ترامب: هناك 'فرصة جيدة' للتوصل إلى اتفاق بشأن هدنة في غزة هذا الأسبوع    ميناء المياه العميقة بالنفيضة قريبًا ضمن المشاريع الاستراتيجية لتسريع إنجازه    تدفق سياحي جزائري قوي نحو جندوبة : أكثر من 95 ألف زائر خلال جوان 2025    الكرة الطائرة – بطولة الصداقة: بعد الجزائر، تونس تفوز على ليبيا (فيديو)    كأس العالم للأندية: حسب إحصائيات Opta، المرشح الأبرز هو…    ارتفاع ترتفع درجات الحرارة يوم غد الاثنين: المعهد الوطني للرصد الجوي يوضح    ترامب يعلن حالة الطوارئ في مقاطعة بولاية تكساس بسبب الفيضانات    تجميع 9.2 مليون قنطار من الحبوب    الباحث حسين الرحيلي: لم نخرج بعد من خطر الشح المائي    «ميركاتو» كرة اليد في النادي الإفريقي: 5 انتدابات ترفع سقف الطموحات    أخبار مستقبل سليمان .. اتفاق مع معز بن شريفية والفريق مُنفتح على التعامل مع كل الجمعيات    مقترح قانون لتسوية وضعية المباني المخالفة لرخص البناء    الليلة: الحرارة تتراوح بين 25 و34 درجة    إعطاء إشارة انطلاق البرنامج الوطني للأنشطة الصيفية والسياحة الشبابية 2025    الفنانة نبيلة عبيد تستغيث بوزير الثقافة المصري: 'أودي تاريخي فين؟'    وائل كفوري يثير الجدل بصورة من حفل زفافه ويعلن نشر فيديو الزواج قريبًا.. فما القصة؟!    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    صحتك في الصيف: المشروبات الباردة والحلويّات: عادات غذائية صيفية «تُدمّر» الفمّ والأسنان !    صفاقس : إفتتاح الدورة الثانية للأيام التنشيطية الثقافية والرياضية بفضاء شاطئ القراقنة لتتواصل إلى يوم 25 جويلية    بنزرت: تحرير 40 مخالفة إثر حملة رقابية مشتركة بشاطئ كوكو بمعتمدية أوتيك    "ائتلاف صمود" يواصل مشاوراته حول مبادرة "العقد السياسي الجديد": نحو توافق مدني واسع يعيد التوازن السياسي    هام/ وزارة السياحة: خطّ أخضر للتشكّيات..    كرة السلة – البطولة العربية سيدات : تونس تتغلب على الأردن وتلتقي مصر في النهائي (فيديو)    بطريقة هوليودية: يسرق محل مجوهرات ويستولي على ذهب بقيمة تتجاوز 400 ألف دينار..وهذه التفاصيل..    فاجعة تهز هذه الجهة/ بفارق ساعتين: وفاة زوجين في نفس اليوم..!    تونس – الطقس: استمرار العواصف الرعدية على الجهة الغربية من البلاد    وزارة الثقافة تنعى فقيد الأسرة الثقافية فتحي بن مسعود العجمي    سفينة بريطانية تتعرض لهجوم صاروخي قبالة سواحل اليمن    ممثلو وزارة المالية يدعون في جلسة استماع صلب لجنة الفلاحة الى الحفاظ على ديوان الاراضي الدولية الفلاحية بدل تصفيته    انطلاق موسم جني الطماطم الفصلية بولاية سيدي بوزيد    الفنان غازي العيادي يعود إلى المهرجانات بسهرة "حبيت زماني"    بن عروس: "تمتع بالصيف وخلي البحر نظيف" عنوان تظاهرة بيئية متعددة الفقرات على شاطئ حمام الشط    كاس العالم للاندية: مدرب بايرن ميونيخ غاضب بسبب إصابة لاعبه موسيالا    الفلبين: فيضانات تجبر أكثر من 2000 شخص على ترك منازلهم    الصباح ولا العشية؟ أفضل وقت للعومان    181 ألف شاب ينتفعون ببرنامج صيفي جديد لمكافحة الإدمان    كيفاش تتصرف كي تشوف دخان أو نار في الغابة؟ خطوات بسيطة تنقذ بلادنا    هاو الخطر وقت تعوم في عزّ القايلة..التفاصيل    في موجة الحرّ: الماء أحسن من المشروبات المثلّجة    وقتاش تعطي الماء للرضيع من غير ما تضره؟    يوم 8 جويلية: جلسة عامة للنظر في مشروع قانون يتعلّق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2021    إحداث لجنة وطنية لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    عاجل/ للمطالبة بفتح المفاوضات الإجتماعية : إقرار مبدأ الإضراب الجهوي في القطاع الخاص بهذه الولاية..    