هوس يتخبّط فيه الشباب العربي ذكورا وإناثا، فمن آخر الصيحات المقززة التي لا تكاد تفارق واجهات المحلات الخاصة ببيع الملابس الرجاليّة منذ سنوات البنطال ذو الخصر المنخفض – صراحة لا أعرف ماذا أطلق عليه – والمصيبة أنّه كلما زاد عدد الرقع فيه كلما غلا ثمنه واشتد الإقبال عليه من حطام الشباب، انتقالا إلى أشكال قصّات الشعر وتسريحاتها العجيبة، فمرّة يكون كعرف الديك أو يغطي بغرّته الطويلة إحدى عينيه فيشبه "علي بابا في مسلسل السندباد الكرتوني" ومرة أخرى إلى نكشه ونفشه أو ربطه – كل بحسب هواه وميوله – يختار ما يتماشى مع مزاجه، أو مع - الستايل أو النيو لوك – "المظهر الجديد" الذي اعتمده أحد الفنانين أو المطربين أو حتى أحد أصدقائه وربما تجد الشلّة "المجموعة" بأكملها كالطاقم موحّدين حتى ألوان الملابس لا تعرفهم إلاّ من خلال وجوههم.. نمص الحاجبين لم يقتصر فقط على الجنس اللطيف بل تعداه ليشمل أيضا البعض من الشباب الذكور، فأصبحوا يداومون على نمص حواجبهم وترتيبها في الصالونات الرجاليّة، أمّا في الطرقات فترى ذاك المتزين يتمايل يمينا ويسارا كالأنثى ويزيد المشهد حسرة وألما طريقة الكلام، والحركات والإيماءات باليدين أو الرأس كفتاة مدللة..
أما الشريحة الثانية فهي ما بين كريم أساس كريستيان ديور والمسكارا والماكس فاكتر وأقلام حمرة الشفاه والكحل، وما بين العطورات بأنواعها ومسمياتها، وما بين الاجتهاد والتفنّن في إغراق عين أو شفة أو خدّ بالمساحيق طورا لإبرازه أكثر وتارّة لإخفاء عيوبه، هكذا تعيش معظم فتيات أو نساء عالمنا العربي المسلم، تقليعات لا تمت إلى مجتمعاتنا بصلة، تقليدا أعمى للغرب، صيحات تحبو رويدا رويدا إلا أنّنا نفاجَأ بأنّها كبرت وترعرعت لنراها أصبحت ما بين ليلة وضحاها ظاهرة تغزو شوارعنا فتفترسها..
قناع يخفي وراءه الملامح الحقيقية للوجه يتمثل بدقة عجيبة في فنّ رسم الحواجب، أو ليّ الرموش ورسم العيون، ألوان الطيف تتخذ لها مرسى على أغلب الوجوه، عدسات لاصقة،، وملابس تشترك مع العدسات، الوزن ليس مقياسا بالطبع، المهم هو الجرأة التي تدفع بإحداهنّ خارج المنزل بهذه الملابس، أو غضّ النظر من قبل الأهل – هكذا الموضة، لم نجد في الأسواق غير هذا -، هذا هو التبرير على الدوام سواء من بعض الأهل أو من البنات والنساء أنفسهنّ، ومن تلبس العباءة أو الجلباب أو أيّ لباس ساتر فإنّها متخلّفة لا تواكب المستجدات بل هي تعيش خارج عصرها.
تسير في الشارع فترى أشكالا وألوانا، ومما يزيد الأمر سوءا حيث كان الأمل بالمسنّات أن يمارسن أدوارهنّ في تعقيل شباب الصرخات فإذا بالشباب يسحبهنّ إلى حظيرته فينغمسن في عالم اللباس الشاذ والمظاهر الدخيلة وإنّك في كثير من الأحيان لا تكاد تفرّق بين الأم وابنتها وهنّ يمشين في الشارع وربما تفوّقت الأمّ على البنت في حصر الثياب وإغراق الوجه بالألوان،،..
الانخراط في هذه التفاهات وهذا الاستنساخ للفضلات التي يرميها لنا الغرب عاد سلبا على السلوك أيضا.. فقد تغير اللون كما تغير السلوك وتبدل، ولم يعد من السهل إسداء النصيحة لأحدهم أو إحداهنّ لأنّ فارق السنّ الذي كان يُهاب ويوقّر ويقرأ له ألف حساب جرفته الوقاحة وقلّة الحياء، فحقّ لنا أن نقول رحم الله العصر الذي يقتصر الكلام البذيء فيه على الذكور.. لقد عشنا لنشاهد ونسمع فتيات يتلفظن بأقوال يتمعر وجهك وتكاد تبتلعك الأرض ولا يتحرك لهنّ ساكنا وكأنّ هذه البذاءات مثلها مثل الماء والهواء تنساب بتلقائية.. لقد اختلط الأمر ولم نعد في كثير من الأحيان نفهم من الأنثى ومن الذكر. في نهاية الأمر نخلص إلى أنّنا في عصر تآكل فيه وقار المرأة واهتزت فيه هيبة الرجل.