في ثاني احتفال لتونس باليوم العالمي لحقوق الانسان بعد الثورة، ارتفعت حدة الجدل حول واقع هذا الملف الحساس في تونس.. الحكومة تقول ان هناك تطورا ملحوظا والملاحظون ينتقدون اداء الحكومة. تبدو وضعية حقوق الانسان في تونس غامضة نسبيا. فمن جهة تقول الحكومة إن وضع حقوق الانسان في تونس لا يستدعي التهويل. لكنها تقر من جهة أخرى أنه لا يستدعي التهليل. أما الملاحظون في المجال (محليا ودوليا) فيعبرون باستمرار عن تخوفهم من امكانية تراجع مكاسب حقوق الانسان في تونس التي تحققت مباشرة بعد الثورة ويرون ان ما تحقق من مكتسبات يبقى منقوصا مادام مقتصرا على «النظري» فقط ولم يُترجم على أرض الواقع.
تغيير العقليات
واقع حقوق الانسان في تونس اليوم حسب الحكومة هو نتاج ل50 سنة من الانتهاكات في ظل النظامين السابقين للثورة ويتطلب مزيدا من العمل في المستقبل ليس لتغيير القوانين فحسب بل وأيضا لتغيير العقليات في مختلف المجالات المعنية بحقوق الانسان. وهو ما يعني بالنسبة إليها ضرورة الانتظار أكثر وأكثر لارساء منظومة متكاملة لاحترام حقوق الانسان في تونس ..
مكاسب بعد الثورة
بعد الثورة حققت تونس بعض التطور في مجال حقوق الانسان، وفق ما تذهب إليه الحكومة . من ذلك مثلا اصدار العفو التشريعي العام ورد الاعتبار إلى المدافعين عن حقوق الانسان وإلغاء الادانات السياسية السابقة وضمان حقوق شهداء الثورة وجرحاها. وينضاف إلى ذلك احداث وزارة لحقوق الانسان والعدالة الانتقالية والشروع في اصلاح القضاء وضمان استقلاليته وكذلك الشروع في اصلاح الامن واعطاء الحرية كاملة للإعلام وللتظاهر وللتعبير ولتكوين الاحزاب والجمعيات وللإبداع الفني ورفع كل القيود التي كانت موضوعة عليها. إضافة إلى دعم الحريات والمكتسبات السابقة الخاصة بالمرأة وبالطفل وبذوي الاحتياجات الخاصة ودعم المساواة بين كل المواطنين واعطاء الحرية للمنظمات الحقوقية لمراقبة ما يحصل في السجون. وتقول أيضا إن هناك مساع لتحقيق التوازن في التنمية بين مختلف الجهات والفئات بما يدعم حقوق الانسان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
إصلاحات تشريعية
تقول الحكومة أيضا أنها أصبحت منذ الثورة تعمل باستمرار على ملاءمة التشريع التونسي مع التشريعات الدولية الخاصة بحقوق الانسان. من ذلك مثلا المصادقة على البروتوكول التكميلي لاتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة المتعلقة بالإتجار بالأشخاص والبروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري لاتفاقية الاممالمتحدة الخاصة بمناهضة التعذيب. وتقول الحكومة أيضا إن تونس فسحت المجال بعد الثورة امام المنظمات الدولية لفتح مكاتب لها على أراضيها مثل المفوضية السامية لحقوق الانسان والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ورفع المعوقات التي كانت تعرقل عملها في العهد السابق.
انتهاكات ومخاوف
بالتوازي مع ما تقوله الحكومة حول تطور واقع حقوق الانسان في تونس بعد الثورة ، يرى الحقوقيون والملاحظون الدوليون والمحليون المختصون في هذا المجال ان عديد الانتهاكات لحقوق الانسان مازالت متواصلة.
وتقول منظمة العفو الدولية إن التقدم الطفيف في مجال حقوق الانسان الذي تلا اسقاط بن علي يشهد اليوم عودة الى الوراء على يد الحكومة الحالية . وذكرت بأن حكومتي تسيير الاعمال الانتقالية (حكومة الغنوشي وقائد السبسي) حققتا تقدما مُهما على طريق الاصلاح مثل المصادقة على معاهدات دولية مهمة لحقوق الانسان والافراج عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي المحتجزين منذ ما قبل الثورة.
وكانت المقررتان الأممية والإفريقية لحقوق الإنسان قد أعلنتا في اكتوبر الماضي اثر زيارة أدتاها إلى تونس في سبتمبر استمرار انتهاك حقوق الإنسان في تونس بما في ذلك التعذيب والعنف والتشدد باسم الدين وتساهل الشرطة تجاه ذلك . كل ذلك فضلا عن استعمال الشرطة للقوة المفرطة ومباشرتها للاعتقالات العشوائية خلال تعاملها مع التظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية.
ومن جهتها أطلقت منظمة هيومن رايتس ووتش منذ حوالي شهر ما وصفته ب«صفارة الانذار» أمام توقعات باحتواء الدستور الجديد فصولا من شأنها تقويض حقوق الانسان مثل الحق في التعبير وفي المعتقد والمساواة والحريات المختلفة.
أما الفيدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان فقد أعلنت مطلع الشهر الجاري التخلّي عن عقد مؤتمرها ال38 في تونس (في مارس 2013)، مبررة قرارها المفاجئ بالظروف الأمنية المضطربة التي تعيشها البلاد هذه الأيام وبعدم الاستقرار الذي تتسبب فيه الاعتداءات على نشطاء حقوق الإنسان والحقوقيين.
دسترة وتوصيات
يطالب الحقوقيون في تونس بدسترة حقوق الانسان وخاصة دسترة «عهد تونس للحقوق والحريات» الذي أمضى عليه حوالي 50 ألف مواطن. وقد نظم المعهد العربي لحقوق الانسان (صاحب المبادرة) أمس وقفة احتجاجية امام المجلس التاسيسي للمطالبة بذلك.
ويطالب الحقوقيون في تونس بضرورة التعجيل بإصلاح القضاء وبمزيد ضمان حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل خاصة في الميراث ومزيد تنظيم عمل الامن من النواحي البشرية والمادية والتكوين وتطويره واصلاحه حتى لا ينتهك حقوق الانسان أثناء المظاهرات او عند أيقاف الناس في المراكز الامنية. ويطالبون أيضا باصلاح السجون وتوفير اكثر ما يمكن من الظروف الملائمة للسجناء ووقايتهم قانونيا وعمليا من التعذيب.
كل ذلك إضافة إلى اصلاح الاعلام وضمان المزيد من حرية الصحافة والتعبير. ومن الحقوقيين من يطالب بالغاء عقوبة الاعدام وبضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والتجاوزات السابقة. ويبقى أهم مطلب هو ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكل التونسيين وذلك عبر التوزيع العادل للثروات بين الجهات والفئات.