سجل المنتدى الاقتصادي لمدن البحر الأبيض المتوسط الذي عقد في بيروت أواخر 2011 الملاحظات التالية بخصوص مدن الغد: رؤية مستقبلية. 1- القرن الحادي والعشرين هو قرن المدن، بينما كان القرن العشرين هو قرن الأمم والقرن العاشر للميلاد هو قرن الإمبراطوريات. 2- إدارة التحديات تتطلب تعاون ومشاركة جميع القطاعات في المدينة. 3- المدن الذكية تتطلب التوصل إلى نتائج قصوى في مجالات البنية الأساسية والنقل والطاقة. 4- المدن الذكية تحتاج إلى رئيس بلدية ذكي ومشروعات ذكية. 5- العوامل اللازمة للنجاح: التنظيم والبرامج والتكنولوجيا. هذه النقاط المختزلة يمكن اعتبارها خريطة طريق قادرة على أن توجه الساهرين على مدن الغد والتحديات المستقبلية التي قد تواجهها، وفي ذات الوقت يمكن أن تفتح عديد الملفات على النظر والدرس: النمو الاقتصادي، الرؤية الإستراتيجية، إدارة مرافق المدينة، المناطق الخضراء، اتجاهات تطور المدينة.... وهي مقاربة يمكن الاستفادة منها بالنسبة لمثال التهيئة العمرانية الذي تستعد له مدينة صفاقس سنة 2012، وهذا المثال بلاريب يشكل مرحلة فاصلة في تاريخ المدينة التي عانت من التهميش والإهمال والاهتزازات منذ الاستقلال. اننا نكاد نجزم أن مدينة صفاقس عاشت على ” ثروة” الفترة الاستعمارية منذ سنة 1956. بحيث شهدت المدينة زمننا ممتدا من التراكمات السيئة حولت مدينة صفاقس من ثاني اكبر مدينة بعد التخلص من الاستعمار إلى مدينة منسية ومهمشة تعاني من أكوام من المشاكل: النقل، المرور، تردي البنية الأساسية، سوء تخطيط المدينة، هجرة رجال الأعمال وغياب الاستثمار الخارجي، وتفاقم الهجرة الداخلية ومازالت صفاقس هدفا أساسيا للهجرات الداخلية بحثا عن فرص جديدة للعمل وأحدثت هذه الظاهرة خللا كبيرا في التشكل الديمغرافي كما يعلم الجميع....هذا بقطع النظر عن بعض الانجازات الحيوية من بينها المطار وصفاقسالجديدة وتبرورة والميناء التجاري والمؤسسات الجامعية والطريق السيارة .... لا نريد أن ننظر أكثر إلى الخلف خارج هذه المحاور المفصلية، ولكن لاغنى عن الاستفادة من قراءة الماضي . ويبقى أهم سؤال، وأبلغ سؤال: كيف يتراءى اليوم المشهد الصفاقسي،؟ وماهي وجهات الرأي العام المديني بخصوص قضايا المدينة؟، وماهي المقترحات المطروحة لتتجه مدينة صفاقس نهائيا نحو المستقبل؟ هل تتحول صفاقس الى حكومة محلية كعنوان لقوة اللامركزية الديمقراطية؟ ما نلاحظه بدءا – و بالعودة الى مستخلصات ندوة بيروت- ان التعاون والمشاركة بين جميع الأطراف غائب لإدارة التحديات، مع تناقضات وتجاذبات وأجندات عديدة تفتقر إلى الحكمة والعقلانية. أننا لم نستحضر بعد صفاقس كمدينة ذكية، ولم نفكر في مشاريع ذكية لها، واقتصر السجال على قوالب قديمة للنظر والرؤية لا تسمن ولا تغني من جوع ومعنى ذلك أنها لا تتقدم بنا ولاتساهم في تطوير المدينة بل بالعكس فهي تساهم في زيادة التوتر والانقسام وحتى التصادم مثلما هو حاصل اليوم. أما عن التنظيم والبرامج والتكنولوجيا التي تحتاج إليها المدينة فهي ابعد شيء عن واقعنا. فهل لدينا اتفاق أو نظرة استشرافية حول القضايا الهامة مثل التلوث والمياه والصحة؟ والبيئة والترفيه والسياحة ومكافحة الفقر الحضري وقضايا الأطفال والاستفادة من مخزون الشباب وطاقاتهم إلى حدود سنة 2019 مثلا؟ ...وغيرها من القضايا التي تصب في خدمة المدينة وسكانها. وإذا استحضرنا فكرة الحكومة المحلية المتفتحة التي تتمتع بالمصداقية والشفافية فإننا لا نجد ذلك في الأدبيات المتعلقة بالمدينة. ولاشك أننا بحاجة أيضا إلى رصانة لقراءة وتحليل ثورة 14 جانفي واستخلاص النتائح بالحاجة إلى إنشاء قوة اللامركزية الديمقراطية في الحكومة المحلية التي نحتاج إليها. وكذا الشأن بالنسبة لوضع المدينة في ظل المتغيرات الدولية المتمثلة بالعولمة على كافة الأصعدة الاقتصادية والثقافية. إحدى الكفاءات الوطنية من صفاقس تمارس أعمالها في اليابان حضرت مؤخرا إلى صفاقس واستغربت من قلة الأفكار، وعقمها أحيانا وغياب الرؤية الواضحة والمنطق السليم من خلال جملة المداخلات التي استمعت إليها أو من بعض الذين تحدثوا إليها.ولا ينفي هذا القول ما تتوفر عليه المدينة من موارد بشرية ومن مميزات انتربولوجية اشتهر بها الصفاقسي منذ القديم ومن بينها المبادرة والمغامرة والعمل والتوق الدائم إلى الابتكار والتجديد. هناك تحديات مشتركة تتطلب تنسيقا وتستلزم دراسة معمقة وحلولا خلاقة وغير تقليدية. ذلك أن التنمية المحلية لا تشمل فقط المهندسين بل كذلك الصناعيين والتجار والفنانين والأساتذة الجامعيين، بمعنى ضرورة صياغة رؤية شاملة و متفتحة لمستقبل المدينة يتجاوز اعمال المكاتب حتى تكون لنا مدينة يستطاب فيه العيش كما يقال. وتتطلب هذه التحديات أيضا تبادلا للخبرات والأفكار المبنية على تجارب مرت بها بعض الدول فنستفيد من الحلول التي أثبتت نجاحها وقد تتلاءم مع خصوصية مدينتنا على غرار مدن عالمية قامت بتطبيق سياسات واتخاذ قرارات تتصل بالمعرفة والابتكار مثل دبي وشيكاغو وميلانو واسطنبول.... صفاقس: طائر الفينيق. إن صفاقس تملك القدرة على العودة للانطلاق كطائر الفينيق بعد كل كبوة حلت به في الماضي، وهي لا شك قادرة على التقدم نحو آفاق مستقبلية واعدة ضرورة التوافق على التركيز الموضوعي في النظر إلى ماضي المدينة وإلى اتجاهات مستقبلها. فقد مرّت الحركة العمرانية بصفاقس بمراحل تاريخيّة متعدّدة، تمتدّ من القرن التّاسع للميلاد الذي شهد تأسيس المدينة العتيقة وتصل إلى بدايات القرن الحادي والعشرين ببعث مشروع تبرورة، واللافت للانتباه في هذه السيرورة التاريخية أنّ الصورة الفضائية تبرز بوضوح، وربما بشكل نادر، مختلف التطوّرات التاريخية لمدينة صفاقس، فلم تتداخل مراحل النموّ الحضري على مدى حقبات التاريخ، وبقيت الكتل المعماريّة بادية للعيان وواضحة من السماء كما تبين ذلك هذه الخريطة. واعتقد انه لا يمكن ان ننظر الى الكتل المعمارية بالمدينة ولا ان نفهم كنهها و نقيم مساراتها ( المدينة العتيقة ، صفاقسالجديدة، باب بحر، تبرورة...) دون التشبع بخصوصيات كل مرحلة والكشف عن خيط التواصل بينها الذي يتسع زمنيا لأكثر من 11 قرنا.