تغيّر المشهد السياسي ما بعد الانتخابات في تونس، إذ لم يعدّ الشتات مسيطرا على الساحة بل برزت تكتلات وجبهات سياسية وانتخابية، هل يعني أنّ الساحة السياسيّة تتّجه نحو الوضوح؟ هذا السؤال يطرحه متابعون للشأن السياسي في تونس ما بعد الثورة فالمشهد كان يميّزه الشتات خلال اعام 2011 خاصة مع تواتر تشكيل الاحزاب السياسية والتي فاق عددها المائة حزب آنذاك ووُصِفَ المشهد بالانفجار الحزبي ما بعد خمسينيّة الأحاديّة السياسيّة.
ما بعد الانتخابات دخل المشهد الحزبي في تونس طورا جديدا أبرز ملامحه التحالفات وأولى تلك التحالفات كانت الترويكا التي تشكّلت من أحزاب النهضة والتكتل والمؤتمر لتولّي الحكم وقيادة المرحلة الانتقاليّة الثانية من نوعها ما بعد رحيل بن علي.
بعدها برزت الاصوات الداعية الى ضرورة التحالف بهدف احداث توازن في الساحة السياسية ونجحت تلك الاصوات في بروز أحزاب جديدة كانت ثمرة تحالف أكثر من حزب كما هو شأن الحزب الجمهوري وحزب المسار الاجتماعي الديمقراطي ثمّ ظهور الجبهات السياسية والانتخابيّة فيما بعد منها الجبهة الشعبيّة والاتحاد من أجل تونس المُعلن عن تشكيله الاسبوع الجاري.
تحالفات
تضمّ الساحة السياسية اليوم ثلاثة تحالفات كبرى هي الترويكا من جهة والاتحاد من أجل تونس من جهة ثانية والجبهة الشعبيّة من جهة ثالثة هذا بالاضافة الى تواجد مبادرات لتشكيل تحالفات أخرى منها مبادرة التحالف الديمقراطي التي يتزعمها محمد الحامدي المنشقّ منذ افريل الماضي عن الحزب الجمهوري ومبادرة حركة وفاء الداعية بدورها الى التحالف وكان اسكندر الرقيق المنشق عن حزب الامان آخر المنضمّين الى هذه المبادرة.
تغيّرات هل تعني توجّه الساحة نحو الوضوح؟ عن هذا السؤال ردّ المحلل السياسي المنصف ونّاس «الساحة اصبحت واضحة بما فيه الكفاية وهي تحالفات انتخابيّة بالاساس وفيها بحث عن فرص أكبر وأكثر للتوجه نحو الحسم الانتخابي».
ذكر ونّاس ايضا أنّ هذه التحالفات من إيجابيّاتها التخفيض من حدّة الاستقطاب مؤكّدا أنّه لا يرى بروزا لتحالفات جديدة في الساحة بالنظر الى حالة الاشباع الواضح في هذه التحالفات.
من جهته اعتبر المختص في علم الاجتماع السياسي طارق بالحاج محمد أنّ هذه التحالفات «تشكّل تغيرا جوهريا في المشهد السياسي عوض حالة التشرذم بالاصطفاف على الأقل في ثلاث كتل كبرى» مشيرا الى أنّ هذه التحالفات ستكون لها «نتائج عاجلة ومستقبلية على المشهد السياسي و على المزاج الاجتماعي واتجاهات الرأي العام. وربما تعطي للملاحظين مؤشرات أكثر من إجابات فمستقبلها مرتبط بمدى صلابتها وانسجام مكوناتها وتماهيها مع الظرفية الراهنة التي تتسم بخيبة الأمل في الطبقة السياسية ومن الثورة وما أفرزته ومن الانتظارات المهدورة».
رسائل إيجابيّة
من النتائج المباشرة لهذه التحالفات وفقا لما يراه طارق بالحاج محمد هو تكسير حالة الاستقطاب المميت التي كانت تتجه إليها تونس وكذلك وضع حد لوجود حزب مهيمن يلتهم كل ما حوله من أحزاب أو يهمشها وبالتالي ترسل هذه التحالفات برسالة إلى الحكام الجدد ولطيف واسع من الرأي العام مفادها انه لا مجال لعودة الاستبداد السياسي ولعقلية التغول والاستئثار بالدولة والشعب فهي تساهم بشكل أو بآخر في تهدئة المخاوف وبناء مناخ من الهدنة الاجتماعية المؤقتة.
وترتبط النتائج المستقبلية بحسب طارق بالحاج محمد دائما بمدى تجانس مكونات هذه التحالفات وانسجام مكوناتها وامتلاكها لرؤية مستقبلية كي تصل إلى تركيز نفسها في المشهد الاجتماعي. فليس بالتحالف وحده يدار العمل السياسي الأهم هو إدارة هذا التحالف وتأمين مستقبل اجتماعي وسياسي له وهذا ليس أمرا متاحا للجميع على حدّ قوله. ويخلص بالحاج محمد الى القول «بالرغم ما لهذه التكتلات من محاسن ورغم ما يمكن أن ترسيه من مناخ للثقة في المستقبل، ورغم كسرها لحالة الاستقطاب فإنها في أحسن الحالات لا يمكن أن تؤدي إلى هدنة اجتماعية مؤقتة لأنها بالأساس تحالفات انتخابية وليست تحالفات سياسية استراتيجية وأول امتحان حقيقي لها هو إعداد قائمات الانتخابات الذي سيبرهن على مدى تماسكها وصلابتها ونضجها».