هذا موضوع كنت كتبت فيه أثناء إعداد دستور ما بعد الثورة، ولست أوّل من نبّه إلى ما يعانيه نشيدنا الوطني الذي حفظناه ونحن أطفال، من قلق العبارة ومن خلل الوزن، في مواضع غير قليلة؛ وهو الذي يدور على بحر شعريّ بسيط يعدّه بعضنا «حمار الشعراء»، وهو المتقارب (...)
تطرح قضيّة الكذب أو قول الحقيقة كاملة أو قول بعضها، مسائل يصعب أن نستوفيها حقّها في باب كهذا. بل قد تكون الحقيقة شأنها شأن الكذب أحيانا، وجهة نظر شخصيّة وجوديّة، إذ يصعب أن يتبنّى الإنسان وجهة نظر أبديّة في كلّ ظروف حياته وملابساتها. والحقيقة لا (...)
في آخر أيّامها، كانت أمّي رحمها اللّه، تسأل أحيانا؛ وقد أصيبت بالزهايمر «أنحن في أمس أم في غد؟» [وقد وظّفت هذا في قصيدة لي منشورة]؛ ولم يكن لها، وهي الأمّيّة الحريصة على تعليم أبنائها، شغف بالماضي ولا بالتاريخ؛ ولم تكن معنيّة بهذه المسألة، ولكن ما (...)
لا نزال نعيش نحن البشر ثورة علميّة، مقارنة بأسلافنا؛ ولا نعرف إلى أين ستفضي بنا. وكان همّ أسلافنا العيش وتحصيل أسبابه قبل كلّ شيء يوما فيوما، وأن يكسبوا رزقهم بأيّة وسيلة. وبعض هذه التقاليد أو أكثرها، ما تزال جارية حتى بالنسبة إلى الميسورين، ومن هم (...)
يتوزّع كتاب سهام الدبابي الميساوي «مائدة افريقية/ دراسة في ألوان الطعام» (منشورات بيت الحكمة) على ستّة عشر فصلا، تتعلّق كلّها إمتاعا ومؤانسة، بألوان الطعام عندنا، ما قدم منها وما استجدّ، وما بقي وما اندثر. وأشهرها الكسكسي أو الكسكسو. والغريب أنّ هذه (...)
لعلّ ما يسوّغ طرح هذه المسألة التي لم ينقطع السجال حولها، أنّ الأدب يُنسب إلى اللغة وليس إلى الدين. والإسلام ديانة عالميّة يعتنقها ملايين البشر في كلّ القارّات، وأكثرهم لا يتكلّم العربيّة. فإذا كان هناك 'أدب إسلاميّ' فهو يُكتب بلغات شتّى، وليس (...)
هذا مصطلح سردي وافد أو مستحدث، أداره النقّاد العرب على أوجه، بعضها سائغ؛ فقد ترجمه عبد المحسن طه بدر ب«رواية الترجمة الذاتيّة» وهو مقترح منه، فيه مقدار كبير من الصواب؛ شأنه شأن مصطلح آخر ذائع هو «رواية السيرة الذاتيّة»، وأقلّ منه ذيوعا «رواية (...)
تتنوّع الأجناس الكتابيّة التي تُعنى بمسألة الحبّ في تراث العرب، على نحو لافت؛ وهي كلّها أو أكثرها حكايات وقصص مَرِحة واقعيّة مثلما هي عجيبة أو خرافيّة، تستدعي النظرَ في الظاهرة السرديّة، وكلّ ما يكوّن متنها. وهذا مبحث قائم بذاته، وقد خاض فيه أكثر من (...)
لعلّ ما يسوّغ طرح هذا الموضوع القديم المتجدّد، وأنا أحصره اليوم في الشعر والفنون التشكيليّة خاصّة، أن المتلقّي عامة، لا يزال يتعامل مع النص أو اللوحة التجريديّة؛ من منظور الجميل النافع. ولذلك نراه يشيح عن تلك التي لا يجد فيها ضالّته هذه. وربّما لا (...)
يستعيد العالم اليوم مع الحرب الروسيّة الأوكرانيّة لهيب الحرب الباردة التي سادت بين معسكر الدول الغربيّة ومعسكر الدول الشرقيّة، والستار الحديدي الذي كان يفصل بينهما. إذن قد يكون من حقّ هذا العالم أن يغضب للأوكرانيّين، وبهم (كما يقول العرب للميّت الذي (...)
يعرف أصدقائي أنّني أستاذ منذ خمسين سنة ولا أزال، لكنّ قلّة منهم تعرف أنّني «فلّاح» وفيّ لأصولي الريفيّة. وأقدّر أنّ في هذا ما يضيء جانبا من محاولاتي الشعريّة التي تنضوي إلى الجغرافيا على قدر ما تنضوي إلى التاريخ. وللجغرافيا أحكامها، أو هي تصنع (...)
جاء في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» للخطيب البغدادي أنّ قوْلُهُمْ: جُلساءُ فُلانٍ كأنّما على رُؤسِهِم الطّيْر، فِيه رأيان: أحدهما: أنْ يكُون الْمعْنى أنّهم يسكُنون فلا يتحرّكون، ويغضُّون أبْصارهم، والطير لا يقع إِلا على ساكِن، يُقال لِلرجل (...)
