أثارت مسيرة «دعم الشرعية والوحدة الوطنية» التي نظمتها حركة «النهضة» نهاية الأسبوع الماضي طرح تساؤلات قديمة جديدة حول حدود العلاقة بين «النهضة» والتيار السلفي ونقاط الالتقاء والاختلاف بين الطرفين. المسيرة شهدت «مهرجانا خطابيا» ومشاركة لافتة من الداعية البشير بن حسن الذي قاد في اليوم السابق لتلك المسيرة (يوم الجمعة الماضي) مسيرة لمساندة الشرعية ونبذ العنف بمدينة مساكن وبدا واضحا مدى تقارب رؤى ومواقف هذا الداعية الذي يعتبر «زعيم» تيار السلفية العلمية مع حركة «النهضة».
رسائل سياسية
الشيخ البشير بن حسن قال خلال مشاركته في مسيرة السبت الماضي إن «مسيرة الشرعية» ليست حكرا على حركة النهضة وحدها بل هي عنوان وحدة كل التونسيين مضيفا «نحن مجتمع موحد وبعيد عن الطائفية والجهوية والعرقية وسنسعى الى مزيد تدعيم الوحدة... وهذه المليونية صفعة في وجوه دعاة الفوضى والتدخل الأجنبي في السيادة التونسية».
وخاطب بن حسن أيضا من أسماهم «الحاقدين» قائلا «إنّ بعض القوى تسعى إلى مصادرة حقّنا في التدين وإسكات الدعاة والعلماء»، داعيا إياهم إلى الكفّ عن هذه الممارسات.
كما دعا بن حسن وسائل الإعلام إلى «المصالحة مع الثورة وأهدافها والكفّ عن نقل مشهد سياسي سلبي» حسب تعبيره طالبا من «اليسار» إيجاد إعلام بديل يتماشى والهوية العربيّة الإسلاميّة.
ولم تخل كلمة بن حسن من رسائل سياسية حتى أنّ البعض اعتبره «فقيه البلاط» ومتحدثا باسم حركة «النهضة» وداعيا إلى اتباعها ومبايعتها، ورأى آخرون في خطابه دعاية سياسية تلبس لبوس الدين.
وفي مسيرة مساكن كان خطاب بن حسن أشد لهجة حيث قال أمام أنصاره موجها كلامه للمعارضة «لن تنتصروا أبدا لأن الشعب التونسي يؤيدنا ويؤيد الشرعية». وفي تحليل لغوي بسيط لعبارته الأخيرة يظهر التماهي بين «الشيخ» و«الشرعية» وحركة «النهضة» وهو ما يؤكّد متانة العلاقة بين السلفية العلمية (ممثلة في البشير بن حسن) والتي يؤكد مراقبون أن أنصارها في تزايد قياسا بالسلفية الجهادية، وبين حركة «النهضة» التي تقود الائتلاف الحاكم وتتمسك بما تسميه «الشرعية الانتخابية» في هذه المرحلة.
وقال اللوز إن تلك المسيرة «تأتي لدعم الوحدة الوطنية الاسلامية ودعم الصمود ضد كل القوى التي تريد أن تضرب الثورة وتتآمر عليها» على حد تعبيره.
بين الدعوي والسياسي
وقد التقى الشيخ البشير بن حسن برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قبل أسابيع بحضور الحبيب اللوز النائب عن الحركة بالمجلس التأسيسي، واستعرض اللقاء «جملة المستجدات الجارية في الساحة الدعوية في تونس وضرورة العمل على تحصين البلاد والشباب من الغلوّ في التدين وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديه والعمل على نشر الدعوة بالطرق السلمية التي نصّ عليها القرآن والسنة وعلماء الأمّة».
