محمد عرفاوي أصيل منطقة عين دراهم يعاني من مرض وراثي في الدم صارع الموت بسبب مرضه ولما لجأ الى بعض المستشفيات الحكومية لانقاذ حياته لم تبال بحاله فلجأ الى المصحات الخاصة رغم قصر اليد. قصة محمد البالغ من العمر 18 سنة هي قصة غريبة الأطوار تشعر عندما ترويها امه ساسية الشارني ممرضة بالمستشفى المحلي بعين دراهم بالدهشة والاستغراب لأمرين الأول أن المستشفيات الحكومية مهما تكن وضعية الاكتظاظ الحاصل بها فان الحالات الاستعجالية لها الأولوية المطلقة ومحمد كان يصارع الموت والمسألة الثانية أن والدة محمد ممرضة ويفترض أن لها الحق في العلاج بالمستشفيات الحكومية ان لم نقل الأولوية .
صراع مع المرض
يعاني محمد من مرض وراثي يدعى «الطلاسيميا» (thalassémies)وبدأت رحلة الصراع مع المرض في سن الثانية ولأن أمه ممرضة ظلت حالته مستقرة طوال هذه السنوات مقارنة بغيره ممن لهم نفس المرض . ومنذ أسبوعين أصيب بوعكة صحية حادة تطلبت تدخل الأطباء المختصين وهنا انطلقت معاناة ساسية الأم ومحمد المريض الذي التهمته الأوجاع التهاما ولا من مغيث . حملته لمستشفى عين دراهم باعتباره الأقرب ولكن الاطار الطبي الموجود ليس مختصا في هذا المرض كما ان امكانيات المستشفى ضعيفة.
فانطلقت نحو مركز زرع النخاع باعتباره الهيكل المختص في مرضه وكان اطباء هذا المركز يباشرون حالته فكانت المفاجأة الكبرى فبعد أن انتظرت وصول مدير المركز على الساعة الثامنة والنصف صباحا وطرحت عليه مشكلة ابنها الصحية واجهها برفض قبول علاجه بالمركز وقال لها عندكم مستشفى في عين دراهم فلماذا تأتين به الى هنا وأمرها بأن تتصرف ... وتحمل ابنها أين تشاء وكأن الشاب الذي يصارع الأوجاع أمامه ليس بانسان مريض وحالته الاستعجالية تستوجب انقاذ حياته أولا ثم تقديم الدروس لوالدته التي كانت تحترق خوفا على حياته .
وأضافت ساردة الرواية المأساة «اتجهت نحو مستشفى عزيزة عثمانة فأفادها أحد الأعوان أن الأطباء في اجتماع وبعد نصف ساعة جاءتها طبيبة داخلية وأخذت بيانات المريض ووضعت له الأكسيجين وبعد مدة زمنية وجيزة جاءت طبيبة أخرى لتنزع عنه الأكسجين وكتبت رسالة وطلبت من الأم أن تحمله الى مركز زرع النخاع مشيرة أن مستشفى عزيزة عثمانة غير متفق مع هذا المركز وبالعامية «موش متفاهمين». فعادت الأم أدراجها الى المركز حيث التقت أحد الأطباء الذين تعرفهم هناك باعتباره مريضا قديما وفحص ابنها ووصف له الدواء وخرج من قاعة الفحص ليبحث له عن سرير.
واستدركت قائلة ولكن بعد أن قابل مدير المركز عاد ليخبرني بأنني يجب أن أحمل ابني الى مستشفى الرابطة فتوجهت نحو الاستعجالي وهناك صدمنا باكتظاظ رهيب وكانت الأوجاع قد اشتدت بابني فطلبت من أحد الأطباء التدخل لاسعافه من الأوجاع واخبرته أني من القطاع فرمى بالملف غير مبال بما قلته. وأضافت: حينها خرجت من المستشفى ودموعي تنهمر واتصلت بالطبيبة التي كانت تباشره في صغره فنصحتني بضرورة حمله الى أية مصحة خاصة لانقاذ حياته .
وبدأت رحلة العلاج في المصحات الخاصة رغم أن اليد قصيرة والعين بصيرة فهي ام لفتاتين الأولى خريجة جامعة وعاطلة عن العمل والثانية خريجة جامعة وتعمل في مركز نداء والثالثة خريجة جامعة فضلت أن تتزوج لأنها لم تجد عملا فثقلت عليها أعباء المصاريف دون الحديث عن مصاريف الابن المريض سواء في العلاج المتواصل باعتبار مرضه المزمن والتغذية الخاصة.
ودون الاطالة في سرد طريقة التعامل مع المصحات الخاصة التي تطلب المال أولا أو صك ضمان مسبقا والفاتورة التي بلغت 3 آلاف دينار للعلاج. وبعد أن عجزت عن دفع المزيد حملت ابنها وعادت به الى منزلها بعين دراهم ثم تعكرت صحته مرة أخرى فحملته الى مستشفى جندوبة حيث تلقت المساندة ولكن نظرا لعدم توفر الأجهزة الكافية اتصلوا ببعض المستشفيات بالعاصمة فلم يقبل به أحد ونصحها الاطار الطبي بأن تأخذه الى مصحة خاصة بالعاصمة فكان الأمر كذلك. وبالمصحة الخاصة بالعاصمة وجدوا أن حالة ابنها خطيرة جدا وتتطلب تدخلا بالجراحة لاستئصال «الطحال» (la rate) الذي انتفخ الى حد غير عادي وازالة «المرارة» التي امتلأت بالحصى.
وها هي اليوم تسرد قصتها مع مرض ابنها مصرة على نشر كل التفاصيل ومستعدة الى رواية ما حدث لها لأي مسؤول أو لأي وسيلة اعلام. وقالت «انشري حكايتي حتى يعلم الجميع ما عانيته من المستشفيات الحكومية متسائلة ان كنت أنا من والى القطاع الصحي وعانيت الويلات فماذا عن المواطن العادي؟».
مدير عام الصحة
وللأمانة الصحفية اتصلت بالدكتور نبيل بن صالح مدير عام الصحة فعبر عن استغرابه لما حدث واستيائه في آن واحد وطلب مقابلة أم المريض لسماعها مباشرة والقيام بما يلزم من اجراءات .
وعموما الغريب هو حدوث هذه القصة الغريبة بعد الثورة ففي الوقت الذي كان يحلم فيه المواطن بالقطع مع رداءة الخدمات في المستشفيات الحكومية مع التكفل بالعلاج وجد نفسه محروما حتى من العلاج وهو في حالة صراع مع الموت .
وهنا تتساءل هذه الممرضة التي لم تستطع علاج ابنها في المستشفيات الحكومية رغم حقها في ذلك ماذا عساها تفعل أمام فاتورة ب5 آلاف دينار تنتظرها حاليا لتخرج ابنها من المصحة؟
وللاشارة محمد العرفاوي رفض سابقا مساعدة جمعية بسمة التي كانت تترأسها ليلى بن علي لأنه كان يرفض الانتماء للمعوقين ولأنه كان رافضا الانتماء الى أي هيكل للمعوقين معتبرا أنه مريض وليس معوقا.