يعد رفض المصادقة على ميزانية رئاسة الجمهورية ، كباب من أبواب ميزانية الدولة للعام الجديد، سابقة في تاريخ السلطة التشريعية في تونس يمكن أن ترتدي عدة أوجه وأن تحتمل عديد القراءات والتأويلات، في الداخل كما في الخارج . ورغم أن من حق نواب التأسيسي ومن واجبهم رفض المصادقة على أي ميزانية يرون فيها شططا أو إهدارا للمال العام في أوجه لا تفيد مؤسسات الدولة أو الشعب، فإن هذا الرفض كان مفترضا التعبير عنه داخل اللجان الخاصة والتعرض إلى الاخلالات أو التجاوزات والدعوة إلى تداركها قبل المرور إلى التصويت في الجلسة العامة.
صحيح أن الكثيرين رأوا أن امتناع أعضاء التأسيسي على المصادقة على الزيادة في ميزانية رئاسة الجمهورية بقرابة 8 مليارات مقارنة بميزانية السنة الفارطة، حرصا على المال العام ودعوة إلى التقشف ، لكنه رأي لا يحوز الإجماع باعتبار أن النواب صادقوا على الزيادة في ميزانيتي رئاسة الحكومة والمجلس التأسيسي رغم الزيادة فيهما .
وفي المقابل، فإن الزعم بأن عدم التصويت على ميزانية رئاسة الجمهورية جاء بقرار سياسي، له ما يبرره ومن يتبناه، في علاقة بالتوتر الظاهر في علاقة رئيس الجمهورية بالحكومة ومن ورائها النهضة، حزب الأغلبية الحاكمة ، التي انتقدها الرئيس في أوت الماضي خلال المؤتمر الوطني الثاني لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، إضافة إلى تمسكه بضرورة تكوين حكومة مصغرة تضم كفاءات وطنية، وموقفه من تسليم البغدادي المحمودي ومن ضعف صلاحياته.
الأكثر حكمة وتعقلا في البلاد ألمحوا إلى ضرورة إبعاد مؤسسة التأسيسي عن التجاذبات السياسية وعن تصفية الحسابات حفاظا على صورة البلاد وعلى الانتقال الديمقراطي ،الذي بات مهددا ، نتيجة تكرر حالات التوتر و التشنج في المشهد السياسي .
فهل يؤدي هذا « التناطح» السياسي إلى إسقاط ميزانية الدولة وقانون المالية للعام الجديد والاستنجاد برئيس الجمهورية للإمضاء عليهما بأمر جمهوري، لتكون سابقة أخرى في تونس ستترك آثارا أخرى في الترويكا الحاكمة وفي المشهد السياسي العام ؟