بعد انتشار حركات الاحتجاج الاجتماعي في العديد من أنحاء الجمهورية نتيجة الفشل الحكومي في زحزحة الازمة الاقتصادية او حتى في التقليل من انعكاساتها الاجتماعية الوخيمة، وخاصة بعد ما حدث في سليانة، توضّح لحركة النهضة وحكومتها الدور الهام الذي يقوم به اتحاد الشغل على الساحة الوطنية باعتباره الخيمة التي يستظلّ بها كل المستضعفين وطالبي العدالة والحرية والكرامة، وبسرعة أخذت الماكينة الدعائية للنهضة والحكومة تدور بأقصى سرعتها لاتهام الاتحاد بالخروج عن دوره الاجتماعي والتحول الى دور سياسي لا يعود اليه ثم تمادى النقد الى حد الشيطنة لقيادته بحيث تحوّل الاتحاد في نظر النهضة وأنصارها الى عدو تحلّ محاربته وخصم لابد من ازاحته. والحقيقة ان موقف هذه الحركة من الاتحاد لم يكن تاريخيا قائما الا على التوجس والريبة، ولا ينبغي ان ننسى موقف الاتجاه الاسلامي المناهض لقيادة الاتحاد والداعم للحكومة في أحداث 26 جانفي 1978 وكذلك في الخلاف الذي جدّ بين الاتحاد وحكومة السيد محمد مزالي بعد ذلك. وفي نفس السياق ندرج ما يجري اليوم.
وبالتقاطع بين بعض المعلومات وتحليل الوقائع فإننا نستطيع أن نلخّص الهدف من هذه الغزوة التي استهدفت الاتحاد العام التونسي للشغل يوم إحيائه لذكرى اغتيال الزعيم الخالد فرحات حشاد، في احتلال المقرّ المركزي للاتحاد و«تطهيره» من قيادته الشرعية، وتنصيب قيادة بديلة تتكوّن من عناصر ما يعرف بالخط النقابي التصحيحي بزعامة المدعو «الأسعد عبيد»، تماما على غرار ما قامت به حكومة السيد محمد مزالي في الثمانينات من احتلال مقرات الاتحاد من قبل بعض الميليشيات وتنصيب ما عرف به «النقابيين الشرفاء».
هذا بالنسبة الى الهدف العملياتي المباشر، أما الهدف السياسي فهو مركّب ويتكوّن من ثلاثة أهداف متكاملة: 1 صرف أنظار الرأي العام عن التركيز على أزمة الحكومة والحراك الاجتماعي المتصاعد في مختلف الجهات.
2 إضعاف الاتحاد وصرفه عن دوره الوطني المحرج للحكومة وذلك من خلال شغله بمشاكل «داخلية» بعد ضرب مصداقيته. 3 استعراض حركة النهضة لقوّتها وتوجيه رسالة الى مختلف أحزاب المعارضة وحتى الى شركائها في الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بأنها تظل هي الأقوى ولا فائدة من محاولة زحزحتها او السعي الى فكّ قبضتها عن خناق الدولة.
ولتحقيق جميع هذه الأهداف تم رسم خطة حربية تأكدنا من وجودها من خلال بعض المعلومات واستقراء الوقائع، وتتمثل في: 1 تجييش ميليشيات ما يعرف «برابطات حماية الثورة» إضافة الى العناصر الجهادية في حركة النهضة وجلبهم الى العاصمة من مختلف الجهات. 2 تجميع الوافدين في نقاط معيّنة بالعاصمة ثم توزيعهم الى 3 مجموعات:
أ مجموعة ضاربة، وهي الأهم، تتكوّن من العناصر النوعية المعدة لمثل هذه المهام، وينحصر دورها في التوجه الى ساحة محمد علي لاحتلال المقر المركزي للاتحاد وتطهيره من عناصره القيادية باعتبارها من قوى الثورة المضادة، والقيام بتنصيب قيادة «ثورية» من العناصر النقابية النهضوية من جماعة ما يسمى بتيار الاصلاح النقابي بقيادة المدعو الأسعد عبيد... ولذلك تم اصطحاب هذه المجموعة أثناء الهجمة، كما تم اصطحاب كاميرا قناة الجزيرة لتغطية الحدث اعلاميا.
ب مجموعة ترابط بساحة القصبة
ج مجموعة ترابط أمام المجلس التأسيسي والغاية من هاتين المجموعتين اعطاء الحدث بعدا اعلاميا احتفاليا حال نجاح مجموعة البطحاء في مهمتها.
3 الاستفادة من مهلة لا تقل عن ساعتين قبل تدخل قوات الأمن لإنجاز المهمة وفرض الأمر الواقع. ولعله من المحيّر انشغال وزير الداخلية بإلقاء محاضرة وغلق هاتفه، في مثل تلك الظروف الأمنية المتفجرة والمتوقعة، ومن الأغرب ان يقضي أعوان الأمن كل تلك المدة الزمنية لقطع المسافة بين شارع الحبيب بورقيبة ونهج محمد علي بعد خطوات لا غير.
4 قيام عناصر قيادية في أحد الأحزاب بمتابعة الحدث آنيا بالصوت والصورة عبر الهواتف الجوّالة وانخراطهم في عملية التغطية على فشل المهمة القتالية للجماعة بتدخلهم المكثف على وسائل الاعلام مرددين نفس الرواية للأحداث محمّلين المسؤولية للمعتدى عليهم ودماؤهم ماتزال تسيل حارة في ظل تأخر عمليات الاسعاف. من البديهي طبعا ان أصحاب هذه الخطة لم يكونوا يأملون إحداث التغيير في قيادة الاتحاد او في مواقفه بهذه السهولة رغم تعويلهم على كامل المفاجأة، ولكنهم في كل الأحوال كانوا يعوّلون على إحداث بلبلة داخل المنظمة الشغيلة ووضع قيادتها في موقف ضعف لاخضاعها للمساومات السياسية.