رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    كيم يحذر من مخاطر خطة سيئول للغواصات النووية ويشرف على اختبار صاروخ جديد    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    تطوير خدمات الطفولة المبكرة محور لقاء وزيرة الأسرة ورئيسة غرفة رياض الأطفال    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    الفنيون يتحدّثون ل «الشروق» عن فوز المنتخب .. بداية واعدة.. الامتياز للمجبري والسّخيري والقادم أصعب    أمل حمام سوسة .. بن عمارة أمام تحدّ كبير    قيرواني .. نعم    تورّط شبكات دولية للإتجار بالبشر .. القبض على منظمي عمليات «الحرقة»    مع الشروق : فصل آخر من الحصار الأخلاقي    كأس إفريقيا للأمم – المغرب 2025: المنتخب الإيفواري يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف دون رد    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    من الاستِشْراق إلى الاستِعْراب: الحالة الإيطالية    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    تمديد أجل تقديم وثائق جراية الأيتام المسندة للبنت العزباء فاقدة المورد    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإتحاد نشأ مستقلاّ وهكذا انسحبت أنا وعاشور
عبد العزيز بواروي يروي شهادته على العصر: إعداد: سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 21 - 07 - 2007

نعود مرّة أخرى إلى شهادات الأخ عبد العزيز بوراوي على منبر مؤسّسة التميمي حول تاريخ الاتحاد وعلاقته بالحزب والحكومة والخلافات التي حصلت بينهما وأدّت إلى أزمات 57 و 65 و 78 و 85 وقد افتتح الدكتور عبد الجليل التميمي الحلقة السادسة من شهادة السيد عبد العزيز بوراوي مؤكدا على أهمية التعرف على التجربة النقابية بكل ما شهدته من انتصارات وانكسارات من خلال شهادات حية يقدمها بناتها بما لهم وما عليهم.
وبلا شك أن الأخ عبد العزيز بوراوي هو أحد هؤلاء البناة، وقد عاش تجربة لا تخلو من إشكالات ما زالت محل جدل بين النقابيين والمؤرخين، ويشرف المؤسسة أن تقدمه في الحلقة السادسة من شهادته حتى يلقي الأضواء على هذه الإشكالات، كيف عاشها؟ كيف تعاطى معها؟ كيف يقيمها الآن بعد أن هدأت العواصف وصارت ملكا للتاريخ ؟ هذا ما سنعرفه من خلال الحلقة السادسة، ولعلنا بذلك نساهم في بلورة الحقيقة التاريخية حول عدد من النقاط منها:
دور الاتحاد في تحرير الوطن وبنائه والمصادمات التي عرفها مع السلطة والتجاذبات التي وقعت في صلب القيادة في عدة محطات مفصلية والمعاناة التي تجرع مرارتها النقابيون.
دور الحزب عند تأسيس الاتحاد
استهل الأخ بوراوي شهادته في الحلقة السادسة بالتأكيد على ضرورة رفع لُبْس حصل حول دور الحزب الدستوري لديوان السياسيب في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، فأكد أن هذا الحزب ليس له أي دور في التأسيس، وأن تأسيس اتحاد النقابات لعمال الجنوب كان بتأثير حشاد وليس هناك أي اتصال به وبالتالي فالنشأة كانت مستقلة، لكن هذا الحزب قام بدور إيجابي لما أرسينا أرضية للتعاون في مرحلة الكفاح الوطني، كان ذلك على مستوى تكوين النقابات الأولى بعد التأسيس وعلى مستوى النضالات التي قمنا بها.
وبخصوص الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 1981 قال الأخ عبد العزيز بوراوي اتخذنا قرار المشاركة في الجبهة الوطنية بشكل ديمقراطي هيكلي، ولم يكن قرارا فرديا ولم يمله علينا أحد. ويذكر هنا أنّ الاتحاد شارك في تلك الانتخابات في إطار جبهة مع الحزب الاشتراكي الدستوري وبقية المنظمات وحصل منها على 27 مقعدا.
