تمتلك المدينة العتيقة بالمهدية تراثا عمرانيا مميزا وثريا غير أن الإهمال الذي تعاني منه اليوم، والتشوّهات التي لحقت طابعها المعماري منذ الحقبة الاستعمارية ضيّع تلك البصمة المخصوصة. التغييرات والتشويهات التي طالت المدينة العتيقة بالمهدية حرمت الجهة من التصنيف العالمي لمنظمة اليونسكو، انطلقت منذ الفترة الاستعمارية، حيث سعت سلطات الحماية إلى بناء مدينة جديدة أوروبية خارج المدينة العتيقة، والى هدم جانب من «باب الفتوح» أو «السقيفة الكحلاء» بما تمثله من رمزية وشحنة معنوية قوية لدى الأهالي، وبناء مقر البلدية الذي شيد سنة 1912، إضافة إلى إدخال عناصر جديدة في البناء مخلّة بالنسيج العمراني العربي الإسلامي.. فهل هو تلاقح الحضارات، أم استيعاب أنمطة وافدة أم فرض توجهات وهيمنة؟
ولقد شكل ضيق الديار القديمة، ومشاكل الميراث، والوضعية الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البحارة الذين يمثلون ثلاثة أرباع السكان عوامل أساسية في إهمالها، أو دفع بعض الأسر إلى هجرها تجنبا للخلافات العائلية، وازدحام المساكن، حيث كشف المسح الشامل الذي قامت به جمعية صيانة المدينة وبعض الجمعيات بالمجلس المحلي للتنمية بالمهدية بمناسبة برنامج السكن الاجتماعي أن ثلث الديار في حالة سيئة، وان عددا من الديار المهجورة والمتداعية للسقوط تتميز بقيمتها المعمارية والتاريخية.
حفريات
ومن جهة أخرى نلاحظ ظهور فئة من المحتكرين الذين يشترون الديار القديمة بمبالغ مرتفعة ثم يضعونها للبيع بعد القيام بحفريات بها بحثا عن الكنوز والآثار أو يحولونها لمتاجر بيع الزرابي، والمنسوجات، والتحف المعدة للسياح، إضافة إلى الحفريات التي تقوم بها فرق وطلبة بأسماء جمعيات أو في نطاق البحوث الميدانية، كما نجد ضمن الوافدين على المدينة السياح الأجانب الذين زاروا المدينة مرات عديدة، وفضلوا الاستقرار بها بشراء دار، أو إعادة بنائها بطريقة تنسجم مع مواصفات المعمار الغربي.
وفي إطار الحفاظ على الهوية المعمارية للمدينة العتيقة تم إعداد مشروع كراس شروط يتعلق بالخصوصيات المعمارية للمنطقة التجارية بالمدينة العتيقة (الأسواق) وذلك في إطار مشروع نموذجي يعتني بالمنطقة من حيث كيفية البناء، والتهيئة، وتركيز اللافتات، والتبليط، وتركيز النوافذ والأبواب وغيرها بما في ذلك الفصول الخاصة بالتصرف في الميدان المعماري حرصا على الحفاظ على الطابع المعماري المميز للمنطقة، ولتحقيق الأهداف العامة والمتمثلة في الحفاظ على هوية المنطقة كمنطقة تاريخية ومعمارية متميزة، وتنميتها سياحيا، واقتصاديا، والحد من الإخلالات في التصرف العقاري من حيث البناء والتهيئة.
ومن هذا المنطلق فعلى الشرطة البلدية، وممثلي المعهد الوطني للآثار، ومختلف الجهات المختصة تكثيف دوريات المراقبة، والحزم مع المخالفين، والمخلين بالفصول المتعلقة بالتصرف في المجال العمراني، والطابع المعماري المميز للمدينة العتيقة، وتركيز جهودها بالتدخل لانقاد البيوت المهجورة والمهملة، والمهددة بالاندثار، وتثمينها عبر توظيفها لأغراض ثقافية تنشيطية على غرار «دار المدينة»، و»دار زويلة»، وإعادة الاعتبار للمدينة العتيقة كفضاء عيش واستثمار ومجال يمكن أن يوفر موارد وموطن شغل ومن خلال التركيز على استغلال أحسن لمعالمها وتراثها.