كل عام وأنتم بخير.. طوينا سنة إدارية واستقبلنا جديدة وثمّة من احتفل كما كان يفعل وثمّة من التزم بفتوى التحريم.. ومرّ العام الثاني على ثورتنا التي نعتوها بثورة الياسمين وهي لم تكن في فصله ولا اندلعت من موطنه.. وعندما انتقلت الشرارة الى ساحات أخرى قالوا انه الربيع العربي.. وصدقنا ونحن نحب جمال اللفظ حتى لسواد. فهل جمعنا من الربيع باقة يضُوع أريجُها علينا اليوم ويبقى عطرها لمستقبل الأجيال ؟ في تونس انطلق المارد من القمقم، وعمّ الجبال والوهاد طوفانُ الحرية.. لا احد ينكر ذلك.. ونظمنا انتخابات انتظرناها دهرا ورأيناها فخرا ورجونا منها يُسرا.. فتمخضت عن «شرعية» وعن «معارضة» تقاسمتها أحزاب متناحرة .. «ترويكا» «تحكم» وباسم الشرعية تريد ان تفرض بل سارت في الفرض.. ومعارضة رفضت الفرض والسُّنّة وتجهد لإفشال الشرعية بالطول والعرض.. وقطاعات متحفزة تخشى عودة الهيمنة من جديد (في الإعلام والقضاء والإدارة الخ ).. وكلٌّ يحشد له الأنصار من حلاله ومن حرامه.. وبالتدريج كدنا ننسى أهداف الثورة وأصبح همُّ الجميع الحفاظ على المكاسب والمناصب.. والنتيجة اقتصاد يترنح.. تشغيل موءود.. الجهات المحرومة بقيت تعاني الحرمان.. مجلس تأسيسي تلهّى بغير الدستور.. حكومة تتأرجح بين ضعف مُربك وقوة مرفوضة.. وبين هذا وذاك إدخال البلد في مواطن للسياسة الخارجية تثير الخوف أكثر من الارتياح.. وإطلاق بالونات واحدة تلو الأخرى لتحويل الأنظار عن مشاكل يومية يعيشها المواطن في رزقه وأمنه وأعصابه.. وتعترف «الترويكا» بالخلل فتتحدث عن تحوير في المناصب ونحن أكبر حاجة الى تحوير في السياسات والعلاقات.
في مصر استنساخ تقريبا لما جري في تونس خلال الثورة وما يجري بعدها في اليمن ترك الرئيس الكرسي لنائبه واحتفظ لنفسه بالسلطة فيما بقي البلد غارقا في مستنقع الفقر و«القات» في ليبيا دُكّت الأرض دكّا وفُتحت أبواب الجحيم على الأرض وأمطرت السماء قنابل وصواريخ.. وأُسر القذافي فقتل.. وتزيّل أهل البلد كلّ برُكنه.. أنشأوا الهياكل الوطنية بانتخابات ديمقراطية لكن عمليا انحازت القبائل الى مناطقها بتقسيم، واضح على الأرض، مرفوض في الخطابات. وامتدت ألسنة اللهب تُشعل سوريا فتجمّع عليها الناهشون لحم الأناسي من كل حدب وصوب.. ولم تعد الساحة صراعا لنظام مستبد ضد معارضة وطنية، بل حربا كونية وقودها السوريون وغير السوريين. وبتسريبات وتصريحات تبين ان هذا الربيع رُسمت صورته في عواصم غير عواصمنا، وهي تُعدّل ويُعاد صبغُها بما تهواه عيونٌ ليست عيوننا. إنها صورة سريالية لربيعنا العربي العتيد.. ربيع أحببناه مزهرا لكن الى حد الآن بدا قارس النسمات ذاوي الزهرات.. فهل ستستفيق الشعوب لإروائه حتى يُزهر بحقّ؟ يبدو ان ذلك يتطلب الكثير من الوقت، ومن الجهد، ونأمل ألا يكون من الدم أيضا.