وبخصوص المجلس الوطني وقرار رفع الاستثناء قال الأخ بوراوي لقد عملنا بعد مؤتمر قفصة على انجاز قرارات المؤتمر وفي مقدمتها رفع الاستثناء عن الأخ الحبيب عاشور ولهذا الغرض اتصل الأخ الطيب البكوش بوصفه الأمين العام بالرئيس بورقيبة مرتين وطرح معه الموضوع، وكان جوابه سأفكر في الموضوع، وقد تمّ رفع الاستثناء على مراحل حيث تم أولا تمكين الأخ الحبيب عاشور من الاستشفاء بقربص ثم نُقل إلى مسقط رأسه بقرقنة حيث كان يتمتع بحريته كاملة.
قبيل انعقاد المجلس الوطني، وقع استدعاؤنا كمكتب تنفيذي صحبة عاشور والسيد محمد مزالي إلى قصر قرطاج ، وهناك أشاد بورقيبة بعاشور ثم أعلمنا: أنه قرر رفع الاستثناء عنه على أن يكون وجوده بالاتحاد شرفيا قائلا له:ب أنت تعبت وعليك أن ترتاح، وهذا ما لم يقبله عاشور فاتجه إلى بورقيبة قائلا : لماذا تحرمني من المشاركة، إني مازلت قادرا على أداء دوري. وهنا تدخلتُ، فطلبت من بورقيبة أن تكون هذه الخطوة شاملة ويكون التصالح كاملا. ثم تدخل الأخ الطيب البكوش قائلا سيدي الرئيس أرجو أن تتركوا لنا معالجة هذا الأمر، فانفعل بورقيبة ورد بقوة هل أنا رئيس الجمهورية أم أنت؟ من الذي يتخذ القرار؟
وخشية أن يتأزم الموقف تدخلت من جديد وقلت : إن هذا القرار يهم الوطن وأطلب من عاشور أن يقبل مقترح السيد الرئيس، وكان هدفي هو التخلص من الموقف الحرج، وهذا ما لم يُفهم وقد لا يكون واضحا. وأخيرا اتجه بورقيبة إلى مزالي قائلا : احرر بلاغا برفع الاستثناء ثم تحولنا إلى نزل أملكار حيث رتبنا أمورنا واتفقنا على الإجراءات التي سنقوم بها قبل أن نلتحق بالمجلس الوطني للاتحاد الذي كان بصدد الانعقاد، وهناك كانت الفرحة عارمة. وكان هناك إشكال قانوني ، فالقانون الأساسي لا يخول للمجلس الوطني تحويره ، لذا اتخذنا قرار إحداث منصب رئيس للاتحاد وتركنا للمؤتمر مهمة التحوير والإقرار. ومنذ تلك اللحظة صار للاتحاد رأسان: الرئيس عاشور والأمين العام الطيب البكوش.
النقابة الموازية - الاتحاد الوطني للشغل: لماذا؟ وكيف ؟
ما أن اعتلى عاشور كرسي الرئاسة في الاتحاد حتى بدأت ردود الفعل ومخاطر ازدواجية المسؤولية، فقد استغل مهمته الجديدة لتصفية الحسابات بطريقة تصاعدية حيث أوعز لأنصاره في الاتحادات الجهوية وبقية الهياكل بتنقية الهياكل من خصومه وتغيير موازين القوى لفائدته. وكانت البداية من الاتحاد الجهوي بالقصرين والاتحاد الجهوي بسوسة، وقد أخذت هذه التحويرات في ظاهرها صبغة ديمقراطية تستند إلى توفر الأغلبية، لكن خلفيتها التصفوية لم تكن خافية على أحد ، وقد اعترضنا على هذه الممارسات ورجونا من عاشور أن يضع لها حدا خوفا من تداعياتها السلبية . وأبدى تفهما لكنه لم يترجم ذلك على المستوى العملي، واستمر ذلك الصنيع طيلة سنة ونصف. كما وظفت ميزانية الاتحاد بمكيالين، فهي تُنفق بسخاء على الأنصار لتسهيل مهمتهم وتُحجب على الخصوم لعرقلتهم. وكان الهدف هو تغيير موازين القوى بخلق أغلبية مريحة تساعده على التخلص منا على المستوى المركزي في المؤتمر القادم. وأفظع ما وقع كان للأخ الناجي الشعري الذي كان قد أصدر بيانا اتهم فيه عاشور باستعمال العنف اللفظي وقرر سحب ثقته منه لمنع عاشور من الدخول إلى دار الاتحاد فوجه له عاشور أفظع الشتائم. وإزاء هذا الوضع انقسم المكتب التنفيذي إلى فريقين:
فريق رافض لسلوك الحبيب عاشور الفردي ولعمله التصفوي وضم ثمانية:الطيب البكوش عبد العزيز بوراوي ، الصادق بسباس، عبد الرزاق غربال ،خير الدين الصالحي، مصطفى الغربي ، عبد الحميد بلعيد ، الناجي الشعري.
