ما بعد الصدمة... كيف يواجه التونسيون اليوم تداعيات «الثورة» والواقع السياسي والاجتماعي والأمني الجديد الذي تعيشه البلاد منذ عامين وما هي تأثيرات القلق من المستقبل الغامض على نفسية التونسيين في هذه المرحلة؟ الجمعية التونسية للأطباء النفسانيين بالقطاع الخاص نظمت الأيام الوطنية العاشرة للطب النفسي التي تمحورت هذا العام حول تداعيات ما بعد الصدمة وطرق معالجة الحالات النفسية التي أفرزها واقع ما بعد 14 جانفي في مسعى إلى الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها.
توتر... واضطرابات
وقال رئيس الجمعية سفيان الزريبي إنّ البلاد تمر بوضعية حرجة نتيجة توتر الأشخاص الذين يشتكون من صدمات نفسية ومنهم من تعرض لاعتداءات ومنهم من أصبح يعيش حياته بصفة غير عادية ومنهم أناس خائفون على أرزاقهم وتجارتهم وغير ذلك مشيرا إلى أن الفترة الانتقالية تكون عادة صعبة وتصاحبها اضطرابات نفسية وأن هذه الفترة في تونس طالت قليلا.
وأوضح الزريبي أن الطبيب النفساني في تكوينه العادي لم يكن متعودا على مثل هذه الحالات وهذا النوع من المشاكل وبهذه الوتيرة مما يفرض تكوينه حتى يكون مهيأ لمواجهة هذه الوضعيات.
وتضمن المؤتمر الذي يختتم أشغاله اليوم 14 ورشة عمل و17 محاضرة أمّنها خبراء متخصصون من تونس ومن الخارج من أجل الارتقاء بقدرة الطبيب النفساني على التحكم في مواجهة الصدمات.
وأشار الزريبي إلى أنّ المؤتمر يهدف إلى تقديم برامج لمعالجة اللاجئين (خصوصا في الجنوب التونسي) أو من تعرضوا إلى الضرب والتعنيف او إلى عمليات سرقة (براكاج) مما يخلف لديهم صدمات نفسية.
واعتبر الدكتور وحيد المالكي، الأستاذ المبرز في الطب النفسي بمستشفى الرازي أنّ ما حصل من أحداث بعد الثورة سبب زيادة في الأمراض النفسية التي تحدث إثر الأزمات مشيرا إلى ارتفاع عدد العيادات بمستشفى الرازي مثلا إلى ما يزيد على 100 ألف حالة في عام واحد أي بنسبة تصل إلى 30 %.
وأوضح المالكي ان أغلب الأمراض هي حالات اكتئاب وقلق نفسي.
وبخصوص طرق العلاج أوضح الدكتور المالكي أنّه يتم اعتماد الطرق العادية من أدوية وخاصة العلاج النفسي مشيرا إلى قيام بعض الجمعيات العلمية التابعة للطب النفسي كالجمعية التونسية للطب النفسي والجمعية التونسية للأطباء النفسانيين بالقطاع الخاص وكذلك بعض المنظمات الدولية بدورات تكوينية مكثفة لفائدة الأطباء النفسانيين لتهيئتهم لمواجهة مثل هذه الحالات.
من الاكتئاب... إلى التمرد
وتحدثت الدكتورة ريم غشام عن أن حالات الاكتئاب والخوف والاضطرابات زادت من 2011 إلى 2012 موضحة أن «ذلك لا يعني أننا في وضع سيئ لأننا اليوم صرنا نتكلم وأصبح التونسي لا يرى حرجا في التوجه إلى عيادات الطب النفسي والمستشفيات لعلاج الحالات النفسية التي يمر بها.
وحذرت غشام من أنّ هذا الواقع الجديد خلق مشكلا وهو أن البعض صار يعبّر عن الكآبة بالعنف ولم يعد هناك احترام للسلطة (بمفهوميها الاجتماعي والسياسي) أي أنّ الأبناء تمردوا على والديهم وتمرد «الكبار» على سلطة الدولة وهنا يكمن الخطر».
وأوضحت أن «التونسي كان ينتظر الكثير من الثورة ولن يرضى بأي شيء مهما قُدّم له كما أنه لم يقم بنقد ذاتي لأدائه بعد الثورة وماذا قدم لبلده في هذه المرحلة؟».
وتحدث بعض المتدخلين في هذا الملتقى عن أن جميع الشعب التونسي تقريبا صار اليوم في حالة ضغط نفسي وأن هناك ارتفاعا في عدد التونسيين الذين زاروا عيادات الطب النفسي من 120 ألفا سنة 2011 إلى 150 ألفا سنة 2012 أي بنسبة تقدّر ب 20%.
وقالت إيمان بالرحال وهي طبيبة مقيمة تعمل بالمستشفى العسكري إنّ هذا الملتقى من شأنه أن ينمي خبرات الأطباء النفسانيين للتعامل مع الوضعيات النفسية الجديدةللتونسي في هذه المرحلة وإن هناك حالات جديدة من التوتر لا قبل للتونسيين بها مشيرة إلى أن تجربتها في المستشفى العسكري كشفت لها عن بعد آخر للطب النفسي. ومن جانبه روى الدكتور ياسين الهرابي تجربة العمل التطوعي التي خاضها في مخيم الشوشة وفي الذهيبة إبان تدفق اللاجئين من ليبيا نحو التراب التونسي حيث تمت معاينة حالات صدمة لدى الليبيين الذين كانوا يعيشون حالة حرب وكانوا معرضين للتنكيل والتهديد والقتل.
... ما بعد «الربيع»
الطبيب الاستشاري والأستاذ المشارك بجامعة لندن وليد عبدالحميد تحدّث عن أنّ مرحلة ما بعد الربيع العربي كشفت مدى الاضطهاد والتعذيب الذي كان يُمارس في الوطن العربي لذلك كانت الصدمة شديدة وتحتاج إلى علاج وإن عدم علاجها يجعل الناس غير قادرين على التقدم وهو ما قد يقودهم إلى ما يُسمى في علم النفس ب«ما تحت قشرة الدماغ» حيث يتصرف الإنسان بمشاعره لا بعقله.
وأشار عبد الحميد وهو عراقي الجنسية إلى أن هناك علاجا جديدا يسمى علاج حركات العين وقد أثبت فاعليته في علاج أمراض الصدمة وهو مستخدم في أمريكا وبريطانيا ومعمول به تحديدا لدى الجنود الامريكيين والبريطانيين الذين واجهوا الحرب في العراق.
وأوضح عبد الحميد أن الجهة المشرفة على هذا النوع من العلاج هي الرابطة العالمية لعلاج حركات العين ومقرها أمريكا ولها فروع في بريطانيا وفرنسا حيث تعمل هذه الفروع على نشر العلاج في الوطن العربي وتقوم بدورات تدريبية يُدعى فيها أكبر الأطباء النفسيين للتدريب على هذا العلاج.