لم أكن أعرف أن المفكّر المغربي عبد الله العروي روائي؛ إلا عندما اطلعت منذ سنوات، على عرض مفصل لحوار معه أجراه محمد الداهي، وأصدره في كتابه "عبد الله العروي من التاريخ إلى الحب: حوار". ويعنيني منه في هذا الباب، كلامه على الرواية العربية التجريبية، (...)
إنّ العربيّة (الفصحى) لغة شاعرة ذات أنظمة إيقاعيّة دقيقة محكمة إذ كانت لغة المقدّس في الجاهليّة (الشعر) ثمّ المقدّس الدّيني (القرآن). ويذهب أنطون شبيتالر وقبله بريتوريوس إلى أنّها "لغة فنّية خالصة" بل "مقدّسة" منذ الجاهليّة. ويقول هنري فليش: "إنّ (...)
"التاريخ في الحقيقة لاشيء، هو مجموعة غرائزنا ومطامحنا مهيكلة في نظم وبنى، تذهب وتزول؛ ثمّ يعود تركيبها في صور أخرى. ونحن ننساه، لأنّه معرّض بطبيعته إلى النسيان. وهو حروب وثورات وأناس كانوا مثلنا؛ عاشوا كما عشنا، وماتوا كما سنموت. بعبارة هشام جعيط " (...)
لم تكن العلاقة بين الفلاسفة والشعراء قطّ، لا مبالاة أو عدم اكتراث، ولا كانت حرية استواء، أي تساوي إمكان في الفعل وعدم الفعل. وقد أطرد أفلاطون الشعراء من المدينة مستندا إلى الخلاف القديم بين الفلسفة وفن القول. وكان للقرآن أيضا موقفه؛ وإنْ في سياق (...)
لعلّ الأقرب إلى الحقّ أنّ الحداثة الأدبيّة والفنيّة عامّة، نشأت من حيث هي استجابة لروح المدينة وردّا عليها، أو هي وبخاصّة في مجتمعات مثل مجتمعاتنا، إقرار بقوانين المدينة أو سلطتها، ومحاولة خرقها أو تقويضها في مسعى لخلق «حالة الحريّة» المنفلتة من كلّ (...)
يتابع العالم عن كثب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وما يصاحبها من سجال سياسي قد يتطوّر مع الزمن، وقد يفضي إلى إذكاء نار الحرب الباردة من جديد. على أنّ ما يعنيني في هذا الباب، هو الخطاب السياسي في المعسكرين المتصارعين في روسيا وأوكرانيا؛ وهو حصريّا خطاب (...)
في لسان العرب: الجيل هو كلّ صنف من الناس، وليس مصطلحا ديموغرافيّا بعبارتنا اليوم حيث كلّ منّا ينتمي إلى جيل اكتنفته مؤثّرات شتّى أو ألمّت به، بنسبة أو بأخرى. لكن ما الجيل؟ وكيف نحدّ هذا الجيل في بلدان يكاد كلّ منها يكوّن عالما قائما بنفسه؟ وأيّ دور (...)
في مثل هذا الشهر من العام الماضي، رحل صلاح الدين بوجاه أحد أبرز الروائيّين التونسيّين الذين أغنوا روايتنا التونسيّة كمّا ونوعا. وقد رأيت أن أقف بهذه المناسبة، على رواية له، أعدّها الأقوى في أعماله، هي «السائرون في العتمة»؛ بالرغم من أنّها تكاد تكون (...)
الشهادة في أبسط تعريفاتها هي مضمون خبر أو نبأ تنقله ذات إلى ذات أخرى بوِساطة الإعلام في السياق الذي أنا به. والشاهد هنا شاهدان: شاهد عيان، وشاهد سند أو حجّة مثبت أشبه بشاهد العقد. والأوّل صادف أن كان في موقع الحدث، أو هو بوغت به، وليس له خبرة (...)
"الانسان كاتبًا هو قنّاص زمن. الانسان مستمعًا هو قنّاص موجات صوتيّة." هذا ما كتبه الشاعر الفرنسي الراحل جاك لاكريار في كتابه "سورSourates " . ونحن البشر نحيا أبدا وسط ضوضاء العالم حيث تحفّ بنا في مسالك العيش كلّها، رسائل صوتيّة وأخرى مرئيّة، تخترق (...)
يعرف المشتغلون بالأدب ونظريّاته، أنّه وقع التخلّي منذ الأربعينات من القرن الماضي عن تاريخ الأدب؛ لأنّ كتابة هذا التاريخ والبحث في ما هو مشترك بين النصوص، من شأنها أن تفضي إلى طمس التفرّد وهو سمة العمل الأدبي، بل التخلّي عن النصّ نفسه. ولرولان بارت (...)
في "فندق الأغالبة" في القيروان، في منتصف السبعينيات(قبل أن يتحوّل إلى مصحّة)، تعرّفت إلى الشاعر السوري محمّد الحريري، وحضرت أمسيته التي قرأ فيها قصيدته "المظلّة". وقد أثارت وقتها إعجابنا جميعا؛ وكان الرجل في غاية اللطف، ينشد وهو يهتزّ في أعطافه، (...)
أفتح هذا الباب بسؤال قلّما طُرح:إلى أي حد يصحّ الكلام على شعر فلسطيني حديث؟ والمسوّغ لهذا السؤال أن الشعر ينتسب إلى اللغة. وحتى لو نسبناه إلى الجغرافيا، فإنّه من الصعوبة بمكان، أن نخضع الشعر الذي كتب في فلسطين قبل قرار التقسيم، لقوانين تاريخ الأدب (...)