نتابع بكل قلق سير المحاكمات المتصلة سواء بقضايا الشهداء والجرحى أو بقضايا الفساد مثلما نتابع بذات القلق ما يتواتر من أنباء موضوعها التعويض وجبر الضرر لضحايا الاستبداد لقد سبق لنا وأن عبرنا عن شكوكنا التي نشاطر فيها أبناء شعبنا وخصوصا أسر الشهداء والجرحى وضحايا القمع والتهميش والفساد حول مدى نجاعة الآليات المعتمدة في البحث والتحقيق والتقصي للوصول الى الحقيقة مثل نجاعة الآليات المعتمدة في البت في القضايا وإصدار الأحكام باعتبار أن هذه الآليات لا يمكن بأي حال من الأحوال من حيث التركيبة والصلوحيات والامكانيات والسند القانوني والشرعي فضلا عن السياقات التي نشات فيها والأغراض والدوافع التي أنتجتها أن تبحث عن الحقيقة بكل مهنية ونزاهة وتجرد وكفاءة فضلا عن أن تتوصل إليها وأن تثبتها وتقر بما يستتبع ذلك من حقوق وجزاء وعقاب عادل وأحكام منصفة وإن خشيتنا كبيرة من أن تضيع الحقيقة والحق بتضافر إرادة المسؤولين عن الفساد والاستبداد من ناحية والتوظيف الحزبي المصلحي لمتعهديهما وغياب المقاربة السليمة الشاملة والمتكاملة للمعالجة من ناحية ثالثة وهو ما يقتضي مقاربة أولى فلسفية أخلاقية وحقوقية تستبق المعالجة السياسية والتشريعية وما ينجر عنها من معالجة فنية وإجرائية أمنية وقانونية ضمن منظومة عدالة انتقالية لا ترتهن إلى مساعي استباقية لبعض من يريد أن ينحرف بها ويخضعها إلى أجندات مريبة. إن الضرورة تقتضي حصول حوار وطني واسع يتفق على مقاربة فلسفية أخلاقية وحقوقية تتعلق بمجالي الحقيقة والحقوق وذلك: 1 لتحديد معاني مشتركة لهذه المفاهيم وضبط معايير واضحة يحتكم إليها في التثبيت والتصنيف عند تناول الوقائع والأحداث والحكم عليها وعدم الخضوع للأهواء والتجاذبات السياسية والتوظيف الحزبي الذي من شأنه طمسها أو تجزئتها أو تضخيمها أو تزييفها وتحريفها فتضيع الحقيقة والحقوق وتقع العدالة في شرك جديد للمظالم والاستبداد والفساد. 2 لحصر مجالات الفساد والاستبداد ومواقعهما ومواطنهما وسياقاتهما وآلياتهما ورعاتهما والمستفيدين منهما ثم المتضررين مباشرة وغير مباشرة طبقات وفئات ومجموعات وتيارات وأحزابا وأفرادا وهو ما يقتضي قبل هذا وذاك تحديد الحيز الزمني المعني بالحصر والجرد والتقصي. 3 لحصر معايير واضحة تنزل مفهوم جبر الأضرار وتثبيت الحقوق وتشكل مرجعا لها في التفريق بين الحق في جبر الضرر والحق في التكريم مثل التفريق بين ضحايا توجهاتهم أو مواقفهم أو نشاطاتهم السياسية أو الاجتماعية أو الابداعية وبين ضحايا القمع العشوائي الأعمى أو القمع بالتبعية بسبب القرابة أو الجيرة، والضحايا الجماعيين وطنيا وجهويا وفئويا وطبقيا وشعبيا من سياسات القمع والتهميش والإفقار والانتقام والاستغلال بأنواعها. 4 لتحديد معايير واضحة لتقييم الأضرار حجما ونوعا ووسائل ومصادر وجدولة وتحديد دور المتسببين والمجموعة الوطنية والدولة في جبر تلك الأضرار . 5 لتحديد الآليات الناجعة الفنية والمهنية التي يمكن أن تطمئن الأطراف المعنية إلى حيادها ونزاهتها ومهنيتها وتمكينها من كل الوسائل والصلاحيات قانونيا وماديا وفنيا لتقصي الحقائق بحثا وتدقيقا للقيام بعملها بناء على المبدأين السابقين بكل استقلالية ومهنية. 6 لتحديد الآليات القضائية الناجعة للبت قانونيا في تثبيت الحقيقة وتبعاتها الجزائية والتعويضية بالاستناد إلى المبادئ السابقة والاعتماد عليها وعلى ما يخدم العدالة.
