ضبط استراتيجية جهوية لمكافحة ظاهرة الإدمان من أهم النقاط التي تمخضت عنها جلسة العمل التي احتضنها مركز الدفاع والإدماج الاجتماعي الهدف منها تكوين لجنة جهوية لمكافحة ظاهرة الإدمان في غياب إستراتيجية تدخّل واضحة وقاعدة بيانات خاصة. بدأت هذه الظاهرة تستفحل شيئا فشيئا خاصة في الأوساط المدرسية وتمسّ شريحة كبيرة من الأطفال والشبان ما تجعل منها من المواضيع ذات الأولوية من حيث الطرح والدراسة المعمقة بعدما كانت من المسائل المسكوت عنها.
والإطارات العاملة صلب مركز الدفاع والإدماج الاجتماعي أخذت على عاتقها التطرق بكل جدّية إلى هذه الظاهرة والعزم على إيجاد أرضية ملائمة وفعّالة من أجل التوصل إلى نتائج ملموسة قصد ضبط إستراتيجية جهوية لمكافحة ظاهرة الإدمان عبر إعداد دراسات ميدانية معمّقة يمكن من خلالها إحداث قاعدة بيانات خاصة بها في ظل عدم وجود الأرقام والمعطيات الكافية مع العمل على تفعيل آليات الرصد والوقاية والعلاج والمتابعة. وقد أصبحت القناعة راسخة بأن هذا العمل المُضني والجاد لا يمكن أن يعطي ثماره ما لم تتوسع دائرة المتدخلين ويتم تفعيل العمل الشبكي الذي يضمن في أغلب الأحيان نتائج ملموسة في ظل تواجد الكفاءات والخبرات في عدة ميادين.
لهذا السبب كان توجّه مركز الدفاع والإدماج الاجتماعي نحو تكوين لجنة جهوية تضم عدة مختصين من مجالات مختلفة، فانعقدت مؤخرا جلسة عمل حضرها ممثلون عن عدة قطاعات على غرار الصحة والتعليم والداخلية والعدل والشباب والطفولة والتشغيل...
وافتتح مدير مركز الدفاع والإدماج الاجتماعي أحمد رفيق بوكتيف أشغال الجلسة التي كانت تحت عنوان «أهمية العمل الشبكي في التصدي لظاهرة العنف» فتطرق إلى تجربة المركز في مجال الوقاية والعلاج من هذه الظاهرة، ففي هذا المركز يوجد فريق متعدد الاختصاصات يضم أخصائيين اجتماعيين ونفسانيين من ذوي الخبرة في التعاطي مع الفئات المستفيدة من المركز مثل المدمنين الذين يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم خاصة وأن العديد منهم قد تم التغرير بهم واستقطابهم داخل مجموعات من المنحرفين وتجار المخدرات. وتطرق مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بنابل وعضو المرصد التونسي لاستقلال القضاء عياض الشواشي إلى الاتفاقيات الدولية في مجال المخدرات (اتفاقية المجر 1961 واتفاقيتي فيينا 1971 و1981) والجرائم المتصلة بها مثل الاستهلاك والترويج والعنف والسرقة والقتل، وأكد أن العقوبات في هذا الشأن تتراوح بين الجانب الزجري والردعي للبالغين والحمائي للأطفال عبر مجلة حماية الطفل. وقال إن الاختلافات بين القانون الأوروبي وخاصة الفرنسي والقانون التونسي في مجال التعهد بمتعاطي المخدرات هي اختلافات جوهرية، فالقانون الفرنسي يندرج ضمن استراتيجية الصحة العمومية التي تعتبر أن المدمن مريض وجب الاهتمام به صحيا وعلاجه وبالتالي تغليب الإجراءات الاحترازية على عكس القانون التونسي الذي ينتهج إجراءات قضائية وردعية.
وشدّد على ضرورة تعويض العقوبات القضائية بتدابير احترازية ومراعاة الجانب الصحي والنفسي للمدمن وتغليبه على الجانب الردعي خاصة بالنسبة للأطفال سعيا إلى وقايتهم من مخاطر الإدمان ومساعدتهم على الإقلاع نهائيا.
وأكد بقية الحضور أهمية العمل الشبكي في التصدي لهذه الظاهرة مع ضرورة انتهاج مقاربات حقوقية علاجية وقائية، وشدّدوا على أهمية التكامل وتقاسم الأدوار بين مختلف الهياكل ذات العلاقة على غرار الصحة والتشغيل والتعليم والعدل والشباب والطفولة والشؤون الاجتماعية...
وقد تمخضت أشغال هذه الجلسة على الاتفاق المبدئي على تكوين لجنة جهوية تضم عدة متطوعين في عدة قطاعات تكون مهامها الرئيسية وضع استراتيجية جهوية لمكافحة ظاهرة الإدمان وإعداد دراسات ميدانية معمقة وإحداث قاعدة بيانات خاصة بهذه الظاهرة، كما سيكون من مشمولاتها التكوين والإعلام والرصد والوقاية والعلاج والمتابعة.