قائمة الفرق الأكثر أرباحًا في مونديال الأندية 2025 ... بعد انتهاء الدور ربع النهائي – أرقام قياسية ومكافآت ضخمة    انطلاق قمة "بريكس" في ريو دي جانيرو اليوم بمشاركة بوتين    البكالوريا دورة المراقبة: هذا موعد انطلاق التسجيل عبر الإرساليات القصيرة..    ابن الملكة كاميلا ينفي صحة مفاهيم مغلوطة عن والدته    عادل إمام يتوسط عائلته في صورة نادرة بعد غياب طويل بمناسبة عقد قران حفيده    وزارة الفلاحة تضع أرقاما للتبليغ الفوري عن الحرائق    نوردو ... رحلة فنان لم يفقد البوصلة    تطبيقة جديدة لتسهيل التصريح بالعملة: الإدارة العامة للديوانة تطلق خدمة رقمية موجهة للتونسيين بالخارج    اليوم الأحد: الدخول مجاني إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    بالمرصاد : لنعوّض رجم الشيطان برجم خونة الوطن    نادي ليفربول يقرر دفع المبلغ المتبقي من عقد جوتا لعائلته    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    الفرجاني يلتقي فريقا من منظمة الصحة العالمية في ختام مهمته في تقييم نظم تنظيم الأدوية واللقاحات بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



La Puerta Falsa الباب الخاطىء: مدن الأطراف (في العمل الثقافي)
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

تتضخم المدينة سواء في الغرب أو في الشرق أفقيا وعموديا، ويتغيّر الناس مثلما تتغير الأشياء... فالطرقات تتحوّل إلى خيوط غزل متحابكة... والحافلة أو المترو إلى علبة كبريت. تتساند فيها عيدان الثّقاب... والبيت أو الشقّة إلى مأوى أرانب...
هذا بعض ما كتبته في مقدمة لرواية صديقنا حسن بن عثمان : «بروموسبور»، وقد اعتبرتها رواية المدينة التونسية بامتياز. كان ذلك منذ حوالي ست سنوات أو أكثر بقليل. والمدينة التي ذكرت إنما هي العاصمة. أما المدن الداخلية فلها شأن آخر. وهي من التنوع والاختلاف بحيث يصعب أن نختزلها في صور بسيطة أو في مجرد إشارات خاطفة، خاصة أنها لا تزال تحتفظ رغم إيقاع الحياة العصرية بجانب غير يسير من الألفة والحميمية. ولا يزال الناس فيها يرتبطون بشيء من علاقات الصداقة حتى وإن كانت أحيانا أشبه بتلك العلاقة التي تربط دون كيشوت ب»سانشوبانزا» في رواية سيرفانتس الشهيرة. فهما روح وجسد، إن شئنا، أو مثالي وواقعي، وليسا شخصيتين منعزلتين في لوحة جامدة.
تتفاوت هذه المدن الداخلية لا شك، لاعتبارات شتى قد تكون سياسية أو اقتصادية أو سياحية، وبعضها يستوعب مفردات العصر بسرعة أكثر ويكاد يطاول مدنا غربية معروفة من حيث العمران ومرافق المجتمع المدني الحديث. على حين لا يزال بعضها الآخر يحيا في اطار التاريخ أو هو أسيره الذي لا يستطيع أن ينفصل عنه. وشواهد ذلك أكثر من أن تحصى. وبامكان المرء أن يتعرّفها ويقف عليها في ظواهر ومظاهر اجتماعية شتى لا أجد في التعبير عنها أبلغ من عبارة الشاعر «بيتس» : «تقدم ميلا واحدا تجد مستنقعا!». ذلك أنك لا تكاد تبرح مداخل المدينة وبعضها حديث حقا أو وسطها، وتتقدم نحو الأطراف والأحياء الفوضوية، حتى يخامرك إحساس بأنك عبرت فجأة من النهار إلى الليل، دون أن تمر بتلك الطقوس البطيئة من الألوان المتقزحة التي تتناسل من تحلل النور والتماعاته... حيث تبدأ آلاف الأجنحة الشفيفة بمزج الفجر وخلطه... حيث يتورق الليل مثل صفحات كتاب من الضوء، كما كتب الشاعر الفرنسي «جاك لاكريار» عن الصحراء التونسية ومدنها وقراها مثل تطاوين والدويرات وشنني...
