قد تصيبنا الصدمة في البداية ويعلو محيانا الاستغراب ونحن نطالع الأرقام الخيالية التي تحققها مبيعات أصناف معينة من الكتب في الوطن العربي، مقابل شلل شبه تام أصبحت تعانيه حركة توزيع الأصناف القيّمة التي أعياها الانتظار على الرفوف. فبإجماع كل الدراسات التي أعدّت في الغرض والاحصائيات الصادرة عن أكثر من هيئة عربية فإن كتب الحظ والطبخ وعناوين أخرى على غرار «طريقك الى السعادة» و»كيف تكونين رشيقة» و»أسرار ليلة الدخلة» حققت النسبة الأعلى في الرواج خلال العشرية الأخيرة.. وآخر التوقعات تبشّر بالمزيد في قادم الأيام والسنين. لكن مظاهر الدهشة تنتفي وتخف حدة الصدمة بمجرّد إلقاء نظرة ماسحة على المشهد العربي بأكمله.. فكل شيء يوحي بالاستخفاف ويروّج للخفيف. أعرق أمة أصبحت «خفيفة» كورقة تعبث بها رياح الطامعين. في السينما أضحت الغلبة لأفلام «الأكشن» أو الخفّة والضحكة الخفيفة التي تجتاز حدود الشفاه.. بينما ترقد الأعمال القيّمة وتظل لسنوات حبيسة العلب. وفي الغناء ايقاعات خفيفة، هرج يطرق الآذان دون أن ينساب الى الأعماق، صور تشوش تركيز الناظر حتى يخرج في نهاية المطاف دون انطباع محدّد... ومع ذلك تنال هذه النوعية نصيب الأسد في التوزيع والرواج بدعوى عصر السرعة والخفة. وعندما تحاول الهروب بالقيام بنزهة تخفف عنك وطأ الصدمة، تصادر ناظرك مطاعم «الفاسد فود» أو الأكلات الخفيفة التي يخيّل اليك أن عددها يتزايد في كل لحظة وروّادها أصبحوا بالملايين لتتساءل بينك وبين نفسك «هل انقرض هواة الأكل الثقيل»؟ تحاول دس رأسك لتطالع احدى المجلات فلا تجد سوى صور لفتيات تكاد خصورهن تنكسر من شدة الرشاقة. عندها فقط يعود اليك رشدك وتدرك أنك في عصر الخفة والاستخفاف، ولا عزاء لذوي الحجم الثقيل والفكر العميق!