لم يجفّ دم المرحوم شكري بلعيد حين خرج السيد حمادي الجبالي ليعلن عن تشكيل حكومة كفاءات او تكنوقراط ...ومرة أخرى انقسمت الآراء ...المواطن الذي أتعبه الغلاء وعدم الاستقرار وانتشار الجريمة رأى في «المبادرة» بصيص أمل في وضع مستقر وبناء حقيقي لدولة الثورة وهو ينتظر طوق نجاة للبلد ... استحسان شعبي مرده أساسا استياء من أداء حكومي وحزبي ونيابي اثبت فشله وعقمه على أكثر من صعيد وفي أكثر من مناسبة...البعض سجلها اعترافا من رئيس الحكومة نفسه بان وزراءه ومنهم وزراء السيادة لا يملكون الكفاءة في التسيير ووجودهم كان صدفة انتخابية منحتهم جزءا من الكعكة التي رأى رئيس الجمهورية أنها مسيلة للعاب ووجب اقتسامها ...ولكن أيضا كثرت اللاءات. لا من بعض الوزراء الذين يتشبثون بكراسيهم تشبث الرضيع بالثدي المدرار... لا من بعض الأحزاب التي تلهث وراء نصيبها من الكعكة المغموسة في القروض وتلك التي حصلت على نصيبها وتخشى ان تخسره او يذهب لغيرها ...لا من بعض السياسيين وفيهم من هو معارض مدى الحياة ...لا من كثيرين يلازمهم شك مزمن في صدق نوايا الحكام ويرون في مبادرة الكفاءات مناورة حبكها السيد حمادي الجبالي مع السيد راشد الغنوشي لامتصاص غضب الشارع بعد مقتل المرحوم شكري بلعيد ..وقد تحولت الأنظار فعلا وبصفة كبيرة من الجريمة إلى تداعياتها السياسية وفي مقدمتها هذه المبادرة ... لا من قياديي حركة النهضة الذين رأوا فيها مدخلا لخروجهم من السلطة التي امسكوا بتلابيبها.أعلنوها بكبيرهم وصغيرهم ..في الإعلام وفي الشارع ...وفي داخل المجلس التأسيسي وفي رأس هرم الحركة أنهم لن يتركوا الحكم ..أكدوا أنهم لن يقبلوا وزيرا الا بموافقتهم ..ولن يتركوا الكراسي إلا موتى ...منطق اعوج يذكرنا بما عشناه ..مع بورقيبة ومع بن علي وكلاهما وقد حصلا على «الشرعية» في أول الشوط حاولا جعلها أبدية
وتأجلت «الكفاءات» يوما بعد آخر ..ووجفت قلوب البعض من المجهول لو نفذ السيد حمادي الجبالي «تهديده» بالاستقالة لو فشلت المبادرة لينضم إلى الوطن الذي «اختاره» ..ثم جاءت كلمته ليعلن عن فشل «المبادرة» ويعلن بعد ذلك عن الاستقالة ...طمأن وأشار الى انتظار مبادرة جديدة..ونطق الحق عندما قال ان المبادرة جنبت البلاد الكارثة بعد مقتل شكري بلعيد.. ولا شك ان السعادة غمرت قلوب مقتسمي الكعكة ..
محصلة ما حدث ..اعتراف من الجبالي بان حكومته ليست كفءا ...إيحاء يبلغ التأكيد بأنه رضخ لأحزاب وأولها حزبه...تأكيد بان من جلسوا على الكراسي في غفلة من الزمن والذين انتحب بعضهم خوفا من ضياع الكعكة ليسوا مستعدين لتركها..مرحلة تم تجاوزها من دون تحسب للآتي.. وتاتي استقالة الجبالي لتثير اكثر من نقطة استفهام: فهل سيعاد تكليفه وبشروط وضعها ترفضها قيادات النهضة ؟ أي تحالف سيكون في التاسيسي لنيل الموافقة؟ هل ستكون محاكمة محاصصة ونعود لنقطة الصفر وتكسب بعض الاحزاب ما تريده من وقت ؟ كل الاحتمالات مفتوحة ... وكل كفاءات وكل استقالة والشرعية بخير.