وفي هذا السياق يقول الدكتور علية العلاني الخبير في الحركات الإسلامية إنّ «الأضواء أصبحت مسلطة مؤخرا على التيار السلفي خاصة شقه الجهادي وهو ما جعل حركة النهضة تجد نفسها بين مطرقة المعارضة السياسية التي ازدادت قوة في الأيام الأخيرة وسندان السلفية الجهادية وبالتالي فقد أُجبرت على نوع من المواجهة مع السلفيين خاصة أن راشد الغنوشي يعتبر أن المواجهة مع السلفية الجهادية خط أحمر.»
واعتبر العلاني أن «في فتح حركة النهضة الباب مع السلفية العلمية رسالة منها لدعم هذا التيار خاصة أن حلفاءها في الحكم أبدوا امتعاضا من موقف «النهضة» من السلفية الجهادية، كما لم تشهد الحركة في تاريخها أية مواجهات مع «السلفية العلمية» إضافة إلى أن البشير بن حسن أثنى في أكثر من مرة على مواقف «النهضة» بل وحاول تبرير البعض منها.»
وكان الغنوشي رأى في تصريحات سابقة أن حركة النهضة أكثر المتضررين من الحركة السلفية المتطرفة في البلاد بسبب الخلط بين السلفيين والتابعين لحركة النهضة متهما المعارضة بتعمدها هذا الخلط.
وأكد زعيم حركة النهضة أن «السلفية هم أقلية لهم تفسيرهم الخاص للنصوص الدينية والسبب يعود الى الفراغ الديني الذي تسبب فيه بن علي.» حسب قوله. ... نحو السلفية «المستنيرة»؟
من جانبه اعتبر رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية رضوان المصمودي أنّ التيار السلفي يشهد صحوة كبيرة منذ الثورة وقد أصبحت لديه شعبية وجماهير خاصة لدى الشباب وأصبح له وزنه الذي يقدّر ما بين 5 و10% .
وقال المصمودي ل «الشروق» إنّ التيار السلفي يضم اتجاهات متعدّدة وحتى السلفية العلمية نجد فيها من يؤمن بالديمقراطية والانتخابات والدستور ومن لا يؤمن بذلك ويعتبر أنها متناقضة مع الشريعة الإسلامية وأن الحكم لله وحده وأن الإنسان مسير وليس مخيرا ولا يحق للشعب اختيار من يحكمه...»
وأضاف المصمودي أنّ «الشق الذي يؤمن بالديمقراطية قريب جدا من حركة «النهضة» وقد يتحالف معها وهو رصيد انتخابي لها لأنّ داخل النهضة أيضا شق سلفي أبرز رموزه الحبيب اللوز والصادق شورو وهو شق يؤمن بالديمقراطية» مشيرا إلى أنّ هذا الشق يمكن تسميته السلفية الديمقراطية أو المستنيرة.
ونبه المصمودي إلى أنّ على حركة «النهضة» أن تحسن اختيار حلفائها لأنها إذا ما تحالفت مع الشق الذي لا يؤمن بالديمقراطية ومدنية الدولة ستفقد مصداقيتها وسيمثل ذلك خطرا عليها وعلى الديمقراطية».
ويُذكر أنّ المسيرات الأخيرة التي نظمتها حركة «النهضة» شهدت مشاركة أطياف إسلامية مثل حزب التحرير و«أنصار الشريعة» ورُفعت فيها شعارات دعت إلى توحّد القوى الإسلامية.
وفي سياق متصل قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إنّ «التونسي البسيط لا يفرق بين المنتمين إلى حركة النهضة وبين السلفيين وهو ما سيؤدي إلى نتائج وخيمة على النهضة وعلى مستقبلها السياسي».
ودعا الجورشي النهضة إلى مراجعة رؤيتها لطبيعة العلاقة بينها وبين التيار السلفي مبرزا أن النهضة اليوم تدفع ثمن سوء إدارتها لملف السلفيين. وأكد الجورشي أن غياب الشروط الضرورية لمناقشة هذا الملف المعقد من طرف النخبة الحاكمة والمعارضة إلى جانب الإعلام وقطاع واسع من المجتمع المدني سيزيد الأمر تعقيدا.