فريق موال له وضم خمسة:الحبيب بن عاشور ،خليفة عبيد، حسين بن قدور، الصادق علوش، خيرالدين بوصلاح.
وهكذا كنا في أغلبية على مستوى المكتب التنفيذي، فاجتمعنا سرا وتدارسنا الوضع ومما قاله الأخ الطيب البكوش :ب هذه فرصة يجب استغلالها لإصلاح الوضع بالاتحاد بكل الوسائل القانونية المتاحة وقررنا الامتناع عن الحضور حتى نخلق فراغا حول عاشور مع تواصل تحمل مسؤوليتنا في صلب الاتحاد وكلفنا الطيب البكوش بالدفاع عن موقفنا في غيابنا لدى الهياكل. كما أعددنا بيانا شخصنا فيه الأزمة من حيث التجليات والأسباب منذ عودة عاشور.
وقد بدت مظاهر الأزمة في :
تفكك الوحدة النقابية.
سوء التصرف في ميزانية الاتحاد.
دوس قانون الاتحاد.
وتعود أسباب الأزمة إلى:
السلوك الفردي لعاشور وهذا ما ورد على لسانه في جريدة Le Monde التي صرح لها قائلا :بإما أن أكون عرفا Patron أو لا أكونب وفي هذا دوس للقانون الأساسي للاتحاد.
استخدام عناصر لخدمة أهدافه الشخصية.
تنصيب عناصر في بعض المواقع كجامعة النسيج.
استخدام العنف اللفظي لإهانة زملائه مثلما حصل مع ناجي الشعري وهذا ما لم أعهده من عاشور.
الاتصالات الفردية مع بعض المنظمات الوطنية أو الأجنبية دون الرجوع إلى الهياكل
وبهذا استحال العمل معه داخل المكتب التنفيذي.
وكان الأخ الطيب البكوش هو الذي صاغ البيان ولكنه اعتذر عن إمضائه قائلا ا الأفضل ألا أمضي معكم حتى لا أكون في موقع الخصم والحكم في نفس الوقت وهذا ما أثار غضب خير الدين الصالحي الذي هم بمقاطعة الاجتماع قائلا ها قد بدأ التلاعب
وحتى أحافظ على تلاحم المجموعة اقترحت أن نحرر محضر جلسة داخلي يمضيه الطيب البكوش فوافق ثم أخذ النص ليصلح أخطاءه اللغوية ولم نعرف مصيره إلى اليوم.
الهيئة الإدارية تطرد السبعة
عندما علم عاشور بالبيان الذي أمضاه السبعة من أعضاء المكتب التنفيذي اعتبره تمردا عليه، فدعا الهيئة الإدارية إلى الاجتماع دون أن يوجه إلينا الدعوة . أثناء المداولات تباينت الآراء بين مُطالب بالرفت بصفة نهائية ومُطالب بالتجميد (البكوش). أما عاشور فكان يلح على تجريدنا من الصفة النقابية وطردنا نهائيا. وأخيرا وقع طردنا تطبيقا للفصل11 من القانون الأساسي المتعلق بمخالفة الخيارات العامة للمؤتمر لا حسب الفصل 18 الذي يسمح بالتوقيف لا بالرفت.