إن حزب الطليعة مثل بقية أبناء شعبنا وفئاته يتطلع في ذات الوقت إلى كشف الحقائق والمسؤوليات ومن ثم تثبيت حقوق الضحايا وجبر الأضرار لمستحقيها ولا يمكن أن يرتضي بوضع الحقائق والحقوق رهينة صراعات سياسوية ومصالح أطراف همها طمس الحقيقة والتنصل من المسؤولية ملتقية بأطراف تريد توظيفها جزئيا لمصالحها الحزبية الضيقة وأخرى تريد القفز عليها في نطاق المماحكة الحزبية ولذلك دعت وتدعو إلى أن يكون ذلك موضوع وفاق وطني يتعالى عن الأنانية وعن الشبهات ويضع على رأس أولوياته :
1 كشف الحقيقة للتاريخ والشعب وللضحايا وعائلاتهم وكشف المجرمين حتى لا يدور في خلد أحد أنه بإمكانه النجاة من جريرة أعماله. أو أن له حصانة أيا كانت أسسها تجعله بمنآى عن المحاسبة. 2 تثبيت حقوق الضحايا وورثتهم أو المجتمع بالنيابة عنهم في الوصول إلى الحقيقة ومعاقبة المتسببين في محنتهم وجبر الأضرار الحاصلة. 3 لا يمكن استثناء مرحلة من تاريخ تونس خصوصا منذ 1955 ولا أي فئة أو شريحة أو تيار أو هيئة بدءا من مناضلي الحركة الوطنية الذين همشوا أو قمعوا على خلفية مواقفهم من الاستقلال الداخلي مرورا بضحايا الحركة النقابية والطلابية وضحايا الرأي والاحتجاجات السياسية والاجتماعية الفردية والجماعية انتهاء بكل من تأذى خلال المرحلة الانتقالية بمحطاتها المختلفة من واجب شمولها بالعدالة بحثا ومحاسبة وتكريما وجبرا للأضرار والاستعانة بمكونات المجتمع المدني في ضبط قوائم المتضررين كل حسب مجاله من سياسيين ونقابيين وفنانين وأدباء ومبدعين عموما ومفكرين وباحثين وإعلاميين وغيرهم. 4 اعتبار أن الدولة مسؤولة بشكل أساسي على رعاية هذا الحوار وإنجاحه وتنفيذ ما يترتب عنه، مثل مسؤوليتها عن جبر الأضرار الحاصلة للفئات والطبقات والجهات بسبب الميز والفساد والعقاب الجماعي من خلال منوال تنموي يراعي حجم الأضرار اللاحقة بها ويعمل على تداركها. 5 من غير المقبول معاقبة المجموعة الوطنية وهي الضحية بطبعها في مجموعها وخصوصا مكوناتها الطبقية والفئوية والجهوية التي طالما تضررت وتحميلها أعباء جبر الأضرار كما أنه من غير المقبول أن يتم بدون النظر إلى امكانيات البلاد ولا على حساب المصالح العليا للشعب وأجياله القادمة والطموحات المتصلة بتحقيق تنمية حقيقية شاملة وعادلة وما تحتاجه من موارد.واعتبار أن المسؤول الأساسي عن ذلك هم المتسببون فيه ورعاته ومرتكبوه. 6 اعتماد معايير واضحة للتفريق بين المناضلين الذين قدموا طوعا أعمارهم ومالهم وأرواحهم فداء للمبادئ والرأي والشعب والوطن مدركين حجم المخاطر والتضحيات والأضرار التي تنتج عن ذلك وغير منتظرين لا جزاء ولا شكورا معتبرين أن ذلك واجب تحتمه عليهم أخلاقهم وقيمهم ومبادئهم وخياراتهم وهم يستحقون كل الاحترام والتقدير والإجلال اللائق بهم وتحديد أشكال تكريمهم من قبل الدولة، وبين غيرهم من الضحايا الذين دفعوا ضريبة القمع العشوائي والاستعمال المفرط وغير المبرر للعنف وهم المستحقون الحقيقيون لجبر الضرر. فضلا عن التفريق بين كل من يقع تحت هذين التصنيفين وبين من تثبت حقيقة تورطه في خيار العنف المسلح بأنواعه وممارسته أيا كانت دوافعه ومبرراته وكذلك بين المورطين في أعمال نهب وعنف لا علاقة لها بالأهداف المشروعة للثورة وإن كانت الأضرار التي لحقتهم لا ترتقي من حيث النوع والكيف إلى نوع الجرم الذي ارتكبوه ويستوجب جبرا للضرر ولا يستثنى من ذلك رجال الأمن الذين تضرروا أثناء قيامهم بوظيفتهم بغض النظر عن الملابسات المحيطة ودون القفز عليها ومنهم من كان ضحية قيامه أداء واجبات وظيفته في خدمة الدولة بغض النظر عمن يدير دفتها وعن مؤسساتها وبغض النظر أيضا عمن يستهدفها .