لا أريد أن أسمي مدينة بعينها، لأن الأمر يتعلق في الحقيقة بسلوك الفرد أو بحسه المديني ومدى قدرته على اعادة صياغة نفسه في صورة كائن عصري «ذاتي التشكيل» كما يقول أهل الفلسفة، بحيث يخطو متوحدا مع نفسه ومع الآخرين في «مجال العيش معا» وهو المجال الضامن لهويته وسائر صنوف نشاطه. بيد أن المظاهر المزرية التي نراها في بعض مدننا وقرانا لا تعفي المؤسسات الرسمية مثل البلدية من المسؤولية. وما نراه على قارعة الطريق من أكياس بلاستيك وعلب وزجاجات فارغة... هو عمل أفراد لا شك.
وهذا وغيره مما نلاحظه جميعا، يظل بالامكان تلافيه أو الحد منه. لا بسن القوانين أو تطبيقها بصرامة فحسب، وإنما بتوفير المرافق العصرية الضرورية، حتى لا تكون المدينة مدينتين : واحدة مرئية وأخرى غير مرئية، كما كتب أدونيس... الأولى تطفو على السطح وتقودها المؤسسة بالمعنى الواسع للكلمة، والثانية منسية أو مهملة ولكنها ليست مجهولة... والأمر هنا أشبه بسلوك خادمة كسول تنظف البيت، ولكنها تعمد الى الأوساخ والأدران فتدسها تحت سجاد أو تخفيها تحت بساط... فليس يكفي أن تكون مداخل مدننا جميلة أو أن يكون وسطها نظيفا، حتى يقع في وهمنا أننا نعيش في مدن حديثة. ذلك أن الجانب المنسي أو المهمل من المدينة يمكن أن يتهدد أي تحديث بالانهيار، وبخاصة التحديث المزدوج غير المتكافىء.
من هنا يمكن الحديث عن العمل الثقافي في المدن الداخلية، باعتباره رافدا لا غنى عنه في اعادة تقييم التحديث نفسه من حيث هو رؤية حضارية أو أسلوب في الحياة ارتضته صفوة تاريخية خاصة منذ أواسط الخمسينات من القرن الماضي. وقد حققت بلادنا من المشروعات الثقافية ما هو مشهود به، ولا يحتاج إلى مديح أو تقريظ. غير أن هناك ظاهرة رافقت هذه المشروعات في فترة ما (فترة التعاضد) وأعني بها فرض المنطق السياسي على البعد الثقافي، ويتهيّأ لي أنها لا تزال تتحكم في هذا البعد، بنسبة أو بأخرى... الأمر الذي يفسر في جانب منه التفاوت بين المؤسسة الثقافية الإدارية وطاقات الإبداع. وربما تجلى ذلك كأوضح ما يكون في المدن الداخلية أو مدن الأطراف، لاعتبارات قد تكون سياسية بالأساس. وهذا من شأنه أن يشكل حيوية العمل الثقافي أو يجعله تابعا للسياسي بالمعنى الحصري الضيق للكلمة أو يحصره في مهرجانات موسمية كثيرا ما يكون أثرها من الزبد الذي يذهب جفاء. وقلما أفضت إلى خلق تقاليد ثقافية جادة. والتحديث إنما يتأسس بشهادة أهل الذكر في سياق تقليد محدد. وإذا لم يكن ذلك كذلك، فكيف نفسّر إذن خلو كثير من هذه المدن الداخلية من المرافق العصرية الضرورية (قاعات المحاضرات والسينما والمسرح والفنون التشكيلية)... وعزوف رأس المال الخاص عن توظيف امكاناته في مشاريع كهذه؟!
كلنا يدرك أن الطابع الغالب على ما نسميه مجازا «روح العصر» هو البعد الثقافي. وليس أدل على ذلك من تغليب قيمة الاستعمال على قيمة التبادل، بما يمنح القرار الاقتصادي نفسه والقرار المجتمعي بشكل عام، مرجعيته الثقافية. ويتهيأ لي أن هذا يقتضي منا جميعا تطوير المفاهيم الثقافية بحيث نتجنب النظرة «الثقافوية»« المبتورة التي تؤدي عادة الى تقسيم المدينة الواحدة الى مدينتين : واحدة مندمجة بشكل فاعل في العمل الثقافي أو تكاد، وأخرى من الأطراف المهمشة التي لا تنتج إلا ثقافة الرصيف!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.