في البداية لم يكن في نيتنا أن نؤسس نقابة موازية لكن أمام هذا الإجراء التعسفي قررنا ألا نستسلم، واعتبرنا القرار مرفوضا شكلا ومضمونا وطرحنا على أنفسنا : ما العمل؟ فاستأنسنا بالتجارب السابقة وخاصة بتجربة الاتحاد التونسي للشغل التي خضناها مع الحبيب عاشور نفسه ضد أحمد بن صالح سنة 1956 ، ورغم ذلك لم تتّخذ الهياكل قرارا بالطرد ضدنا رغم تمردنا على المركزية النقابية، وعلى العكس من ذلك كانت هناك دعوة للتهدئة. أما اليوم فالأجواء كانت متوترة و سُدّت أمامنا كل الأبواب ووجدنا أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام أو التصدي ، فاخترنا الثاني، لكن من أين سيكون التصدي؟ هل من داخل المنظمة أم من خارجها؟ إن المواجهة من الداخل مستحيلة ، فالهياكل معبأة ضدنا، لذا فالحل الوحيد لا يكون إلا من خارجها.
عقدنا ندوة صحفية في منزلي حضرها الأخ الطيب البكوش تحدثنا فيها عن الظروف التي أدت إلى هذه الأزمة وأعلنا عزمنا على بعث نقابة موازية فدستور البلاد لا يتضمن أي نص يمنع ذلك.
مَنْ وراء التصعيد ؟
هناك تيار يساري راديكالي تسرب إلى الاتحاد العام التونسي للشغل هدفه السيطرة على المنظمة، وقد سعى إلى ذلك من خلال عزل عاشور عن رفاقه، وإبعاد هؤلاء عن الساحة النقابية حتى يتفرد به ويبعد هو الآخر ، وقد ورد في أحد المناشير السياسية لهذا التيار الراديكالي ا كيف نزيح التيجاني ونبقي عاشور؟
مزالي لم يوعز ولم يشجع لكنه سكت عنا
عندما قررنا التأسيس كلفنا خير الدين الصالحي بإبلاغ رغبتنا إلى السيد محمد مزالي الوزير الأول آنذاك فلم يتحمس لمشروعنا بل إنه أظهر معارضة قائلا :ب لقد كنت نقابيا في التعليم الثانوي وناضلت في صلب الاتحاد ويعز عليّ اليوم أن تتكون نقابة موازية لضرب الاتحادب ولم يبد أي استعداد لتشجيعنا لكنه سكت عنا.
شرعنا في تكوين هياكل نقابية انطلاقا من النقابات الأساسية فالفروع الجامعية فالاتحادات الجهوية فالجامعات إلى المركزية النقابية التي تشكلت في فيفري 1984وضمت السبعة المطرودين مع ثمانية آخرين.
وبعد أن ظهر الاتحاد الوطني كمنظمة موازية بدأت الحكومة تتعامل معه فمنحته بعض الإلحاقات في إطار التفرغ وتسلمنا مقر نهج الجزيرة على سبيل الكراء ولكنها رفضت أن تمتعه بالاشتراكات المخصومة مباشرة من الأجور مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، وطلبت من الشُّعب أن تتريث وألا تلتحق بمنظمتنا.
لكن في سنة 1985 توتر الوضع الاجتماعي، حيث تقدم الاتحاد العام التونسي للشغل بالعديد من المطالب رفضتها السلطة، فتصاعدت وتيرة الإضرابات، فطلب مزالي توقيفها، فرفضت ذلك قيادة الاتحاد العام . ومما زاد الطين بلة أن البلاد تعرضت لتحديين.
عملية طرد العمال التونسيين من ليبيا ، فاعتبرها النظام التونسي ضربة موجهة إليه لتعجيزه وإنهاكه، واستغل توتر العلاقات مع ليبيا ليرفض الزيادة، فازدادت العلاقات سوءا ، فوقعت بعض المساعي الحميدة قام بها السيدان : الشاذلي العياري وحمودة بن سلامة ، لكنها آلت للفشل.
