أسباب امتناع الشباب عن التسجيلات في القائمات الانتخابية عدم اهتمامهم بالسياسة فيما لم يشارك 24.6 ٪ من الشباب في تسجيلات القائمات الانتخابية بسبب ضيق الوقت.
قدرة ومحدودية
يشير الخبراء إلى أن عدد الشباب المعنيين بالعملية الانتخابية في تونس والذي يتراوح عمره بين 18 و 25 سنة يقدر بمليونين و 400 ألف شاب من جملة حوالي 7 ملايين ناخب في تونس ويعتبر الملاحظون أن وجود 30 ٪ من مجموع الناخبين من فئة الشباب هو ثقل انتخابي قد يكون حاسما في المناسبات الانتخابية القادمة كما كان عليه خلال الانتخابات الأولى للمجلس التأسيسي. ويشير عدد من الشباب إلى أسباب عزوف أخرى عن المشاركة في الحياة السياسية والمتمثلة في «التخمة» التي أحدثتها وسائل الاعلام بعد الثورة وعجز الأحزاب عن تقديم برنامج بديل وحلول لمشاكل التنمية والبطالة والفقر واهتمامهم بقضايا لا تهم الشباب حسب رأيهم مثل السلفية والحجاب وقضايا إيديولوجية.
مخبر وانتهازي
تحدث الدكتور سالم لبيض (دكتور في علم الاجتماع السياسي) عن أسباب تراجع الشباب عن الاهتمام بالمشاركة في الحياة السياسية وقال إنه يمكن القول أن الأحزاب تصنف إلى صنفين في علاقتها بالشباب...بعضها رغم محدودية قاعدتها الاجتماعي أكثر عددا منخرطوها هم من الشباب وتتمثل هذه الأحزاب عادة في الأحزاب ذات الطبيعة الإيديولوجية. وقد يصل سن الشباب السياسي إلى 45 سنة وقد حافظ هذا النوع من الأحزاب على المنابت الطلابية له إبان فترة بن علي وحتى قبلها وهو ما يجسد بصورة عامة في التيارات اليسارية للإتحاد العام لطلبة تونس وبعض التيارات القومية.
ومن جهة ثانية، هناك عدد لا بأس به من الشباب النشط يعود إلى حركة النهضة التي حاولت منذ رجوعها إلى الحراك السياسي أن ترسم قاعدة شبابية لاسيما في الوسط الطلابي وذلك من خلال استعادة الاتحاد العام التونسي للطلبة بمؤسساتها التي أحدثت منذ الثمانينات من القرن الماضي.
ويضيف الدكتور سالم الأبيض أنه إذا ما أخذنا الشريحة الغالبة من الشباب يمكن أن نفهم أن عزوفهم عن العمل السياسي يعود إلى شيطنة النظام السياسي ابان فترة بن علي وإبعاد الناس عن السياسة قدر الامكان إضافة إلى تتبع النظام السابق للمعارضين من الشباب وغير الشباب، لكن في المقابل كان هناك نوع من النشاط السياسي المسموح به وهو نشاط ملوث ويصنف على أنه غير نظيف عند جمهور الشباب وهو النشاط في المنظمات الشبابية التجمعية.
توظيف وتزيين
تحدث الدكتور سالم لبيض عن توظيف الشباب في الاستخبار عن المجتمع وعن شريحته الشبابية وتحويل الشاب إلى «مخبر» كما تحول الشباب الذين انخرطوا في المنظمات إلى منخرطين لأسباب انتهازية تتعلق بتحقيق مصلحة أو رغبة ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن الغالب من جمهور الشباب انخرط للبحث عن ظروف أفضل إما بالبحث عن عمل أو للاهتمام بقضايا أخرى مثل توفير مسكن وشروط مادية للزواج وكلها عوامل تلعب دورا كبيرا في عزوف الشباب عن العمل السياسي وتوجد نقطة هامة لها بعد رمزي وهي أن شيوخ السياسة الذين عاصروا بورقيبة وبن علي مايزالون يتمسكون بمناصبهم القيادية في الأحزاب ومن خلال عمليات مسح هناك من تجاوز ال70 و ال 80 من العمر.
ويقول الدكتور سالم لبيض المختص في علم الاجتماع إن هذا لا يعطي المثل الطيب للشباب لممارسة العمل الحزبي والسياسي لأنهم يعرفون أن المناصب القيادية ليست من نصيبهم كما حدث في الدول الكبرى التي قامت بتشبيب قيادتها مع تشبيب المجتمع ولم يتعللوا بأن هناك نقصا في الخبرة كما يحدث في تونس. وأضاف أنه من المفيد أن يسن المجلس التأسيسي قانونا يحدد سن الرئاسة بين 35 و 70 سنة حتى يعطي فرصة أكبر للشباب ويفتح أمامهم الطموحات من ذلك إقرار نسبة مشاركة الشباب بين 30 و 40 ٪ قصد إعادة النشاط السياسي إلى الشباب ولم ينف محدثنا وجود جانب الإحباط المتسبب في عزوف الشباب عن المشاركة السياسية وذلك نتيجة لعدم الإستجابة لمطالب الثورة وأن هناك تمسكا من شيوخ السياسة بإدارة اللعبة السياسية مع إقصاء الشريحة من الشباب في كثير من الأحزاب رغم ما تظهره هذه الأحزاب من أن لها عناصر من الشباب لكنهم لتزيين المشهد أكثر من تطعيم الوظائف القيادية مثل المكاتب السياسية والمجالس الوطنية لتلك الأحزاب بالمناضلين الشبان.
شباب ومخاوف
يشير بعض الشباب عبر بعض صفحات «الفايس بوك» إلى محاولة بعض الأحزاب تجنيدهم من أجل خدمة مصالحهم لا من أجل لعب دور بارز. ويعتبر عدد آخر من الشبان أن دور الشباب غير فاعل في الأحزاب والمجال السياسي ... فيما يرى آخرون أن ما تقدمه الأحزاب لا يشجع على متابعة أخبار السياسة وأنه لا وجود لقياديين ونخب يمكن السير على خطاهم...ومن جهة أخرى تعتبر فئة أخرى أن تجربة تونس الديمقراطية مازالت فتية وأنه من غير السهل الخروج من عنق الحزب الواحد إلى التعدد والتشتت كما اعتبرت فئة أخرى أن السياسات المقدمة حاليا تخدم أهداف الكراسي والإيديولوجيات لا التنمية والتشغيل.