ما من شك أن مدينة بلاريجيا الأثرية تعد من أهم المعالم ليس بتونس فحسب بل حتى في العالم بفضل ما تحتويه من معالم أثرية ظلت صامدة على مر العصور رغم تعاقب الأزمان والحضارات . من أبرز ما يميّز مدينة بلاريجيا هو الزخرفة الأرضية للمنازل والقصور بالفسيفساء وهي عبارة عن لوحات ورسوم تحاكي البطولات وفترات من الزمن ويتم رسمها باستعمال حجارة صغيرة من الرخام مختلفة الألوان ميزت المدينة وصورت جانبا من تعاقب الحضارات عليها . صيانة مبتورة الرسوم الفسيفسائية على القاعات وبالساحات ورغم تجلدها أمام العوامل الطبيعية وتعاقب آلاف السنين إلا أن الكثير منها تناثر وتطاير وغادرت الحجارة الصغيرة أماكنها لولا بعض الترميمات التي كانت في البداية بإعادة الحجر المتناثر إلى مكان وقد كلفت الكثير من الوقت ومصاريف طائلة من خلال تركيز ورشات في الصيانة والترميم وقد تكفلت المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بالعملية بمعية المعهد الوطني للتراث ولكن العملية توقفت لمدة لأسباب مادية وتقنية ليعود الترميم في السنوات الأخيرة ولكن بكيفية غريبة نوعا ما ذلك أنه يتم ترميم الأماكن التي تطاير منها حجر ورخام الزينة بواسطة الرمل والإسمنت وهي صيانة أفقدت الرسوم طبيعتها ورونقها وقد كان بالإمكان أفضل مما كان من ذلك مثلا تركيز ورشات لصقل وقص حجارة الفسيفساء وإعادة تركيز اللوحات بحجارة والمقلدة وقد كان للتجربة صدى خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حين تم تركيز ورشات لصنع حجر الفسيفساء وتمت به عملية الترميم والصيانة وكانت ناجحة . ثم إن الجهة تملك من الخبرات في ميدان الصيانة للمعالم الأثرية ما لا يدع للشك بدءا بالدكتور محيي الدين الشوالي مدير المعلم الأثري ببلاريجيا الذي يبذل مجهودات في صيانة المعالم الأثرية بالجهة لا بد من تزكيتها وتشجيعها بما يمكن من عملية صيانة مجدية وتحقق أهدافها وتبني لمستقبل يقع فيه الحفاظ على ما خلفه الأولون ليبقى على مر العصور شاهدا على عراقة الجهة برمتها . توفير مواطن شغل عملية الترميم على الوجه الأمثل ورغم التأكيدات على أنها مكلفة جدا مقابل المبالغ المتواضعة المرصودة لذلك إلا أنها ممكنة بشيء من الدعم الجهوي والوطني وحتى العالمي حتى يكون الترميم سليما ويخلق مواطن شغل من خلال تركيز ورشات لصنع حجر ورخام الفسيفساء وورشات أخرى في الترميم وتمكن كذلك من التخصص في هذا المجال ويمكن من تعهد البنايات والآثار عامة وهي مسؤولية وزارة الثقافة والمحافظة على التراث لأنه بات من الضروري تخصيص ميزانيات كافية لصيانة المعالم الأثرية حتى لا تندثر لأنه من الحيف أن تفقد اللوحات الفسيفسائية بالمعلم الأثري بلاريجيا خصوصياتها التي ميزتها عن عديد المعالم .ترميم اللوحات الفسيفسائية ترميما سليما بدل الطلاء بالإسمنت بات تدخلا ضروريا يمكنها من استعادة رونقها وجمالها الطبيعي وهذا طبعا يرتبط بالإرادة في الترميم والصيانة على الأسس السليمة حتى لا تفقد المعالم بريقها وتندثر بحكم الترميمات غير المجدية .