الغارة التي شنها الطيران الصهيوني في غرة أكتوبرعلى مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط، وذهب ضحيتها العديد من الفلسطينيين والتونسيين
وهذا ما جعلنا مرنين في مطالبنا، فقد أكدنا على الرفع من المنح العائلية ومنحة الأجر الوحيد آخذين بعين الاعتبار الظروف التي تمر بها البلاد خاصة بعد طرد عمالنا من ليبيا، في حين تمسك الأخ عاشور بالمطالب التي قدمها دون أن يراعي المستجدات، وأعلن عن سلسلة من الإضرابات في مختلف القطاعات. وقد آل هذا التوتر إلى وضع عاشور تحت الإقامة الجبرية ثم أعدت له الحكومة ملف إدانة وأحالته على العدالة صحبة ابنه ثامر واتهمتهما بالتلاعب بممتلكات الاتحاد بما في ذلك شركة التأمين ونزل أملكار
الشرفاء ودورهم
في إطار هذا المناخ المتوتر، ظهرت مجموعة من النقابيين الدستوريين سماهم مزالي
االشرفاءب (وهي من الأسماء الأضداد، فالشرفاء تاريخيا، عرفوا في الدولة العباسية، وينتسبون إلى عائلة الرسول، وقدمت لهم الكثير من العطايا والخدمات احتراما لنسبهم واتقاء لمعارضتهم، أما شرفاء الحركة النقابية فهم الذين خذلوها ووضعوا أنفسهم في خدمة الحكومة لتدجينها حتى تتحول إلى عربة مجرورة للحزب الحاكم والسلطة).
وكانت بداية ظهورهم في مدينة المنستير حيث شجع الوالي منصور السخيري مجموعة من العناصر الدخيلة على العمل النقابي ، في مقدمتهم على الأشعل،على مهاجمة دار الاتحاد الجهوي وافتكاكها، وعلى منوالها نسجت هذه العناصر في بقية الولايات وصولا إلى المقر المركزي بساحة محمد علي، وشكلت مكتبا للتنسيق، ثم عقدت مؤتمرا في 29 أفريل 1986أسموه مؤتمر التصحيح.
وكان موقفنا من الصراع بين قيادة المؤتمر 16 والشرفاء الذين يدعمهم النظام هو ملازمة الحياد.
ومع نهاية 1985 وبداية 1986تواجدت في الساحة النقابية ثلاث تشكيلات نقابية : الاتحاد العام التونسي للشغل (الشرعي المنبثق عن المؤتمر 16) الاتحاد العام التونسي للشغل (الشرفاء المنبثق عن المؤتمر التصحيحي) الاتحاد الوطني التونسي للشغل.
نداء رئيس الدولة للتوحيد
لتجاوز هذه التعددية وجه رئيس الدولة نداء للوحدة النقابية سنة 1986 بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس الاتحاد 20 جانفي، وفي غرة ماي دعا رئيس الحكومة الأطراف الثلاثة للعمل على تجسيد هذا النداء، فتجاوبنا معه من حيث المبدأ وحضرت الاجتماع الذي تغيب عنه المكتب التنفيذي للمؤتمر 16 وبذلك فشل هذا المشروع منذ البداية.
وشاءت الظروف أن يعزل بورقيبة محمد مزالي يوم 8 جويلية 1986 عن رئاسة الحكومة وأن يسندها إلى السيد رشيد صفر ويحرمه من متابعة محاكمة عاشور التي تمت في ديسمبر1986 وكان مزالي قد لاذ بالفرار في زي تاجر جربي عبر الحدود التونسية الجزائرية مقتفيا أثر أحمد بن صالح ، في شهر سبتمبر 1986 خوفا من أن يحال على المحاكمة التي قال عنها: ا إنها محاكمة صورية وهو يعرف كيف تدار المحاكمات ا
لذلك وأمام احتلال الشرفاء لمقرات الاتحاد وامتناع قيادة المؤتمر 16 عن الحضور والمشاركة وأمام تعطل الحياة النقابية ، أصبح لزاما علينا أن نفكر ما العمل ؟
وهكذا وقع الاتصال بالحكومة التي كان على رأسها رشيد صفر وكان متعاطفا مع الاتحاد وحاول فض الإشكالات المطروحة، فتمّ الاتفاق على تكوين لجنة تتكون من 12 عضوا، 4 عن كل تشكيلة نقابية تعد لعقد مؤتمر استثنائي ، غير أن قيادة مؤتمر 16 رفضت ذلك، لكنها في نفس الوقت انقسمت بين مؤيد للوحدة ورافض لها. وقد انضم للحل كل من : الصادق علوش والحبيب بن عاشور وحسن حمودية ومصطفى الكنزاري مع حضور ابن رميلة وإسماعيل السحباني الذين وافقا في الأوّل ثم تراجعا.
جرت هذه الاستعدادات في 19 ديسمبر1986وأصدرنا بيانا أكدنا فيها عزمنا على عقد مؤتمر جديد يضم الأطراف الثلاثة: الشرفاء ، والاتحاد الوطني والمنشقين عن المؤتمر 16 وهذا ما أنجزناه في شهر جانفي من سنة1987بحضور الرئيس بورقيبة ، وفعلا تشكل مكتب تنفيذي يتكون من :عبد العزيز بوراوي ، الصادق علوش ، الحبيب بن عاشور ، المنصف قمر، خليفة عبيد، على الأشعل، مصطفى الكنزاري، خير الدين الصالحي ، عبد الستار الشناوي ، حسن حمودية، بلقاسم الحمايدي، محمد العليمي وعبد الرزاق غربال، أما إسماعيل الآجري فقد عينه بورقيبة قنصلا. ووجدنا كل التشجيع من السيد رشيد صفرعند ترؤسه للحكومة.
تحول 7 نوفمبر والحركة النقابية
في نفس اليوم الذي حصل فيه التغيير اجتمع المكتب التنفيذي وأصدر بلاغا دعم فيه حركة التغيير وكنا أول من بادر من المنظمات التونسية، واعتبرناها حركة إنقاذ لتونس التي كانت على شفا حفرة من الانهيار، غير أن الإذاعة حذفت منه فقرة بالرغم من أننا أخذناها من بيان 7 نوفمبر.
بدأت الاتصالات عبر السيد حامد القروي بالفصائل النقابية، فرفضت قيادة المؤتمر 16 عقد مؤتمر توحيدي مع القيادة الموجودة آنذاك وصدرت لائحة وقعها 61 إطارا في الغرض.
وفي يوم الثلاثاء 4 أفريل 1988دعاني الرئيس الزين بن على لقصر قرطاج فوجدت عنده الحبيب عاشور وفي اللقاء المشترك ذكرنا الرئيس بأن الوضع لاقتصادي في البلاد متأزم ولا يمكن أن يستمر هكذا، وهو في حاجة إلى مجهود النقابيين ، وأريد منكما الحل، فتعانقنا وتصالحنا بحضور الرئيس، ودار الحوار التالي :
بوراوي : اقترح أن ننسحب أنا وعاشور من الساحة النقابية ونترك المجال لغيرنا
الرئيس كيف وأنت أمين عام ؟
الأخ الحبيب عاشور: إن صحتي لم تعد تسمح لي بتحمل المسؤولية
الرئيس : أريد حلا
بوراوي: نكوّن لجنة لإعداد مؤتمر توحيدي جديد
الرئيس كيف ؟
بوراوي : نكون اللجنة ونسند رئاستها إلى الأخ خير الدين الصالحي
عاشور: نضيف علي بن رمضان
بوراوي: نصدر بلاغا حول هذا الاتفاق .
وهنا دعانا الرئيس إلى الفطور وكان ذلك بحضور السيد الحبيب عمار وزير الداخلية آنذاك، وطلب تسمية أحد الشوارع باسم عاشور
عاشور : كيف وأنا مازلت على قيد الحياة.
الرئيس: ذلك ممكن جدا وقد وقع في العديد من البلدان.
وتولى السيد عبد الحفيظ الهرقام صياغة البيان الذي أشرت إليه.
تعقيب من الأخ الصادق بسباس والأخ محمد عزالدين
كان انسحاب السبعة في البداية من المكتب التنفيذي لا من الاتحاد ولم نفكر في تأسيس نقابة موازية والحبيب عاشور هو الذي أحدث القطيعة. أمّا فيما يتعلّق بالشغور فإذا كان محدود 1 أو 2 أو 3 يمكن تعويضهم من طرف الهيئة الإدارية أما إذا كان يهم أكثر من الثلث فلا يتم إلا من خلال المؤتمر،وهنا يكمن انتهاك القانون الأساسي.
الاتحاد الوطني رفض الوحدة مع الشرفاء، كنا نعتقد أن الوحدة ستعود مع ,1988 وأن الشرفاء لا مستقبل لهم .
الطيب البكوش أخذ المحضر لمعالجة أخطائه اللغوية ولم يرجعه. وبدوره تدخّل الأخ محمد بن عزالدين فقال انّ الاتحاد ليس له مليشيا بل تصدى لمليشيا الحزب وأضاف أنّ الاتحاد بعد 1960 صار يقوده الشيوعيون والخونة والبكّايا وأنّ عاشور في مؤتمر بنزرت لم يغدر ولم يكن خبيثا والظروف كانت أقوى منه.
أسئلة وملاحظات
في نهاية هذا العرض تقدم الحاضرون (باحثون، أساتذة، رفاق لبوراوي وصحافة) تقدموا بمجموعة من الملاحظات والأسئلة منها:
إن عاشور لا تختلف ممارسته في الاتحاد عن ممارسة بورقيبة في الحزب بما في ذلك استعمال المليشيا.
ليس هناك أمين عام لم توافق عليه السلطة.
الاتحاد الوطني ما كان له أن يوجد لولا موافقة السلطة كما يقع الآن مع الجامعة العامة للشغل، فهو لم يسمح لها بعقد ندوة صحفية ولكنها سمح لها بتوزيع المناشير الملتهبة.
الخلاف بين النقابيين بدأ في السجن قبل أحداث قفصة حول عدة مسائل منها : تصرف عائلة عاشور في ممتلكات الاتحاد.
إن العاشورية ظاهرة طغت على الاتحاد في حياته و بعد مماته وأوضحها ممارسة إسماعيل السحباني.
الطيب البكوش تخلى عن السبعة بعد أن اقتنع بأن النظام يحركهم.
إن كل التداعيات السلبية التي حدثت للمنظمة الشغيلة كانت نتيجة مباشرة للتنازلات التي قدمها المكتب التنفيذي عندما اتصلت به السلطة في السجن على إثر حادثة قفصة عن طريق عبد الرحمان تليلي بعد أن عجزت عن تطويع الحبيب عاشور، فكان التحالف مع المنصبين وكان القبول برفع الاستثناء عن الأمين العام وكانت العودة إلى أحضان الحزب والدخول في الجبهة الانتخابية ثم كانت سياسة التصفية التي مارسها عاشور على رفاقه الذين تخلوا عنه وقت الشدة وهذا ما أضعف المنظمة في الثمانينات.
هل تعرضتم لضغط السلطة بعد 7 نوفمبر للخروج من الساحة النقابية؟
ما رأي السيد بوراوي في التعددية وهو الذي عاش التجربتين الأحادية والتعددية.
بعض الردود
يمكن اعتبار العديد من الملاحظات قراءة للأحداث ولكل منا الحق في تقديم القراءة التي اقتنع بها.
إن تأسيس الاتحاد الوطني كان اضطرارا وليس اختيارا، لم نكن راغبين في هذا التأسيس أو في إضعاف منظمتنا، ومع ذلك فهذه العملية أفقدتني العديد من الأصدقاء، وما زالت تهمة الانشقاق عن المنظمة الشغيلة والتخلي عن رفيق الدرب، تلاحقني.
عاد الوئام بيني وبين عاشور بفضل ابن علي الذي كان يرى في قوة المنظمات قوة للبلاد.
الطيب البكوش تعامل بصفة ديمقراطية وهو رجل مثقف ولكنه لم يكن صادقا معنا وناور عندما رفض الإمضاء ولم يدافع عنا.
لقد انسحبنا من الساحة النقابية باختيارنا ولم نتعرض لأي ضغط.
وفي الأخير أنهى الأخ بوراوي حلقاته الست بكلمة عاطفية جد مؤثرة وكأنه يودع الحياة النقابية اتجه فيها بالشكر إلى مؤسسة التميمي التي وفرت له هذه الفرصة التاريخية النادرة ليرفع عن نفسه كابوسا طالما صعب عليه حمله، وليقدم تجربة نقابية بما لها وما عليها لمناضل لم يدّع العصمة ولا المثالية، غير أنها تجربة صادقة وأشهد اللّه على ما قال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.